أن تفسح مكالمة هاتفية بين الأمين العام للأمم المتحدة والعاهل المغربي الملك محمد السادس في المجال أمام استئناف المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء، فذاك معناه أن الخلافات لم تكن عميقة، وهي أقرب إلى سوء فهم، أو أنها كانت تتطلب التزاماً مشتركاً، يجمع بين حياد الأمم المتحدة وتعاون المغرب.
لكن المشكل لا يتعلق بهذا الجانب فقط، بل يحتم تعاوناً كاملاً من قبل الأطراف كافة، في نطاق دعم جهود التسوية السلمية لنزاع طال أمده وهو يقف على مشارف العقد الرابع كأقدم نزاع ذي طبيعة عربية – عربية. وسيكون على بان كي مون أن ينتزع مواقف متجانسة بهذا الصدد، أقله أن المأزق لا يخص علاقة المغرب والأمم المتحدة، بل مجمل المواقف التي لا تنحو في اتجاه القطع مع الأسباب التي أدت إلى المأزق.
ويبدو أن مهمة الموفد الدولي كريستوفر روس ستكون أكثر صعوبة في حمل الأطراف إلى طاولة مفاوضات، تبدأ من النقطة التي توقفت عندها. أقربها وفق منظور الرباط ما اختزلته خلاصات الوسيط الدولي السابق بيتر فان فالسوم بإعلانه أن استقلال إقليم الصحراء «ليس حلاً واقعياً»، بل إن صيغة المفاوضات وأرضيتها المقترحة، لم تتبلور بعد في اتفاق مبدئي يقرب وجهات النظر المتباعدة.
الأصل في التباين القائم أن مفهوم الأطراف المعنية يظل فضفاضاً، قابلاً لتأويلات متعارضة. حين فكر روس أن في الإمكان البدء بالبعد الثنائي بين المغرب وجبهة «بوليساريو»، على أن تلتحق به كل من الجزائر وموريتانيا، في حال إحراز تقدم مشجع، انهارت الأوراق دفعة واحدة، واعتبرت الرباط في ذلك نوعاً من المحاباة. وردت «بوليساريو» بالتلويح بمعاودة حمل السلاح، ونظمت مناورات عسكرية في المنطقة العازلة التي تحظر قرارات مجلس الأمن ذات الصلة أي وجود عسكري أو مدني فيها. بينما زاد توتر العلاقات بين المغرب والجزائر في تأجيج المواقف.
بين صعوبة الاتفاق على دور وحدود مسؤوليات الأطراف المعنية، وغياب الوفاق حول مرجعية المفاوضات، تتعدد الخلافات، وليس أبعدها أن الرباط لا ترى بديلاً من اعتبار الحكم الذاتي وحده الحل المطروح على الطاولة. بينما تتمسك «بوليساريو» والجزائر بالعودة إلى استفتاء تقرير المصير. وقد يكون أقصى ما تحقق من انفراج يتمثل في الرجوع إلى ما قبل المأزق الذي أدى إلى تعليق مهمة الموفد الدولي كريستوفر روس.
مبادرة بان كي مون أنهت الجدل حول إمكان توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تيندوف، لدى تأكيده أن البعثة تواصل مهامها «في احترام كامل لمهمتها الحالية»، أي مراقبة وقف النار ورعاية جوانب في مسلسل التسوية السلمية، فيما أن إقراره بأخذ ملاحظات المغرب إزاء ضمانات حياد مسؤولي الأمم المتحدة، يعني أن الأمور ستعود إلى نصابها، على خلفية الانتقادات المتوالية للرباط لميول بعض الموظفين الأمميين. إلا أن هذه التطورات ليست كافية. وهي في أقصى تقدير لا تزيد عن القفز عن المطبات التي حالت دون تفعيل جهود الأمم المتحدة، على طريق استئناف المفاوضات العالقة.
بعض هذه الجوانب المضيئة في الانتقال إلى سرعة جديدة، لا تلغي واقع أن تعاطي الأمم المتحدة مع نزاع الصحراء، خلال فترة امتدت إلى ما يقارب ربع قرن، لم يحقق ما كان يعول عليه من اختراقات. ولعل النصف المغيب في أهمية هذا التعاطي أنه نجم على خلفية فشل منظمة الوحدة الإفريقية التي شكلت الإطار القانوني والسياسي لفض النزاع الإقليمي، بخاصة لدى ممارسة أكبر خطوة هروب إلى الأمام، حين أقرت في قمة أديس أبابا الاعتراف بـ «الجمهورية الصحراوية» المعلنة من طرف واحد.
منطوق تسلم الأمم المتحدة ملف الصحراء، كان يعني أن خطأ ما اعترى جهود منظمة الوحدة الافريقية، ما أدى إلى انسحاب المغرب منها، من دون الالتحاق بعضوية «الاتحاد الإفريقي» إلى اليوم. ويكاد هذا المنظور يلتقي مع خلاصات الوسيط الدولي السابق بيتر فان فالسوم، بينما تبرز خطة الحكم الذاتي التي وصفتها قرارات مجلس الأمن بـ «الصدقية والجدية» كحل وفاقي أقرب إلى التطبيق، ضمن صيغة لا غالب ولا مغلوب.
غير أن الأمم المتحدة ليست معنية بفرض أي حل أو تصور. وكل ما تفعله أنها تترك لفرقاء النزاع فرصة الاتفاق الكامل على مسودة الحل، قبل التصديق عليه، ليصبح ملزماً، لا سبيل للالتفاف عليه.
الأصل في ذلك أن الاتفاق تحت مظلة الأمم المتحدة، يجنب الأطراف المعنية والمنطقة برمتها مخاطر انتهاك الاتفاق أو التراجع عن مضمونه السياسي والقانوني. ما يضع أطراف النزاع أمام مسؤوليات جسيمة. وبدل القاء اللوم على الأمم المتحدة، التي أقرت باستمرار دورها وفق المرجعيات المحددة، حان الوقت لتتحمل الأطراف كافة مسؤولياتها، إن لناحية التقدم خطوات إلى الأمام، أو تخليص المنظمة الدولية من أعباء نزاع، ثمة أطراف لا تريد أن يحل.
*كاتب صحفي/”الحياة” اللندنية