أعلن الرئيس باراك أوباما، قبيل رحلته الأفريقية أن القارة: «على رغم التحديات التي ما زالت تواجهها، تتمتع بدينامية، فيها بعض الأسواق الأسرع نمواً في العالم، وناس استثنائيون، وصمود مذهل».
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بدأ بعض الأميركيين الأغنياء ذوي الأصول الأفريقية البحث عن جذورهم في القارة السمراء، حيث سيق أجدادهم إلى الولايات المتحدة عبيداً. وما إن كان أحدهم يصل إلى غانا أو كينيا أو أي بلد آخر، ويبدأ البحث حتى يصطدم بثقافة أخرى، وعادات وتقاليد يعتبرها البيض بدائية أو متوحشة، فالأسواق مختلفة عما ألفه في هارلم أو في أي حي من الأحياء الفقيرة أو الغنية التي يعرفها في أي مدينة أميركية. والناس مختلفون، على رغم لون بشرتهم. واللغة مختلفة، بطبيعة الحال. «الصدمة الحضارية» تجعل منه عدائياً، وسرعان ما يصبح متغطرساً. يعامل البسطاء الذين يلتقيهم بكثير من التعالي، فهو قادم من أغنى وأقوى بلد في العالم، حتى لو كان مضطهداً فيه.
أما أحفاد أجداد القادم من العالم الأول الذين لم يرحلوا إلى أميركا، وخضعوا للعبودية في بلادهم، أيام الاستعمار، ونهبت ثرواتهم، وقتلوا أو شردوا، وأبيد منهم كثيرون، فكانوا يستقبلونه ببساطتهم وطيبتهم، ينظرون إليه بكثير من الإعجاب في بداية الأمر، ويقدمون له الخدمات التي يريد، ويساعدونه في العثور على قبيلته، حيث أمكنهم ذلك، ويحاول بعضهم اقتناص الفرصة للحصول منه على بعض الدولارات. لكنهم كانوا ينظرون إليه بريبة وتصيبهم، هم الآخرون، صدمة من سلوكه المتعجرف كأنه أحد الجنود البيض الذين رحلوا عن بلادهم بعد نضال طويل مرير. فيطلقون عليه لقب «الأسود – الأبيض»، إذ إنه مثل أي أبيض عنصري يعرفونه، لا يشبههم في شيء إلا بلون بشرته.
المزيد:
صحيح أن الأفارقة فرحوا بوصول أوباما إلى البيت الأبيض، خصوصاً في كينيا، حيث كانت جدته ما زالت حية. وتوسموا فيه خيراً. لكن بعد هذه السنوات لم يقدم لهم شيئاً مختلفاً عن إدارات الرؤساء البيض، عدا بعض المشاعر الطيبة التي يطلقها بين فترة وأخرى. أما القانون الذي أصدره لـ «تعزيز الصادرات الأميركية»، إلى القارة، على ما قال قبل رحلته، فكان يمكن لأي رئيس أبيض إصداره، فالقانون في نهاية الأمر خدمة كبيرة للشركات الباحثة عن أسواق جديدة واعدة، وخدمة للمؤسسات المالية مثل البنك الدولي ومؤسسة النقد اللذين يشكلان السبب الرئيسي في إفقار دول أفريقية كثيرة. ولا شك في أن هذه الشركات ستجد من يؤيدها ويعمل معها ويعتبرها فرصة ثمينة للإسترزاق على حساب الفقراء الذين يعيشون غرباء في بلدانهم، وقد انتشرت في أوساطهم طبقة من «البيض – السود» تتصرف مثل القادمين للبحث عن جذورهم.
أثيوبيا (أوباما سيكون أول رئيس أميركي يزورها) وكينيا، ستستقبلان أوباما بحفاوة بالغة، وستحسدهما دول أخرى لن يزورها. لكن زيارته ستكون مثل زيارات «السود -البيض» أرض الأجداد.
*كاتب صحفي/”الحياة”