سئل مرة “الملياردير” الأمريكي “روكفيلر” عن سبب إقامته في غرفة بسيطة في أحد فنادق سويسرا، بينما نزل ابنه في جناح خاص، فرد بالحرف الواحد: “أنا تعبت في كسب قوتي ومالي وبناء ثرائي، وأعلم أن ثمن أي دولار هو براميل من العرق والدماء، وأدفع جزءا مهما إلى الدولة من حرّ مالي نظير سماحها لي بتحقيق هذا الثراء، بينما يلتهم ابني ما يجده أمامه دون معرفة ثمن هذه الثروة من جهد الإنسان”.
تبادرت إلى ذهني هذه الحادثة، عندما سمعت وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، السيد محمد الغازي، وهو يقول خلال زيارته إلى سكيكدة، عشية الأربعاء، إن رقم أعمال بعض “مليارديرات” الجزائر بلغ ست مائة مليار، ولا ينتسبون بطاقمهم العمالي إلى صندوق الضمان الاجتماعي ويتحصل بعضهم على بطاقة الشفاء، وأكيد أن المشكلة ليست في هؤلاء، وإنما في الدولة التي تصرّ على التعامل مع الجميع من دون استثناء بعقلية الاجتماعي، في بلد تجاوز في بعض ممارساته العمومية والخاصة، كل الجشع الرأسمالي والإقطاعي الذي عرفته الدول عبر تاريخها. ولن نقول جديدا عندما نعدّ الآلاف من الأثرياء الذين تحصلوا ومازالوا يتحصلون على السكنات الاجتماعية، وتحصل أبناؤهم على منح من الدولة للدراسة في الخارج، بعد أن درس في جامعة جزائرية غريبة الأطوار، مازالت دون جامعات الدنيا تقدم إلى كل الطلبة بمن فيهم أبناء “المليارديرات” الغرفة والنقل وبقية الخدمات بالمجان والوجبة بالدينار الرمزي، ليكشف لنا الوزير سرّ عدم انتساب “ملياردير”، رقم أعماله قارب الألف مليار، إلى الضمان الاجتماعي الذي يقتص من حارس في مدرسة أو منظفة في المستشفى جزءا كبيرا من مرتباتهما.
المزيد: الجزائر: الواقع الاقتصادي والمكابرة
قد تكون الجزائر من البلدان القليلة في العالم التي لا يوجد فيها فقير بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن أراضي فلاحية ورعوية مازالت عذراء، وسمك الساحل الجزائري ولآلئه ومرجانه مازال يموت ويندثر بالشيخوخة واللامبالاة، وملايير الدولارات من الذهب والفضة مازالت مكتنزة في أرضه، وقد تكون أيضا من البلدان القليلة في العالم التي لا يوجد فيها “ملياردير” واحد بالمعنى الحقيقي للكلمة، مادام كل هؤلاء الأثرياء لم يبذلوا قطرة من العرق ولا نقول من الدم التي تحدث عنها “روكفيلر” الولايات المتحدة الأمريكية، الذي عاش ثريا وعاشت معه أمريكا ثرية لأنه سار ضمن نهج ثراء مكشوف وسلّم واضح المعالم.
الجزائر من منظور التعليمات التقشفية الأخيرة التي أعلنتها مصالح الوزير الأول تبدو مختلفة في نظرتها الاقتصادية عن دول العالم الأخرى، ومنها اليونان التي هي على وشك إعلان إفلاسها التام، فهي ترى أن مشاريع النقل والسياحة مثل الترامواي والفنادق من الكماليات فأوقفتها، وهي التي تدرّ على بلدان كثيرة ثروات ضخمة بل إنها تمثل عماد اقتصادها، في الوقت الذي تترك مثل هؤلاء الذين سموا أنفسهم “أثرياء ومليارديرات” يعيثون فسادا في الاقتصاد والأخلاق والمجتمع، يجنون الأموال بطرق بشعة تسيء إليهم وإلى البلد قاطبة وحتى إلى عالم المليارديرات.
*صحفي جزائري/”الشروق”