نجاة الجزائر من إعصار الربيع العربي المدمّر للدول، كان يفترض أن يلزم السلطة بالمبادرة فورا إلى فتح حوار وطني واسع، ليس فقط مع المعارضة السياسية التقليدية يؤهلها للمشاركة في رسم معالم جديدة لقيادة البلد، بل مع كل من يمتلك سلطة معنوية تساعد البلد على استعادة توازناته، وتحسين مناعته.
المسؤولية الأولى تقع على السلطة، التي بيدها معظم مفاتيح إخراج البلد من حالة الجمود، سواء على مستوى التحكم في صياغة ترسانة الإصلاحات، أو على مستوى ترشيد عمل الجهاز التنفيذي، واستعادة هيبة الدولة بالأداء الحكومي الجيد، وليس بالقبضة الحديدية التي لم تسعف كثيرا أنظمة بوليسية عربية، رأينا كيف تفككت قوتها الصلبة في بحر أيام معدودة.
وفي كل الأحوال، ليس من العدل تحميل المعارضة مسؤولية التردي المتواصل للعلاقات بين الدولة ومواطنيها، والذي له أصول ودوافع تتجاوز قدرة المعارضة على التحريض والتعبئة، وكان ينبغي البحث عنها في انهيار ثقة المواطنين في قدرة مؤسسات الدولة على حمايتهم من تغوّل شبكات الفساد داخل مفاصل الدولة، والخوف الخفي من حصول فراغ دستوري دراماتيكي على رأس هرم الدولة.
لأجل ذلك فإنه من مسؤولية الرئيس أن يبادر، ليس فقط إلى إقناع مراكز القوة في السلطة بالقبول بإصلاحات سياسية حقيقية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بقدر أكبر من الانفتاح على المعارضة، وبإشراك أوسع للمواطنين في تدبير أمرهم، بل هو مطالب اليوم بمساعدة البلد على إدارة انتقال سلس متدرج وتوافقي للسلطة، يبرمج على مراحل في ما بقي من عهدته.
الرئيس على إلمام بمطالب المعارضة التي ليس فيها مغالاة تذكر، مادامت تتوقف عند حدود المطالبة بترشيد المسارات الانتخابية وحمايتها من التزوير، وهي ليست ثورية بالمرة، ولم تطالب بإسقاط مبتذل للنظام، ولم يثبت عليها التورط في أجندات خارجية معادية لمصالح وأمن البلد، وبوسع الرئيس أن يستميلها لشراكة حقيقية في قيادة الإصلاحات السياسية القادمة، ويتخذها شريكا في الترميم المطلوب للجبهة الداخلية المرتعشة.
وقد تكون الخطوة الأهمّ المنتظرة من الرئيس، بعد عرض مسودة التعديل الدستوري على البرلمان، الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية منفتحة على الكيانات الحزبية البرلمانية، سواء من جهة التشكيلة أو من جهة برنامج الحكومة، تتولى مع الرئيس تجسيد الإصلاحات السياسية، وإعادة صياغة برنامج رئاسي توافقي، يشتغل على محورين رئيسيين: ترشيد استغلال الموارد والإنفاق الحكومي مع قدر أكبر من العدل في توزيع الأعباء، وتجنيد حقيقي لمؤسسات الدولة الرقابية لمكافحة الفساد، أو في الحد الأدنى، تعطيل انتشاره الوبائي في مفاصل الدولة وسلوك موظفيها.
التعجيل بالإصلاحات السياسية الدستورية، وتأطير البلد بحكومة وحدة وطنية مسؤولة، سوف يمنحان بلا ريب فسحة للبلد ولأصحاب القرار، لمواجهة حصول حالة فراغ على مستوى موقع الرئاسة الحساس، وضمان التصدي بكفاءة، بمشهد سياسي متضامن، لأي خطر يهدد البلد، وبجبهة داخلية واثقة في قدرات الدولة على ضمان الاستقرار وحماية أمن البلد.
* صحفي جزائري/”الشروق”