يتولى حاليا أعضاء في حزب نداء تونس القيام بمبادرة من أجل جمع الدستوريين وتوحيدهم، والدستوريون هم أبناء أقدم حزب تأسس في تونس، إلى جانب الحزب الشيوعي، وقد أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي في سنة 1920 مع شخصيات زيتونية قبل أن يلتحق به الحبيب بورقيبة الذي سرعان ما اختلف مع قادته، وانشقّ عنهم ليؤسس “الحزب الدستوري الجديد”. طبع هذا الحزب تاريخ تونس الحديث، حيث قاد الحركة الوطنية، بمختلف روافدها السياسية والاجتماعية والثقافية. ثم كان له الفضل في بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال، واحتكر السلطة مدة تزيد عن نصف قرن. ونظراً لما أصابه من ضعف، اختطفه الجنرال زين العابدين بن علي، فغير اسمه وكوادره القيادية، بعد أن تخلص من الحرس القديم، واستعمله لإدارة حكمه 23 عاما حتى حوّله إلى جثة.
المزيد: الأحزاب الليبرالية في تونس.. الضعف والعجز والفاعلية الغائبة
عندما قامت الثورة، تهاوى “التجمع الدستوري الديمقراطي”، بعد أن صدر قرار قضائي بحله وإلغاء هياكله. في تلك الأيام الصاخبة، لم يجرؤ أحد أن يدافع عن الحزب المنهار. فقط ارتفعت أصوات المتعلقين بالحزب الدستوري، قبل انقلاب الجنرال بن علي. لكن، تدريجيا أخذ “التجمعيون” يستيقظون من الصدمة، ويرفعون أصواتهم للدفاع عن وجودهم السياسي.
المزيد: محرار الثورة وتزامن الحركة الدبلوماسية وحركة المحافظين في تونس
في هذا السياق العام، تعددت محاولات إعادة توحيد “العائلة الدستورية”. وعلى الرغم من أن الذين سعوا إلى ذلك يتباينون في أحجامهم وتاريخهم وجديتهم ومواقعهم، إلا أن تلك المحاولات فشلت في لملمة الصفوف، حيث بقيت هذه العائلة بدون أب قادر على إقناع الأبناء بالعودة إلى الخيمة الجامعة.
لولا الدستوريون والتجمعيون لما نجح حزب نداء تونس في احتلال المرتبة الأولى. وإن اختلفوا في انتخابات نواب الشعب، إلا أنهم توحدوا في الشوط الثاني من الرئاسيات، وصوتوا لصالح الباجي قايد السبسي. مع ذلك، لم ينجح “نداء تونس” في ضم كل التجمعيين والدستوريين الذين استمروا مشتتين، ويطرقون أبوابا متعددة. حتى الذين لعبوا دوراً مهماً داخل حزب النداء شعروا بأنهم في مأزق، لأن حجمهم لا يتناسب مع ما كسبوه عملياً على مستوى المسؤوليات داخل الحزب والحكومة. وقد تضاعف هذا الشعور، في الأيام الأخيرة، عندما كثر الحديث عن التعيينات الجديدة التي ستشمل الولاة والمعتمدين والدبلوماسيين. ولأنهم يشعرون بالضيم، ويرغبون في استعادة القيادة، جاءت هذه المبادرة لتجميع شملهم داخل حزب النداء وخارجه. وعلى الرغم من أن أصحاب هذه المبادرة يؤكدون أنهم لن يهددوا مواقع أي أحد، في محاولة لطمأنة القادة الحاليين للحزب، من يساريين وغيرهم، إلا أن توحد الدستوريين سيقلب كل الموازين، وستكون له تداعيات مباشرة على وحدة الحزب واختياراته.
يستبعد أن تتحقق وحدة العائلة الدستورية على الصعيد العملي، خصوصاً أن أصحاب المبادرة لم تكن لهم مواقع قيادية في هرمية الحزب، بحكم سنهم وعدم انخراط بعضهم في الحزب الدستوري سابقا، لكن دعوتهم من شأنها أن تعيد تغذية الصراع داخل حزب نداء تونس الذي لا يزال يعيش تحت وقع التجاذبات بين مكوناته. فعلى الرغم من أهميته ودوره الرئيسي في المشهد العام، إلا أن وضعه الداخلي يتسم بالهشاشة، نظرا لعمق الأزمة الداخلية، وفقدان الثقة واللحمة بين مكوناته الرئيسية.
نذهب إلى أكثر من ذلك، عندما نفترض أن الدستوريين قد ينجحون في استعادة وحدتهم المفقودة، ماذا عساهم أن يقدموا للبلد في ظل غياب تقييم جماعي وعميق لتجاربهم السابقة في الحكم. ماذا عساهم أن يقدموا للتونسيين من حلول وبدائل، والثورة قامت ضدهم، ومن أجل تجاوز تصوراتهم وأشخاصهم، وتمكين غيرهم من الحق في تداول الحكم.
على الرغم من ذلك، لا يزال الدستوريون يمثلون جزءاً رئيسياً من المشهد السياسي الراهن في تونس. حتى حركة النهضة التي كانت تصفهم بـ”الوباء” أصبح قائدها الشيخ راشد الغنوشي يدعو إلى تحقيق التحالف التاريخي بينهم وبين الإسلاميين.
* كاتب من تونس/”العربي الجديد”