عادت إيطاليا للتلويح مجدداً بالتدخل العسكري في ليبيا لمواجهة الظاهرة الإرهابية المتنامية وتدفق قوارب المهاجرين، ولكنها مازالت تنتظر ما ستسفر عنه جولات الحوار الوطني الليبي المتعثرة بوساطة الأمم المتحدة، كما تنتظر أيضاً تشكيل تحالف إقليمي بين دول جوار ليبيا وقوى أوروبية للمرور إلى العمل المؤجل منذ أشهر.
الخطة الإيطالية للتدخل في ليبيا لم تكن ملفاً سرياً يصعب فك طلاسمه، وإنما كانت معلنة، فقد أكد أكثر من مسؤول من بينهم روبرتا بينوتي وزيرة الدفاع الشهر الماضي أن إيطاليا مستعدة لإرسال آلاف الجنود ضمن ائتلاف دولي لمحاربة الجماعات الإرهابية، وقبل بينوتي كررت فريدريكا مورجيني، وزيرة الخارجية السابقة والمفوضة السامية الأوروبية للشؤون السياسية والأمنية حالياً، أن التدخل العسكري في ليبيا قد يصبح لا مفر منه إذا فشلت كل مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنية وتم تطويق الجماعات المتطرفة.
الإيطاليون أصبحوا أعلى صوتاً من جيرانهم الفرنسيين في الدعوة إلى تحرك العسكري باتجاه ليبيا، بل هناك من يؤكد وجود منافسة قوية بين القوتين الاستعماريتين السابقتين واللتين تصارعتا على احتلال ليبيا في بداية القرن العشرين، ففرنسا تحاول الضغط و”تتقدم” عبر الصحراء جنوباً بأن نشرت قوات إضافية وأقامت قاعدة متطورة في النيجر، وشمالاً عززت إيطاليا من انتشارها البحري قبالة السواحل الليبية وأجرت الشهر الماضي مناورات “البحر المفتوح” كما زرعت خلايا استخبارية داخل الأراضي الليبية، وتقول مصادر في روما إن الاستخبارات الإيطالية جمعت فائضاً من المعلومات أهمها أن نسبة نجاح مساعي الوساطة الأممية للحل السلمي قد لا تصل إلى واحد في المئة، وإزاء ذلك كان لا بد من الاستعداد للسيناريو الأسوأ.
روما مثلها مثل باريس وبقية العواصم الغربية تشعر بأن الأمن الأوروبي صار مهدداً بصورة خطيرة، ولكن الأنانية الأوروبية تجعلهم يتعامون على حقيقة أن دول الجوار الليبي هي الأكثر عرضة للتهديد. ويبدو أن هناك اتصالات متقدمة بين ضفتي المتوسط لصوغ خطة مشتركة لمعالجة الوضع الليبي. وربما يندرج اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية إيطاليا والجزائر ومصر في روما قبل يومين في هذا الجهد، فالبيان الذي صدر عن الاجتماع تحدث عن دعم الوساطة الأممية مشفوعاً بالإعراب عن القلق وضرورة مكافحة الإرهاب، والاجتماع الذي كان مفاجئاً بعض الشيء أملاه شعور الدول الثلاث بأن الصبر الإقليمي على انهيار ليبيا يوشك أن ينفد، فاسحاً المجال لما ليس منه بدٌّ.
منذ بدأت الوساطة الأممية في ليبيا انطلق رهان على “معجزة”، ولكن الاجتماعات المتناثرة هنا وهناك لم تفلح إلى الآن في صياغة مسودة أولى لأي اتفاق يمكن أن يفتح الطريق أمام مواجهة خطر تصاعد التطرف. وبعض القراءات، وهي وجيهة، ترى أن الفشل يعني اندلاع حرب أهلية تستمر سنوات وتهد كل شيء، ويعني أيضاً أن الجماعات الإرهابية الخطيرة التي تنمو هناك وتتزود من فلول الجماعات الجوالة في سوريا والعراق، ستكون خطراً عظيماً على جوار ليبيا وأوروبا، أكثر من خطرها على ليبيا ذاتها. وتشير التحركات الأخيرة وعودة التلويح بالعصا العسكرية إلى أن هذا التخوف يوشك أن يتحول إلى حقيقة ثابتة.
*كاتب صحفي/”الخليج”