أصبحت تونس حليفاً للولايات المتحدة الأميركية من خارج الحلف الأطلسي. ويعتبر هذا القرار من بين أهم نتائج زيارة الرئيس الباجي قايد السبسي واشنطن، والتي دامت 48 ساعة، وهي الزيارة التي راهن عليها السبسي والحكومة، إلا أن الرهان بقي حذراً، ولهذا وصفت الزيارة رسمياً بأنها “سياسية” و “رمزية”، واستندت خصوصاً على العلاقة الشخصية التي انطلقت منذ سنة 2011 بين أوباما والسبسي. لهذا، جاءت نتائج هذه الزيارة محدودة، خصوصاً على المستوى الاقتصادي أو المالي، باستثناء إعلان الرئيس الأميركي عن قرار بلاده تقديم ضمان من شأنه أن يسمح لتونس بالاقتراض، مرة أخرى، من السوق المالية العالمية في حدود 500 مليون دولار بشروط ميسرة، وهو القرض الذي لمح إليه رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، وقال بشأنه وزير المالية، سليم شاكر، إنه يمكن أن تحتاج إليه البلاد قريباً. وبطبيعة الحال، ما إن يستجد حديث عن اقتراض إضافي إلا ويحتد الجدل بين الحكومة والمعارضة، مهما كان لون هذه الحكومة وميولها السياسية. فنسق الاستدانة اتخذ شكلا تصاعديا ملحوظاً، وشكل إحدى التداعيات السلبية لمرحلة ما بعد الثورة.
لا خلاف حول الاعتقاد بأن اكتساب تونس صفة الحليف لأميركا على الصعيد العسكري يمهد لنسق أعلى في درجة التعاون الأمني بين البلدين. فالولايات المتحدة أدركت أن الحد من المخاطر الأمنية على تونس يمثل خطوة مهمة وأساسية للتقليل من مخاطر المجموعات المسلحة الإرهابية. وبناء عليه، أكد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، محسن مرزوق، أن اعتبار تونس حليفاً للولايات المتحدة خارج الحلف الأطلسي “الناتو” سيمكنها من الاستفادة من الخبرات العسكرية الأميركية، والقيام بالدورات التدريبية في المجال العسكري بين البلدين، إضافة إلى مدها بالمعدات العسكرية”. فلا يوجد خلاف بين مختلف الأطراف السياسية التونسية حول أولوية الأمن، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ تونس والمنطقة المحيطة بها. فتونس التي اعتقدت، في مرحلة سابقة، أنها في مأمن من التهديدات الخارجية. ولهذا السبب، لم تعمل على تقوية جيشها، وجدت نفسها، اليوم، مضطرة لإحداث تغيير استراتيجي في أحد اختياراتها الكبرى، وذلك بالعمل على بناء مؤسسة عسكرية قوية ورادعة.
وعلى الرغم من أن مرزوق حاول التخفيف من التداعيات المحتملة لهذا التحالف التونسي الأميركي على الصعيد العسكري، بتوضيح أن هذا الاتفاق “يتعلق بتعزيز القدرات العسكرية لتونس، ولن تكون له انعكاسات على سياسة تونس في المنطقة التي قد لا تتقاطع بالضرورة مع سياسة الولايات المتحدة”، إلا أن ذلك يبقى مؤشراً بارزاً وقوياً على أن تونس، قبل الثورة وبعدها، وقد تأكد ذلك اليوم، انخرطت بالكامل في المعركة التي أطلق عليها الأميركان عنوان “الحرب على الإرهاب”. وبقدر أهمية هذا التعاون التونسي الأميركي لمواجهة هذا الخطر الحقيقي على الأمن القومي التونسي، إلا أنه يقتضي الحذر الشديد، لأن تداعياته الميدانية تكون خطيرة، خصوصاً إذا ما اتسعت رقعة الحرب الأهلية في ليبيا، إلى جانب احتمال حدوث تطورات جديدة وجذرية في كل من سورية والعراق. فكلما تضخم الدور الأميركي في بلد ما، إلا وترتب عن ذلك مزيد من الاحتقان، وسعي أشد من الجماعات المسلحة الإرهابية لتوجيه ضربات موجعة للأنظمة وللقوى الدولية.
هذا يعني أن الجماعات التي اختارت العمل على تقويض الدولة في تونس، وتحويلها إلى إمارة ملحقة بمحور إقليمي، لم تترك للتونسيين خيارا آخر، سوى طلب الدعم الخارجي، وخوض حرب مؤلمة ومكلفة على الصعيدين، البشري والمالي، على حساب التنمية والاستقرار وبناء النظام الديمقراطي. وفي هذا المنعطف بالذات، تأتي الدلالات الملتبسة لهذا التحالف التونسي الأميركي.
* كاتب من تونس/”العربي الجديد”