انتهى اجتماع زعماء مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الامريكي اوباما في كامب ديفيد مساء الخميس 14-5-2015 بعد اجتماعات ومناقشات تمخض عنها تطمينات هشةمن الرئيس الامريكي اوباما ووعود خطابية مؤجلة تختلف تماما عن الواقع السياسي المتخم المخاطر، خصوصا ان الخليج العربي اصبح في مرحلة حرجة وصعبة تتعلق بهشاشة الوضع الامني المتاخم لحدوده السياسية، ويلاحظ انهيار مقومات التوازن في مجاله الحيوي في ظل غياب تامين الحدود الشفافة التي تحقق الردع والوقاية المطلوبة، بعدما تعاظم انتشار ظاهرة الحروب اللامتوازية التي تناسلت بعد غزو العراق 2003،كما ويلاحظ انهيار الدول المحاذية للخليج بشكل مضطرب وبروز موجات التطرف الحاكمة التي اضحت تصبغ الحدود الشفافة بالوان حمراء، وبذلك تلغي عوامل الردع والوقايه لتفرز فاعلين جدد يختلفون من حيث المنهج والايدولوجيا والقوة والسلوك الحربي، خصوصا ان التحديات الاقتصادية هي الاخرى تلقي بظلالها على المحور الخليجي الذي كان يعاني ولايزال من تصدع المواقف والرؤى بين اقطابه، ولعل بروز ظواهر الحرب المركبة المتوحشة بات يشكل تهديدات ترتقي للمخاطر العليا في ظل صراع دولي محتدم على المنطقة باستخدام مخالب اقليمية فاعلة كدول وتنظيمات.
الحدود الشفافة وأمن الخليج
كل دولة تطمح للمحافظة على انجازاتها وتسعى لتطوير مكانتها تحقق امنها القومي المعتمد على تامين المجال الحيوي لها،ويتم ذلك من خلال تامين الحدود الشفافة، وهو سلوك جيوبولتيكي مبرمج تمارسه الدولة بأمر أو توجيه من صناع القرار فيها، وتعمل على التوازن خارج حدودها السياسية المحددة بإمكاناتها الجغرافية الذاتية – الطبيعية والبشرية والاقتصادية – والتي تمثل الأرضية التي تستند عليها حسابات صانع القرار السياسي، بشكل يتناغم وسلوكيات الكيانات السياسية ومراكز القوى الجيوبولتيكية المتواجدة في المسرح الجيوسياسي العالمي والاقليمي، لضمان بقاء قوة الدولة والمحافظة على سيادتها وضمان مصالحها القومية، وفي السابق كنا نتحدث عن امن قومي عربي ويبدوا انه تلاشى تماما في ظل انهيار الدول القطرية وشياع ظواهر التنظيمات اللامتوازية الحاكمة (دولة داخل دولة)، كما في لبنان والعراق وليبيا واليمن.. الخ، واضحى الامن القومي لمجلس التعاون الخليجي في مرحلة حرجة خصوصا ان الحدود البرية ومنفذه المحوري اضحى مسرحا لحروب لامتوازية تخوضها دول وتنظيمات لتجعل هذا المنفذ قلقا مضطربا قابل للتمدد، في ظل حمى التسلح وفتح منافذ حربية محدوده، ناهيك عن ظواهر الاقتصاد الاسود وانخفاض اسعار النفط، وتناسل التنظيمات الطائفية المسلحة التي تنخر افقيا امن المجتمعات والشعوب، ويبرز في المجال الحيوي الخليجي مخاطر الخاصرة الجنوبية في اليمن واحتمالات تمدد ظاهرة الحوثي مليشيا المشابه لظاهرة حزب الله في لبنان، وكما يبدوا ان التدخل الاقليمي هو العامل السائد في ظل الوصول الى اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وايران حول الملف النووي، وبلا شك لاتكمن خطورة ايران بحيازة نووية فحسب ولكن هيمنتها على القوة اللامتوازية ودعمها تنظيمات مسلحة طائفية في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، وعندما نجسد ذلك في المجال الحيوي الخليجي نجده انه حرب مشاطئة منظمة وكماشة تستهدف الممرات البحرية العالمية الثلاث (مضيق هرمز- المندب –قناة السويس) والتي اصبحت تعاني مؤخرا من احتاكات ايرانية متعمدة في هرمز وخليج عمان وهنا تكمن الخطورة الفعلية وليس الفعل العسكري النظامي الذي تعهد بمعالجته الرئيس الامريكي اوباما في كامب ديفيد.
القوة اللامتوازية وخارطة الحرب.
