من يحكم الجزائر؟ سؤال طرحته بقوة الصحافة الفرنسية منذ أيام، وهذا يعني أن فرنسا مهتمة بما يحدث في مستعمرتها القديمة، لأنها أدركت أن الوقت قد حان للتموقع، أو على الأقل لمعرفة أين تتجه البوصلة في الجزائر. وهي أكيد تنبش وتتحرى وتجس نبض البعيد والقريب، وتتساءل عن مستقبل الجزائر أكثر مما تتساءل الطبقة السياسية والنخب عندنا، والغائبة عن المشهد السياسي ومصنع الرؤساء. أما الشعب، فيرى نفسه منذ 1962 غير معني بما يحدث ”فوق”، لأنه أدرك بالفطرة والعادة والتعوّد، أن الرئيس يتم طبخه وإعداده ورسمه وتجميله، في المختبرات وتقديمه جاهزا والشعب يقوم بأداء ”رقصة الخيالة” يوم الانتخاب فقط. فرنسا تتساءل، لأن عملية صناعة الرئيس في الجزائر تأخرت وتعقدت.. الوصفات اختلفت، والمعايير والمقادير والمواد، التي كانت تعتمد في هذه الطبخة، قد تغيرت أيضا. لم تعد كافية المعايير القديمة التي يعتمدها النظام في اختيار الرئيس، وبعضها أصبح منتهي الصلاحية، بينما دخلت معطيات جديدة المطبخ تلك المعطيات التي تمكن أطرافا كثيرة اللعب على كل الحبال، فالمعيار التقليدي أي الشرعية الثورية، وأن يكون مرشح النظام قد نزل من الجبل يوما ما، أو صعد إلى الجبل (مجاهد)، لا يهم هل صعد لشم نسيم الجبال، أو ”يلڤط النوّار”، أو لشيء آخر، أو صعد فعلا من أجل تحرير الجزائر. أصبح تحقيق هذا المعيار صعبا، فإأصغر شخص شارك في الثورة وكان سنه 10 سنوات سنة 1954، لا يقل سنه اليوم عن 70 سنة إن وجد، وبالتالي ستكون الشرعية الثورية بالوراثة، أن يكون ابن شهيد أو ابن مجاهد، وهذه في الواقع ستكرس لثقافة أخرى، لن تقود البلاد إلا لمزيد من التفكك والتقهقر وفقدان ثقة الشعب، الذي قاده حكم الشرعية الثورية إلى هذا الضعف في مؤسسات الدولة، بل إلى غياب دولة المؤسسات، وانتهينا بالحكم بمراسيم رئاسية وتعليمات وزارية، ونفتقد إلى معايير اختيار ديمقراطية لرئيس قادر على أن يقود البلاد نحو التغيير والتجديد والعصرنة الحقيقية، سواء في العقليات أو السياسات.. أما المعيار الثاني هو رضا العسكر، بكل فروعه ونياشينه وثكناته، وهذا يطرح إشكالية كبيرة، لأن ما تحدث عنه السيد مولود حمروش يوما، عن وصول النظام إلى مأزق حقيقي، يؤكد أن الإجماع لن يحصل هذه المرة، والأطراف المتصارعة هي بداخل النظام. وأكثر من هذا، أن الشخصية التي يمكن أن يجمع عليها الكل، يجب أن يقبلها الخارج أيضا، وأن تكون قادرة على إحداث التوازن بين مصالح كل القوى العظمى في العالم. فتصادم المصالح مع ما يحدث في المنطقة، يجعل التوصل إلى مرشح النظام والإجماع، يكاد يكون مستحيلا. أما العامل الثالث والأخير، فهم أصحاب المال ورجال الأعمال، والذي ظهر نتيجة تنامي المال الفاسد، الذي أُطلق يده، في زمن حكم عبد العزيز بوتفليقة، ودخل بقوة في مسألة صناعة القرار في الجزائر.
إذن ففي الواقع إن سؤال ”من يحكم الجزائر؟” الذي طرحه إعلام فرنسا مؤخرا، الأحرى أن يطرحه الداخل الجزائري، الذي يبقى غائبا عن صناعة القرار، أحزاب تمارس المعارضة الموسمية ومهمتها تأييد الرئيس الذي يختاره النظام، وليس صناعة الرئيس، كما تفعل كل الديمقراطيات المحترمة في العالم، وشخصيات فقدت وزنها وأخرى سئم منها الشعب، وأي اختلال توازن ”فوق”، سيخلط الأوراق ”تحت” وينذر بالانفجار.. لم يبق لنا إذن أمام هذا الوضع، إلا انتظار سكان الفضاء، الذين أكد الخبير بوناطيرو وجودهم، قد يستطيع أحدهم حل ”شفرة الحكم” في الجزائر، والعلبة السوداء للنظام، التي لم تفتح منذ اتفاقيات أيفيان إلى اليوم..
*كاتبة من الجزائر/”الخبر” الجزائرية