لا يبدو الجزائريون، ظاهريا على الأقل، مهمومين، بأنباء أسعار النفط في الأسواق العالمية، التي نزلت إلى الحضيض، فهم يمارسون حياتهم كعادتهم ببذخ، يأكلون ما شاءوا من طعام وحلويات، وهم يعلمون بأنها جميعا مستوردة من الخارج بأموال النفط، ويلبسون ما شاءوا من ثياب، ويعلمون بأنها مستوردة من جوارب إلى قبعات من الخارج بأموال النفط، ويركبون السيارات ويتفسحون ويلعبون بالآلات الإلكترونية ويبذرون أيضا، وهم يعلمون بأن هذا الذي يصنع حياتهم من آذان الصبح إلى شروق الفجر بما في ذلك مواد بناء مساجدهم بميكروفوناتها و”مائضاتها”، إنما هو نتاج أموال النفط التي تأكد بأنها ستتبخر في القريب العاجل.. بل إنها بدأت في التبخر.
المزيد: الجزائر تواجه 4 سنوات عجاف
لماذا لا يجالس ربّ الأسرة أفراد عائلته، ويُشرّح معهم الوضع الاقتصادي المعقد الذي دخلته الجزائر، والذي سيزعزعه مباشرة، فالحليب أو القهوة التي نبدأ بها صباحنا تأتينا من الخارج، ليس هِبة وإنما مقابل أموال ندفعها من بيع النفط، وأدوات الدراسة ومختلف أجهزة الاتصال من “آيفون وتابليت” تأتينا أيضا من الخارج، وحتى أعراسنا ما قدّر لها أن تقوم بهذه الأبّهة التي تبهج الصدور والأنظار والأذواق من أطعمة فاخرة وشماريخ وثياب باهرة وأجهزة موسيقية، لولا هذه الحاويات التي تطرق موانئنا يوميا، قادمة من القارات الخمس نظير أموال نسلّمها لمختلف الشركات والمتاجر من ريع النفط الذي صار ثمنه من ثمن الماء.
ولو ألقيت بسمعك في الأسواق والشوارع وحتى في أروقة الجامعات حتى لا نقول مقر البرلمان ومختلف المديريات والوزارات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي لا يكاد يشغل هذا “الهمّ الاقتصادي الخطير” الذي سيصيب الكيان اجتماعيا وسياسيا بال الناس، ولم يصل حتى درجة التحليل ولا نقول البحث عن الحلول، مما يعني أن الوطن برمّته إما جاهل للزلزال الذي ينتظره وتلك مصيبة كبرى، أو يعلم بقوته ومع ذلك يتعمّد الجهل وتلك مصيبة أكبر.
كلنا نعلم بأننا مازلنا بعيدين عن بلوغ مرحلة أن نأكل مما ننتج ونلبس مما ننسج، ونعلم بأن هذه الأطنان من القمامة التي تزكم أنوفنا، المليئة بالخبز وبالمواد الاستهلاكية، هي آبار من النفط في شكل مواد مستوردة من الخارج، ونعلم بأننا أعلنا الطلاق بالثلاث مع العمل منذ عقود، ومع ذلك نتهرب عن مواجهة الواقع المؤلم الذي ينتظرنا، بمواصلة العيش على نفس النمط الاستهلاكي الممزوج بالعبث وبالضحك على أنفسنا، حيث أن غالبية السيارات التي تملأ شوارعنا لا مآرب ولا أهداف لراكبيها غير التسكع، ومطاعم البيتزا والهامبرغر التي تتزاحم في شوارعنا لا زبون لها سوى من يأكل من أجل التسلي.
المزيد: الجزائر..قرارات غير حكيمة زادت من سوء الأزمة الاقتصادية
نعلم بأن عدم الإحساس بالمسؤولية هو نتاج لسياسة فوقية بلغ عدواها جميع المواطنين، فالمسؤول الكبير مازال محافظا على طعامه المكوّن من الكافيار وأثمن أنواع الأسماك والفاكهة، ومازالت عطلته تتأرجح ما بين هاواي وجزيرة بالي وسياراته بين ماركات أمريكية وألمانية.
وعندما تجالس الحكومة وزراءها وتُعلمهم فعلا وليس قولا، بخطورة الوضع، ويجلس الكبار مع أبنائهم ويفهمونهم بضرورة التقشف والعيش على الطريقة العادية، حينها قد تصل العدوى إلى صغار المجتمع.. وفي كل الحالات فإننا سنُلطف من القضاء والمصير.. ولا نردّه أبدا.
*صحفي جزائري/”الشروق”