المعارضة في المغرب بين أزمة الخطاب والمنهج والوظيفة

في مقال سابق تحدثنا عن أحزاب الأغلبية في المغرب وأبرزنا المؤشرات الدالة على جاهزيتها للفوز بالاستحقاقات الانتخابية القادمة..بالمقابل تبدو أحزاب المعارضة مرتبكة، وأكبر مؤشر على ذلك هو مطالبتها بتأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد بل وتلويح بعضها بإمكانية مقاطعتها..في دول أخرى عادة ما تطالب المعارضة بانتخابات سابقة لأوانها..!!
تتشكل المعارضة من ثلاثة أحزاب أساسية: حزبين ينحدران من الحركة الوطنية ويتوفران على رصيد نضالي معتبر، وهما حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لكن مياها كثيرة جرت بعد خمس عشرة سنة من التدبير الحكومي من جهة وبعد صعود جيل جديد من أبناء الحزب إلى قيادته من جهة أخرى.
هناك كلام كثير حول ضعف استقلالية القرار داخل الحزبين بعد صعود كل من حميد شباط وإدريس لشكر إلى قيادة الحزبين في ظروف ملتبسة، وهناك شهادات حية من داخل الحزبين تتهم جهات خارجية نافذة بالتحكم في أشغال المؤتمرين الأخيرين للحزبين، وهو ما أسهم في انفجار خلافات داخلية عبرت عن نفسها في خروج «تيار الانفتاح والديمقراطية» من حزب الاتحاد الاشتراكي وتأسيسه لحزب جديد، وتأسيس جمعية «بلا هوادة للدفاع عن الثوابت» من داخل حزب الاستقلال يقودها عبد الواحد الفاسي نجل الزعيم علال الفاسي وانخراطها في دينامية التصحيح الداخلي لشؤون الحزب.
أزمة الخطاب السياسي لرئيسي الحزبين عبرت عن نفسها من خلال الانحدار إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب، فمحاولة منهما لمجاراة القدرة التواصلية الكبيرة التي برهن عليها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران واكتسابه لتعاطف شرائح جديدة حسب العديد من استطلاعات الرأي، يخوض القادة الجدد للحزبين حربا لفظية غريبة، وصلت إلى درجة اتهام حميد شباط لعبد الإله بنكيران بالولاء لداعش والتعامل مع الموساد، بينما فضل إدريس لشكر تشبيه رئيس الحكومة بهتلر..! إن الأمر يتعلق بأزمة خطاب بالتأكيد.
أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة فالأمر يتعلق بحزب حديث النشأة، والمراقب للسلوك السياسي لهذا الحزب يلاحظ بأنه بات يعاني من أزمة بنيوية ذات بعدين: أزمة وظيفة وأزمة منهج. كيف ذلك؟
عندما تأسس هذا الحزب في أعقاب الانتخابات التشريعية لسنة 2007 اعتبر العديدون بأن الحزب تأسس بمباركة من جهات نافذة داخل الدولة، وأُسندت إليه وظيفة واضحة، وهي مهاجمة حزب «العدالة والتنمية»، والحد من حضوره السياسي والانتخابي.
الآن، يمكن القول بأن هذا الحزب فشل في الوظيفة الأساسية التي أسندت إليه، وظهر واضحا بأنه أصبح يعاني من أزمة وظيفة..لكن ما يعرفه الكثير من المراقبين أن التيار المتنفذ داخل الحزب رسم أجندة موازية للوظيفة الأساسية التي رسمت له في البداية، وهي أجندة جمع الثروة عن طريق ابتزاز أصحاب رؤوس الأموال باسم الدولة، بالإضافة إلى اختراق أجهزة الدولة ومواقعها الحساسة لخدمة مشروع سياسي وإيديولوجي قديم..
