بقلم: فيصل جلول*
رغم حرصهم على التكتم الشديد حول الهدف الفعلي لزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر في منتصف الشهر الجاري. ورغم إضفاء عبارات كلاسيكية على الزيارة من أنها «لبحث السلام في إفريقيا والشرق الأوسط» فإنها توحي بشيء مختلف تماماً ويتصل بخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. فتركيبة الوفد الذي رافق الرئيس هولاند يزيد الشك في طبيعة الزيارة، فقد جاء بدعوة من نظيره الجزائري وبقي في العاصمة لساعات قليلة قضى شطراً منها في رعاية حفل استقبال نظمه السفير الفرنسي على شرفه ولم يصطحب أي من رجال الأعمال الكبار كما درج في مختلف زياراته الخارجية مكتفياً بوزير الخارجية الذي زار الجزائر بدوره الشهر الماضي ولربما ساهم في التحضير لهذه الزيارة.
بوتفليقة الحريص منذ عهدته الرئاسية الأولى على استئناف العلاقات الفرنسية الجزائرية الجيدة وعلى التعاون مع فرنسا في الملفات الإقليمية ولاسيما في مالي وليبيا والمستجيب لطموح فرنسي في إعادة باريس إلى مرتبة الشريك التجاري الأول مع الجزائر بعد أن دفعتها الصين إلى المرتبة الثانية. لا بد أن يحيط فرنسا علماً بنيته الاستقالة أو اختصار ولايته الرابعة، وأن يشير إلى أفضلية من يخلفه ومن يستطيع بالتالي مواصلة النهج الذي اختطه. ومن غير المستبعد أن يكون الرئيس الفرنسي قد استقبل هذه النية بالكثير من الامتنان والتقدير غير المعلن.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الفرنسية تلتزم الحذر الشديد وتتعاطى مع الشأن الجزائري بالكثير من التحفظ وتتجنب ما يثير حنق الجزائريين فإنها لم تكتم هذا الجانب من الزيارة بل أشارت إليه بوصفه الأهم من دون أن تتوسع بالحديث عنه، لكن مجرد إغفالها لملفات أخرى يفصح عن أن الزيارة تمحورت حول الخلافة ولا شيء غيرها.
ما تكتمت عليه جزئياً الصحافة الفرنسية أفصحت عنه وكالة «ستراتفورت» الأمريكية التي قالت إن الخلافة ستطرح في العام 2016 وحددت اسم الخليفة المرتقب من بين ثلاثة أشخاص هم: الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق والوسيط الأممي في عدد من القضايا الدولية وعبدالمالك سلال رئيس الوزراء الحالي الذي يحظى بثقة مطلقة من الرئيس بوتفليقة وأحمد أويحيى الرجل القوي والصاعد أبداً عبر توليه رئاسة «التجمع الوطني الديمقراطي» وإدارة مكتب رئيس الجمهورية وبالتالي قربه الشديد واليومي من مركز القرار الأول في البلاد ويحلو للبعض من خارج الوكالة الأمريكية أن يضيف إلى هذه اللائحة من الورثة السيد عمار سعيداني رئيس «جبهة التحرير الجزائرية» خصوصاً بعد تلقيه مباركة من رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح. مع الإشارة إلى أن الجنرال صالح يحظى بثقة الرئيس بوتفليقة ويحتل مركز القوة الأهم في الجيش جنباً إلى جنب مع رئيس المخابرات الأشهر والمعروف باسمه المستعار توفيق، علماً بأن هذا الأخير تلقى تحية معاكسة من أويحيى في أحد مقابلاته الصحفية الأمر الذي يوحي أن خلافة الرئيس صارت مفتوحة وأن الورثة يستدرجون العروض أو يشار إليهم باستدراجها.
والواضح أن بين المرشحين الأربعة قد يكون الأخضر الإبراهيمي الأضعف حظاً لأنه يتمتع بتأييد من الخارج أكثر من الداخل بل لا يكاد يعرف شيئاً عن قربه أو تعاطف مراكز القوى الداخلية معه.
واللافت في هذه اللائحة أيضاً خلوها من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري الذي عينته المعارضة الخارجية مرشحاً وريثاً لأخيه في مناسبات عديدة، غير أن اسمه اختفى تماماً منذ بعض الوقت وقد طوى السيد أويحيى نهائياً هذا الاحتمال عندما صرح عشية زيارة هولاند لوسائل الإعلام بأن «السعيد» لا يحتفظ بطموحات رئاسية وأنه غير مرشح لهذا المنصب. وإذ يأتي التصريح من مدير مكتب الرئيس أي من الجهة التي تتحدث يومياً مع أسرة بوتفليقة فهذا يعني أن التوريث الرئاسي في الجزائر لن يتم، وأن الوريث الحقيقي في هذا البلد سيكون للشخص الذي يملك القدرة والمعرفة بشبكات النفوذ والقوة وهي الشبكات نفسها التي طوعها بوتفليقة في خدمته وحملته مكرهة أو راضية إلى الرئاسة لولايات أربع لم تكتمل بعد. ما يعني أن الوريث لن يبني شرعيته على الطعن بإنجازات خليفته وإنما البناء على هذه الإنجازات ومواصلة مشروع السلف، ولعل هذا ما يعزز فرص الثنائي السلال وأويحيى أو حتى المجاهد سعيداني. بعبارة أخرى من غير المستبعد أن تعرف الجزائر وريثاً يحكم باسم بوتفليقة وليس ضده أو عبر تحطيم صورته كما درجت العادة في مثل هذه الحالات.
تبقى الإشارة إلى أن مثل هذه السيرورة لن تكون سهلة، فالمعارضة الجزائرية لها أيضاً مرشحها السيد علي بن فليس الذي يستعد لتأسيس حزب جديد باسم «طلائع الحرية» ويريد من خلال حزبه طلب الرئاسة الأولى عبر صناديق الاقتراع، وعلى الرغم من أن حظوظه في تولي هذا المنصب شبه معدومة غير أنه لن يتورع عن الاصطياد في المياه العكرة وبالتالي فتح ملفات الولايات البوتفليقية الأربع والطعن في شرعية الرئيس ووريثه.
كائناً من كان وريث بوتفليقة لن تكون ولايته مفعمة بالأحلام السعيدة، فالجزائر تشهد ثورة ديمغرافية ثانية أميط اللثام عنها مؤخراً حيث سجل مليون مولود جزائري العام الفائت وهؤلاء سيحتاجون إلى مليون وظيفة بعد عقدين، تضاف إلى ملايين الوظائف الأخرى في بلد يعتمد على مدخول النفط ذي الأسعار المتقلبة وعدم القدرة على التحكم بها في المدى المنظور، ما يفيد أن على الوريث أن يصنع اقتصاداً ناجحاً متعدد الفروع خلال عقدين وهي مهمة شبه مستحيلة وتحتاج إلى «طرزان» رئاسي عملاق وليس إلى وريث يحظى بمباركة رئيس فرنسي يقول عن نفسه أنا رئيس عادي.. أي متواضع.
*كاتب وصحفي لبناني/”الخليج”