تسيرُ الحياة الوطنيّة بخطى حثيثة وثابتة نحو الاستقرار وبناء مشهد سياسي يُكرّس خيار التوافق والوحدة الّذي تفرضهُ اللحظة التاريخيّة ويُؤسّس لمصالحة وطنيّة تُنهي عقود الصدام والقطيعة، ومؤشرات ذلك عديدة وهي مُتسارعة والواضح أنّه لم تتبق سوى أسابيع قليلة حتّى يكون الأمر حقيقة واقعيّة على ضوئها ستتشكَّل ملامح الحكم الجديد وتتوضّح مواقع كلّ الاطراف وأحجامها الحقيقيّة.
لقد التصقت بالحياة الوطنيّة منذُ قيام الثورة كيانات وشخوص سياسيّة ، من اليمين واليسار، أشبه ما تكون بـ«البراغيث» الّتي لا همّ لها سوى تغذية الأحقاد وامتصاص نضالات الشعب وتضحياته وتطلعاته والركوب على آلام المواطنين وشواغلهم والتوظيف الرخيص للأحداث الارهابيّة والاغتيالات لغايات سياسويّة.
لقد أقصت الانتخابات التشريعية الكثير من هؤلاء الَّذِينَ دأبوا على التلاعب بقضايا الوطن الحقيقيّة ومن المنتظر أن تستكمل الانتخابات الرئاسيّة هذه المهمّة في كشف احجام الكثير ممّن تغطوْا برداء الثورجيّة ولبسوا أثواب الأحقاد وعملوا طويلا على تأجيج نيران الفتنة داخل المجمتع لغايات نرجسيّة وبحثا عن زعامة زائفة وتأمينا لحظوظ البقاء على كراسي الحكم او صعودها.
لا يُمكن اليوم لعاقل أن ينكر الحقائق التي عكستها النتائج الانتخابيّة وما أفرزته من قوى منحها الشعب ثقته لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة القادمة في اطار من التوافق والوحدة والانسجام بما سيُمكّن من مغالبة الصعاب والتحديات الماثلة والمضي خطوات مهمّة في الإصلاحات الهيكليّة الكبرى التي تحتاجها العديد من القطاعات والمجالات.
إنّ الحقائق الساطعة التي عكستها النتائج الانتخابيّة ستُسهم دونما شك في إستبعاد الجهات المُحرّضة على الفتنة والنافخة في نار الاستقطابات الايديولوجيّة والباحثة عن منافذ لتصفية الحسابات، ولن تُمَكِّن تلك الحقائق هؤلاء المُفلسين من مجاراة نسق جديد من التفاهمات الوطنية الكبرى والتوافقات التاريخية المصيرية بين أكبر العائلات السياسيّة في البلاد أي الدساترة والاسلاميّين واليساريين المعتدلين.
إنّ اخطر ما يُهدّد الحياة الوطنية هو الاستقطاب الحاد الذي يقسّم المجتمع ويدفع الى التطاحن وربّما الى ما هو أخطر خاصة اذا كان مدفوعا بأحقاد ايديولوجية وبرغبة متبادلة في تصفية الحسابات الضيّقة.
برفضها دعم أي مرشّح للرئاسية قطعت حركة النهضة، وهي القوة السياسية الثانية في البلاد، خطوة كبيرة لافشال مخططات وأجندات الاستقطاب الأعمى التي تدفع اليها بعض القوى الاستئصاليّة والانتهازية المُفلسة شعبيا وانتخابيا.
إنّ قرار حركة النهضة خطوة شجاعة وهو في جوهره انتصار لخط المدرسة الواقعيّة التي أسّسها رئيسها الاستاذ راشد الغنوشي ، وهو ايضا قرار ينتصرُ لخيار التوافق والحوار والوحدة الوطنية وتغليب مصلحة البلاد على سائر المصالح الحزبيّة والشخصية والفئويّة الضيّقة وهو الخيار الذي يدعمهُ بوضوح اليوم العقلاء في حزبي النهضة والنداء، وسيدعمهُ حتما عقلاء الجبهة الشعبيّة، نزعا لكلّ ألغام الفتنة واطفاء لنيران الأحقاد وبحثا عن طريق آمنة للمستقبل الأفضل.
*كاتب وصحفي تونسي/”الشروق” التونسية