أنهت تونس الأحد الماضي، وبأقل قدر من الأضرار، الجزء الثاني والأخير من مسلسل الانتقال السياسي والتحول نحو العهد الديموقراطي، عقب انتخاب أول رئيس لما بات يسمى في تونس الشقيقة “الجمهورية الثانية”.
فضل الناخبون رجل الدولة والسياسي المخضرم، محمد باجي قايد السبسي، على الناشط الحقوقي والرئيس المؤقت، محمد منصف المرزوقي،الذي لم ينجح في تنمية رصيده الشعبي وتقوية تنظيمه الحزبي “المؤتمر الجمهوري ” لدى الناخبين وعموم فئات الشعب كما انه لم يكسب ود وسائل الإعلام بل دخل معها في حروب ومعارك كلامية عقيمة كان حريا به ان يتجنبها ما دام يطمع في البقاء خمس سنوات أخرى، في قصر قرطاج.
وليس الإعلام وحده هو الذي رجح كفة منافس المرزوقي، بقدر ما هي أخطاؤه السياسية الكثيرة، حسب منتقديه، الذين يلومونه كونه لم يكن رجل الانتقال المثالي، الساعي الى لم الصف الوطني العريض حول قواسم مشتركة،لإخراج بلاده من الفوضى وحالة الغليان الثورية التي غيرت وجه تونس، نحو الأسوأ، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني تجلى في عدة مظاهر ابسطها تدني الخدمات.
على عكس،المرزوقي، تحلى الرئيس المنتخب بحكمة سياسية يشهد له بها كثيرون، سواء وهو رئيس للحكومة لفترة وجيزة او بعد ان أصبح فاعلا ولاعبا سياسيا بامتياز. اعتمد قايد السبسي عملة صعبة لا يبلى تداولها ألا وهي الابتعاد عن منطق الثأر السياسي والتهديد بنصب المشانق الثورية للاقتصاص من رموز العهد الماضي.هكذا عارض قانون العزل السياسي واقنع الأطراف بمن فيهم حزب النهضة، بالعدول عنه، إيمانا منه ان التسامح، لا يعد ضعفا او خيانة للمبادئ في السياسة،لا سيما وقد فرضت المصلحة العليا ودقة المرحلة الانتقالية ذلك الاختيار. ظل السبسي خلال حملاته وجولاته الانتخابية متشبثا بالدعوة الى الوئام الوطني ومد اليد الى كافة القوى السياسية، حاثا الجميع على استكمال بناء الدولة العصرية الحديثة، معربا عن قناعاته الليبرالية والعلمانية وإيمانه بأسمى ما في تزان البورقيبببة، اي انه استند الى مرجعية فكرية تقاسمها مع الرئيس المؤسس الراحل بورقيبة وامتد به العمر ليطورها ويحينها من نفس الموقع الرئاسي، على ضوء متطلبات العصر وانتظارات المواطن التونسي.
والحقيقة ان التونسيين وجدوا انفسهم في لحظة التصويت بين مرشحين؛ واحد يعرفونه حق المعرفة، ذو سجل زاخر بالتجربة والمواقف المشرفة، يوحي بالثقة ويمنعه سنه (88 سنة) من التفكير في ولاية ثانية حين سيتجاوز التسعين، بل لا يريد،في الغالب، ان يعيد الى الأذهان حكم الرئيس بورقيبة لما بلغ أرذل العمر.
في مواجهة رجل الدولة الكاريزمي، قايد السبسي، وقف الناشط الحقوقي المرزوقي،ذو الملامح المتوترة والخطاب الجاف الميال الى العنف اللفظي أحيانا،ما جعل الرئيس السبسي يرفض مواجهته في التلفزيون، كون المرزوقي، جانب اللياقة المطلوبة في الحديث عن خصمه ومنافسه، فقد نظر اليه على انه رمز العهد الماضي وبالتالي نقيض الثورة التي فجرها حادث البوعزيزي.
ويواجه الرئيس المنتخب، تركة ثقيلة من المشاكل، يراهن للتغلب عليها،على قامته الوطنية والتفاف مجموعات من الفاعلين السياسيين والنقابيين والتقنوقراط الأكفاء حول شخصه ومشروعه السياسي، فضلا عن سمعته الدولية في الخارج التي قد تجلب الاستثمار الى تونس وتؤمن لها السلم مع الجيران؛ لكن الرهان الأصعب يتمثل في إعادة الأمن والاستقرار والتصدي لخطر الإرهاب الجاثم و المتربص على الحدود والذي لن يترك تونس تنعم بالهدوء.
اذا اضطر السبسي، الى مد يده نحو شركاء سياسيين، فالمؤكد انه لن يستثني حزب النهضة، ادراكا منه لقوة اتباعها وانهم هم الذين رفعوا ارقام المرزوقي في صناديق الاقتراع وليس حزبه الجمهوري الضعيف التمثيل في البرلمان الجديد. وهذا خيار لن تعارضه،النهضة،او الجناح المعتدل الاغلب فيها، في الظروف الراهنة.
ويبدو ان المرزوقي، بات مقتنعا بعد هزيمته بجدوى الواقعية، ولذلك هنأ الرئيس بل صرح انه لا ينوي اللجوء الى القضاء للطعن في النتيجة ولكنه سيعرض الخروقات على الشعب.
خطوة المحاكمة الشعبية هاته، اذا اقدم عليها المرزوقي، فانه سيعرض نفسه لهجومات ضارية من العهد الجديد، لكشف عوراته، معززا بالاعلام الحانق على الرئيس المؤقت السابق، مهما كانت الاسباب والاخطاء.
اقرأ أيضا
مشاريع قوانين حول اتفاقات دولية هامة على طاولة لجنة الخارجية
أحيلت مشاريع قوانين يوافق بموجبها على اتفاقات مبرمة بين المملكة وعدة بلدان وكذا مؤسسات دولية، على لجنة برلمانية.
العيون تحتضن المؤتمر العربي الإفريقي للتنمية العقارية والاستثمار
أعلن الاتحاد العربي للبناء والتنمية العقارية، خلال مؤتمر عقده مؤخرا بالقاهرة، عن تنظيم مؤتمر عربي …
تقييم برامج محو الأمية يقود مسؤولين بوزارة التعليم إلى البرلمان
جمع تقييم برامج محو الأمية، اليوم الثلاثاء بمجلس النواب، برلمانيين ومسؤولين بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.