بين رفض «الحرس الثوري» «المساومة» على البرنامج الصاروخي الإيراني وتمسك مرشد «الجمهورية الإسلامية» علي خامنئي بـ”حلفاء» طهران في المنطقة، تتبلور ملامح العلاقة الإيرانية – الأميركية بعد إبرام الاتفاق النووي الثلثاء الماضي.
وبعيداً عن تكهنات تلامس أحياناً حدود نظرية المؤامرة، بوصول التفاهم بين واشنطن وطهران إلى أبعد من حدود الاتفاق النووي، وما يستتبع ذلك من تغييرات مفترضة في المعادلة على الساحتين الإقليمية والدولية، فان ثمة مفاعيل لـ «التطبيع النووي» مع الإيرانيين، لعل أبرزها يتمثل في قدرتهم مستقبلاً على «مكافأة» حلفائهم مادياً وربما سياسياً أيضاً في شكل من الأشكال، وإن كان لا يزال مبكراً التكهن في هذا الشأن، خصوصاً في ظل وصف خامنئي الاتفاق النووي بانه «استثنائي»، بمعنى أنه لا ينسحب على مجمل الموقف الإيراني من أميركا والغرب، وأيضاً في ظل تأكيد الرئيس باراك أوباما في حديثه إلى «نيويورك تايمز» غداة الاتفاق، بأنه «لا يثق بالقيادة الإيرانية» وقوله: «نعرف أنها ستمتلك مالاً أكثر لإنفاقه على الإرهاب»، في إشارة إلى الإفراج عن ودائعها ورفع الحظر الاقتصادي عنها.
المزيد: أوباما : الإتفاق النووي سيقطع الطريق على إيران لامتلاك سلاح نووي
لكن كيف يستوي «الانفتاح» الغربي على إيران، مع مواقفها «المناقضة» (لئلا نقول النافرة)، في اليمن والعراق وسورية وفلسطين وغيرها؟ وهنا لا بد من استحضار التمايز في المواقف والذي يصل حد الصدام، بين أميركا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. ولعله النموذج الذي تطمح إيران إلى اتباعه، أي اعتراف بها قوة غير خارجة عن الشرعية الدولية، في ما يتعلق بالموضوع النووي، مع مواصلة نهجها «الممانع»، يضاف إلى ذلك إمكان استفادتها من الانفتاح لتمرير طموحاتها في أن تصبح شريكاً أساسياً في صوغ تسويات للأزمات الإقليمية التي غالباً ما اتهمت بالمساهمة في إشعالها!
لكن ما يهمنا في الأمر هو تكييف عقلنا العربي مع نظرية «فك الارتباط بين الأزمات» التي يعتبر الأميركيون أسيادها، فحال الحرب مع الروس في أوكرانيا، لا تمنع واشنطن من السعي إلى تنسيق مع موسكو في قضايا أخرى. وقد أثبتت ثرثرة بنيامين نتانياهو وعدم تقبله الاتفاق النووي، أن عقله ربما يكون أقرب إلى عدم استيعاب نظرية فك الارتباط تلك، أو لعله يناور لنيل أكبر قدر ممكن من المكاسب لإسرائيل تعويضاً لها عن قبول اتفاق «على مضض».
لكن بطبيعة الحال ثمة هواجس تبدو مشتركة لدى معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين، كهاجس مكافحة إرهاب «داعش» الذي لم ينعكس ملفه سلباً على العلاقات الإيرانية – التركية، على رغم توجس طهران من دعم أنقرة للفصائل المتشددة في سورية والذي لا يعادله سوى توجس تركي في المقابل من تحرك الأكراد الذي لا يبدو أنه يقابل بالقدر ذاته من التحفظ على الجانب الإيراني.
على رغم ذلك، لم تعكس العلاقات الإيرانية – التركية تباين مصالح الجانبين في المنطقة. بالتالي قد لا ينعكس على العلاقات الإيرانية مع الغرب، التناقض الحاد في المواقف من الأزمات… ولا من الصراع مع إسرائيل الذي حرصت تل أبيب وطهران، كل بطريقتها، على تأكيد استمراريته.
لا الاتفاق النووي ولا الانفتاح على طهران، يعنيان عودة كاملة لإيران إلى «الحظيرة الدولية»، على الأقل، بالشكل الذي يوحي به على خطأ، قياس الأمور بمنطق «الأبيض» و»الأسود»، ذلك أن «الرمادي» هو الغالب في الأمور العملية، من منطلق قياس المصالح أو على الأقل الحد الأدنى منها.
المزيد: واشنطن نحو طهران.. والرياض نحو موسكو!
* كاتب صحفي/”الحياة”