يشهد العالم العربي ملامح واضحة للحرب المركبة بعناصرها ومفاعيلها الاساسية، ومضافا اليها مفاعيل نظامية كالقوة الجوية والصواريخ والمتفجرات المتطورة والأسلحة الكيماوية اضافة الى الجهد ألاستخباري النوعي وحرب السايبر- المعلومات وجميعها مسخرة لإنعاش هذه الحروب والنزاعات، ومنذ مطلع العقد الحالي جرى التحول بشكل واضح من الحرب النظامية الى الحرب الغير متوازية (الغير نظامية) واسميتها الحرب المركبة، وبلا شك هذه الحرب اعتمدت انتخاب مسرحا للحرب وتجسد في مسرحي العراق وسوريا وتمددت الى ليبيا واليمن، وقد جرى تهيئة بيئة حربية لا متماثلة ومناخ متشدد متوحش ليصنع بيئة الحرب الدافئة المعاصره، وعند احصاء عدد التنظيمات اللامتوازية المتطرفة المتواجدة في حدود الخليج الثابتة التي تصل الى 68 تنظيم مسلح ومؤدلج بالكراهية للدول والمجتمعات وتدار تلك التنظيمات عن بعد، واضحت هذه التنظيمات تقضم الحدود السياسية لدول مجلس التعاون الخليج، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الاضطراب العسكري والامني على الحدود يعني التماس وهذا قضم للامن القومي، ناهيك عن الفوضى البحرية وخلق الاضطراب في الممرات الدولية المتاخمة لدول الخليج، ولعل من الملفت للنظر ان المجتمع الاعلامي الغربي والعربي يؤجج هذه الظواهر، ويدعم طرف على حساب على اخر لخلق بيئة حرب مزمنة، وعند النظر لخارطة الحرب الزاحفة سنجد ان القوى والتنظيمات اللامتوازية اصبحت فاعلة بشكل اقوى من بعض الدول كما في سوريا والعراق واليمن، وهذا مسجل خطر يستنزف الدول والمجتمعات المتاخمة لها، ولم نشهد حتى اليوم تحديد اسبقيات للمعالجة خصوصا ان وصف بعض التنظيمات المتطرفة بالقوات الرسمية يصب على النار زيتا وهذا مايجري فعلا، ولعل عدم الاكتراث بمايجري في العراق الذي يعد مفتاح المنطقة استراتيجيا مساهمة مؤكدة في انهيار المنطقة وهنا عمق المشكلة.
يمارس الرئيس الامريكي سياسة الاقتراب الغير مباشر منذ توليه الرئاسة الامريكية، وترك المنطقة تغرق بالفوضى والحروب مع انه حائز على جائزة نوبل للسلام!، وكما يبدوا انه ترك العراق يغرق في حروب ونزاعات طائفية موجهة عن بعد وكلك سوريا، ويعد العراق الرقعة الاكثر خطورة وتاثيرا على الامن القومي العربي والامن والسلم الدوليين، ولعل التطمينات اللفظية والشفوية التي اعطها الرئيس الامريكي اوباما في الدفاع عن الخليج في حالة اعتداء عسكري عليها بمثابة ذر الرماد في العيون، لان نمط الحرب اليوم يتسق بملامح الحرب المركبة التي تستخدم التنظيمات اللامتوازية التي تحقق تاثيرات تفوق تاثير الحرب النظامية، ولعل تاريخ المعالجة التي شهدتها المنطقة من قبل الرئيس الامريكي وطاقمه تؤكد منهجيته الواضحة بعدم التصدي الفعلي واحقاق العدل الدولي، واكتفى بالتصريحات التي لم تنقذ المنطقة من الفوضى التي اوقعها بها، ومهما كان شكل الاتفاق النووي فان الخطر الحقيق ليس بالحيازة النووية بل بتخطي القانون الدولي وشياع الفوضى المسلحة واتساع ظاهرة الحرب الطائفية المركبة في العراق وسوريا واتسعت لتصل الى اليمن ومن المحتمل تصل الى مواقع اخرى، لايمكن ان ننسى مقولة الرئيس الامريكي قبل اشهر برفضه التدخل لايقاف الفوضى المسلحة عندما قال “على العرب ان ينزعوا شوكهم بايدهم” وهو عين الصواب اذ يحتاج العرب الى الاعتماد على النفس وحشد الموارد وتهيئة مقومات الدفاع والردع والوقاية في عالم مضطرب قد تخلى عن الامن والسلم واستبدله بالاضطراب والفوضى لدواعي اقتصادية وسياسية، واصبح من الضروري ان تناقش مراكز الدراسات والباحثين والخبراء اسبقيات المعالجة وتحديد الاوليات بوضوح بلا تملق وخوف لان التهديد اليوم مصيري يحتاج الى شجاعة التشخيص والطرح.
*مفكر استراتيجي