لم ينجح الوافد الجديد في وظيفته الأساسية لسببين: السبب الأول هو الدينامية الاحتجاجية التي أطلقها شباب 20 فبراير، وهي دينامية رافضة لمسار التحكم السياسي، الذي اعتمده الحزب. والسبب الثاني هو نجاح حزب العدالة والتنمية في البرهنة على أنه حزب وطني يهدف إلى الإسهام في الإصلاح تحت ريادة المؤسسة الملكية، وأن جميع التخوفات التي كانت تُثار حوله نابعة من غياب المعرفة الدقيقة بمنهجه الإصلاحي، وبأسلوبه في العمل داخل المؤسسات.
والنتيجة التي يحاول النافذون في حزب الأصالة والمعاصرة التستر عنها الآن، هي تحلل أجهزة السلطة عن دعمه وتجريده من كل غطاءٍ سياسي رسمي، بل أصبح يمثل عبئا سياسيا واضحا على كل من ساهم في تأسيسه منذ اليوم الأول.
إن فشل الحزب في القيام بما وعد به، كان من المفروض أن يفضي إلى إعادة صياغته على أسس جديدة أو انسحابه من الحياة السياسية.
لكن المتنفذين فيه مازالوا يصرون على المكابرة واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، عن طريق بيع الوهم للجميع، وعلى رأسهم الأعيان محترفي الانتخابات. وهنا ننتقل إلى النوع الثاني من الأزمة.
إنها أزمة المنهج عند الحزب في التعاطي مع الاستحقاقات الانتخابية..
في الانتخابات الجزئية لسنة 2008 لجأ الحزب حديث النشأة، إلى ترشيح شخصيات سياسية لا حاضن شعبية لها، فكانت النتيجة مُخيبة للآمال..
فَهِم القائمون على الحزب أن رهان الانتخابات المغربية يمر عبر طريقين: إما حزب سياسي حقيقي حامل لمشروع إصلاحي وله امتداد شعبي، وهذا ما ليس بمقدور الحزب بفعل ضغط عامل الزمن، أو كائنات انتخابية محترفة لها القدرة على انتزاع المقعد بأساليب مختلفة..
لذلك اختار الوافد الجديد الأسلوب الثاني بدعم مكشوف من بعض مراكز النفوذ داخل الدولة، وهكذا قام الحزب آنذاك بمساعدة جزء من الإدارة التي تحالفت معه بتوظيف أعيان الانتخابات وبعض أصحاب المصالح وسرقة مرشحي الأحزاب الأخرى وتوظيف بعض مسؤولي النيابة العامة ورجال السلطة.. الآن، لم يعد من الممكن القيام بهذه الأساليب التحكمية بشكل مباشر، إذ تمت الاستعاضة عن ذلك بأسلوب جديد..وهو ما أسميه باستراتيجية بيع الوهم.
تقوم استراتيجية بيع الوهم على تبني خطاب هجومي صوب رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والعدل والحريات، وهي استراتيجية تستهدف ادعاء سطوة وهمية والظهور بمظهر الحزب القوي الذي لازالت تربطه علاقة وظيفية بمراكز النفوذ داخل الدولة، لعل الحيلة تنطلي أولا على الأعيان محترفي الانتخابات، فينضمون إلى صفوف الحزب المعلوم لإحساسهم بالأمان في صفوفه، ثم من أجل أن تختلط الأمور،ثانيا، في أذهان بعض مسؤولي القضاء والإدارة الترابية حتى يغضوا الطرف عن تجاوزات محترفي الانتخابات هؤلاء…
شخصيا أتوقع فشل هذه الاستراتيجية، ليس فقط لأنها لن تنطلي على المهتمين، ولكن لأنها تحمل مخاطر حقيقية اتجاه الديمقراطية المغربية التي لازالت تتلمس طريقها وسط مناخ إقليمي مضطرب..

٭ كاتب من المغرب/”القدس العربي”

اقرأ أيضا

مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة

شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.

الجزائر

أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم

إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.

مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي

سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *