إذا تبين أن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون هما اختيار الأميركيين في الانتخابات الرئاسية الخريف المقبل، فالأرجح أننا سنشهد مناظرة محتدمة حول جدار المكسيك العظيم، ورسائل البريد الإلكتروني، وجامعة «ترامب»، وربما أيضاً حول التجارة والتعذيب، ولكننا يمكن أيضاً أن نسمع فيها كثيراً عن بلد صغير في شمال أفريقيا يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، إنه ليبيا. سيشير «ترامب» إلى ليبيا باعتبارها دليلاً قوياً على افتقار كلينتون للكفاءة، حيث سيزعم أنها دفعت في اتجاه تدخل أميركي في ثورة 2011 ضد القذافي فكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس: فوضى، وحرب أهلية، وقاعدة جديدة لتنظيم «داعش»، وقتل سفير أميركي، ولذلك، فإنه كان ينبغي ترك القذافي في مكانه، يقول ترامب الآن. وهو ما قد ترد عليه كلينتون بالقول إن العملية الجوية التي قادها «الناتو» حالت دون وقوع إبادة جماعية على نحو ما تشهده سوريا حالياً – وإن ترامب أيّد آنذاك العملية بقوة.
والواقع أن ليبيا ليست قصة فشل أميركية فحسب، ولكنها أيضاً مشكلة ستتاح للرئيس(ة) المقبل(ة) فرصة تصويبها – سواء رغب(ت) في ذلك أم لا، إذ مثلما تحذر القيادات العسكرية في «البنتاجون» بقلق متزايد، فإن «داعش» منهمك في بناء قاعدة له في البلاد، قاعدة يمكن أن تصبح المقر الجديد للتنظيم بعد أن ضيق عليه الخناق في العراق وسوريا، ويمكن أن تتحول إلى منصة إطلاق سهلة لهجمات على العواصم الغربية، وعليه، فالسؤال يتعلق بمتى وكيف سيحدث تدخل أميركي آخر في ليبيا – وليس بما إن كان سيحدث.
واللافت عند قراءة التحقيقات الصحفية التي أنجزت حول الموضوع الليبي هو كيف أن الرئيس باراك أوباما، الذي رفع شعارات معارضة للحرب في العراق أثناء حملته الانتخابية، كرّر معظم أخطاء جورج دبليو. بوش العراقية في ليبيا.
إقرأ أيضا: كيف يمكن أن يتعامل المرشحون الأمريكيون مع أزمة ليبيا؟
فأولاً، هناك الفشل في التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط الدكتاتور، تقصير أدى لاحقاً إلى اعتراف نادر من أوباما نفسه بالخطأ حيث قال إن الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو «قللوا من شأن الحاجة إلى استعمال كامل قوتنا» عقب الحرب – تماماً على غرار ما فعله بوش في العراق.
ثانياً، هناك الاعتماد المفرط والمبالغ فيه على سياسيين منفيين يتحدثون الإنجليزية حاولوا طمأنة وإقناع واشنطن بأنهم يستطيعون تحمل المسؤولية في ليبيا وإنشاء نظام جديد بسرعة. ووفق نيويورك تايمز، فإن كلينتون كانت معجبة بمحمود جبريل، الذي درس في أميركا وكان رئيساً لمجلس المعارضة، غير أنه على غرار أحمد جلبي العراقي، الذي تودد لبوش، فقد أثبت جبريل أنه يتمتع بتأثير أقل بكثير في وطنه مما يتمتع به واشنطن.
وأخيراً وليس آخراً، هناك القرار الأميركي بالتركيز على التطور السياسي مع تجاهل المشاكل الأمنية المتزايدة، فبينما كانت المليشيات تنهب مخازن أسلحة القذافي وترغم الحكومة الانتقالية على وضع أسماء مسلحيها على الجداول الرسمية للرواتب، كان الدبلوماسيون الأميركيون منهمكين في التخطيط لانتخابات سريعة، وهو «الخطأ نفسه الذي ارتكبتموه في العراق»، مثلما قال السفير الفرنسي في الولايات المتحدة جيرار آرو لـ«نيويورك تايمز».
وبالطبع، لم يسخّر أوباما مئات الآلاف من الجنود، مثلما فعل بوش، غير أن ذلك قد يفسر الفرق الرئيسي بين العراق وليبيا. ففي العراق، قام الجيش الأميركي بالقضاء على القوى الجهادية تقريباً، كما قام بتدريب وتجهيز جيش وطني مهم. ولو لم يقم أوباما بسحب كل القوات الأميركية بشكل مبكر، ربما ما كان «داعش» سينتزع موطئ قدم له هناك، ولكن يبدو أن البعض في إدارة أوباما بات ينظر إلى هذا الفشل الأميركي في ليبيا باعتباره درساً في لا جدوى كل التدخلات الأميركية في الشرق الأوسط، فقد جرّبنا احتلال العراق وأفغانستان، يقول لسان حال هؤلاء، واستعملنا قوة محدودة في ليبيا، ولم نتدخل في سوريا مطلقاً، ولكن في كل حالة من تلك الحالات كانت النتيجة كارثية، وربما الشرق الأوسط منطقة صعبة وحسب.
هذا بالطبع هو رأي ترامب وأنصاره، بيد أنه إذا كان ثمة بديل، فإنه سيأتي من كلينتون، التي دفعت في اتجاه تدخل أميركي في ليبيا على نحو ينسجم مع ميل أكبر لديها لتأكيد القوة الأميركية بشكل أكبر وأقوى مما فعل أوباما، ذلك أنها دعت إلى التزام أميركي أكبر تجاه أمن ليبيا بعد سقوط القذافي ودعم عسكري للثوار السوريين، ولكنها لم تلقَ استجابة من البيت الأبيض، ويبدو أنها تدرك أن الإخفاق الأميركي المتكرر في الشرق الأوسط لا يعزى إلى أن أميركا حاولت ذلك، وإنما إلى أنها لم تحاول بما يكفي من الجد والمثابرة، ذلك أن واشنطن لم تقم بالتخطيط، وقلصت الموارد في لحظات حاسمة ومفصلية، وقامت بالانسحاب بسرعة كبيرة.
ولعل إجابة كلينتون على لجنة الكونجرس الخاصة بليبيا العام الماضي تحمل بين ثناياها بذور عقيدة سياسية حيث قالت المرشحة الديمقراطية: «يجب على أميركا أن تقود في عالم خطير»، مضيفة: «فعندما تغيب أميركا… تتقوى شوكة التطرف، ويسعى المعتدون لسد الفراغ، ويصبح الأمن في كل مكان مهدَّداً»، ولا شك أن هذا سيكون جواباً جيداً عندما تنتقل المناظرة الانتخابية إلى الموضوع الليبي!
محلل سياسي أميركي/”الاتحاد”