صندوق النقد الدولي يهدد وحدة الدولة الليبية

جاءت خطوة اعتراف صندوق النقد الدولي نهاية الأسبوع الماضي بمحافظ مصرف ليبيا المركزي الذي عينته الحكومة الليبية الرسمية مفاجئة في وقت تكافح فيه المؤسسات المالية السيادية للبقاء بعيدا عن صراع الحكومتين المتنافستين.
وتعد الخطوة غير مسبوقة، خاصة أن الصندوق أكد أنه يعترف بالمحافظ علي سالم الجبري، الذي عينته حكومة طبرق، بوصفه المندوب الوحيد لليبيا لدى الصندوق، بل وإنهاء روابط الصندق بمحافظ البنك المركزي المنافس في طرابلس.
ويجمع المراقبون على أن المؤسسات المالية السيادية الليبية، مثل المؤسسة الليبية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار والبنك المركزي، حافظت حتى الآن على استقلاليتها عن الصراعات السياسية وواصلت تقديم خدماتها لجميع أنحاء البلاد بغض النظر عن خارطة الصراع السياسي والعسكري.

المزيد: المؤسسات الاقتصادية الليبية وضرورة احترام استقلاليتها

ولم تتمكن المؤسسات الموازية، التي أسستها الحكومة الشرعية في طبرق من انتزاع الشرعية في مواجهات عديدة.
وكان آخرها محاولة إدارة الصندوق السيادي، التي عينتها حكومة طبرق، انتزاع التمثيل الرسمي من مؤسسة الاستثمار الليبية في المنازعات القضائية في لندن المتعلقة بالقضايا المرفوعة ضد مصرفي غولدمان ساكس الأميركي وسوسيتيه جنرال الفرنسي.
وبحسب رئيس المؤسسة التي مقرها طرابلس عبدالمجيد بريش في تصريحات للعرب، فإن السلطات البريطانية أكدت أنها تعترف بالبرلمان والحكومة الشرعية، لكنها لا تعترف بالمؤسسات المنبثقة عنهما، لمنافسة المؤسسات السيادية في طرابلس.
كما واصلت مؤسسة النفط الليبية، سيطرتها على عوائد النفط بقدر كبير من الشفافية، ولم تتمكن أي من الحكومتين من تصدير واستلام العوائد النفطية بعيدا عنها.
ويرى مراقبون أن قرار صندوق النقد قد يزيد صعوبة التعاون بين الدول الأجنبية وبين الحكومتين المتنافستين لأن الحكومة الرسمية تتخذ مقرا في شرق ليبيا، بينما البنك المركزي، الذي يسيطر على عائدات البلاد الحيوية من النفط في طرابلس.
وكانت المؤسسات المالية السيادية أحد العوامل الرئيسية لمنع تجزئة البلاد على أرض الواقع، وكانت تساهم في دعم الأمل في التوصل لحل سياسي لمنع تقسيم البلاد.
أما الاعتراف بمؤسسات مستقلة ومنفصلة فإنه يمكن أن يؤدي تقسيم ليبيا، بعد أن يفتح الأبواب للسياسيين المتصارعين في استغلال الموارد الكبيرة للبلاد.
وكان رئيس الوزراء المعترف به دوليا عبدالله الثني غادر العاصمة قبل عام حينما استولى فصيل منافس على المدينة وشكل حكومة من جانبه.
وعزل البرلمان المنتخب ومقره أيضا في الشرق محافظ البنك المركزي في طرابلس، الصادق الكبير العام الماضي وعين نائبه علي سالم الحبري خلفا له. لكن الكبير واصل العمل في مقر البنك في طرابلس.
وأنشأ الحبري مقرا جديدا للبنك المركزي في الشرق لكنه فشل في إقناع مشتري النفط بالدفع من خلال حساباته لأن سند الملكية للموجودات النفطية مودعة في العاصمة.
وأكد صندوق النقد الدولي أن قرار الاعتراف جاء بعد طلب من مجلس النواب الموجود في شرق البلاد لقبوله مندوبا وحيدا لليبيا لدى الصندوق، وأن الإجراءات المعمول بها في الصندوق أدت إلى الاعتراف بالحبري محافظا لليبيا لدى الصندوق.
وهناك إجماع دولي واسع على الاعتراف بمجلس النواب بوصفه السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا، لكن المؤسسات المالية السيادية ظلت بمنأى عن الصراعات السياسية.
ويمكن أن تكون الخطوة متسرعة، وقد يتم الطعن فيها، لأن جميع المؤسسات العالمية في أوروبا والولايات المتحدة لم يسبق أن اتخذت خطوة من هذا النوع، وحافظت طوال الأزمة على اعترافها بتلك المؤسسات السيادية، رغم وجودها في مناطق نفوذ الحكومة الموازية في طرابلس غير المعترف بها دوليا.
أما إذا سارعت مؤسسات أخرى لتحذو حذو صندق النقد، في الاعتراف بالمؤسسات الموازية التي اسستها الحكومة والبرلمان المنتخب، فإن الانفصال المالي والإداري سيتكرس، وقد يقطع الطريق على فرص بقاء ليبيا دولة موحدة.

*إعلامي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *