قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن زيارته للمنطقة المغاربية جاءت “لإجراء مباحثات حول الوضع في الصحراء”، معبرا عن أمله في “إعطاء دفع للمفاوضات الهادفة إلى تسوية هذا النزاع القديم جدا ودفع المحادثات”. فهل نجح في ما فشل في تدبيره أربعة أمناء قبله؟
سؤال تبقى الإجابة عليه معلقة، ومن الواضح أن الزيارة لم تقدم أي جديد للملف ما دام الطرف الجزائري هو صاحب اليد الطولى في عرقلة أي خطوة للتقدم في طريق حل سياسي متوافق عليه.
فما معنى أن يلوح زعماء جبهة البوليساريو بدعم النظام الجزائري، وبأنهم مستعدون إلى العودة لحمل السلاح؟ وما تنظيمهم استعراضا عسكريا أياما قبيل زيارة بان كي مون للمنطقة إلا دليل آخر على تعنتهم وانتصارهم لمنطق الانفصال.
إن الحديث عن تحول مواقف الجزائر والبوليساريو في ملف الصحراء يعتبر ضربا من الخيال، فخيوط اللعبة ليست بمخيمات تندوف وليست بيد زعيمها عبدالعزيز المراكشي، فالمحرك الرئيسي لبيادق جبهة البوليساريو قابع في الجزائر، وأي موقف لا يتناغم مع أصحاب القرار هناك ولا يخدم مصالح من يريد تجزئة المنطقة إلى ولايات متناحرة، يعتبر لاغيا.
مناورة تقسيم تراب المغرب ليست جديدة، وما صناعة البوليساريو إلا أحد الأعمدة الرئيسية في تفاصيل هذه الخطة. وليس غريبا أن يتم إفراز كيمياء خبيثة داخل الدوائر الداعمة للانفصاليين تصر على أن خيار الحكم الذاتي داخل الصحراء يجب تجاوزه، والجلي هو أنهم يحاولون تجريب خيار الفيدرالية كتوليفة سياسية لتقسيم البلد عمليا.
في خضم زيارة بان كي مون للمنطقة، دعته منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى بحث مسألة انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، ولكن الدعوة الحقوقية تم حصرها فقط في مصير ثلاث نسوة لهن أوراق إقامة بأسبانيا منعتهن البوليساريو من مغاردة مخيمات تندوف، بالتالي لا يمكننا الركون إلى مثل هذا السلوك من منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي نعتبره مناسباتيا ومسيسا وانتقائيا ولا يمس جوهر الانتهاكات اليومية التي تجري داخل مخيمات تندوف في حق المحتجزين الصحراويين، فحقوق الإنسان مفهوم لا وجود له داخل الأجندة السياسية للبوليساريو، فهي تعمل جاهدة دون تمكين المحتجزين من التعبير عن حقهم في تقرير مصيرهم والالتحاق بذويهم بالأقاليم الجنوبية المغربية. فهل أن حضور بان كي مون للمنطقة دون تواصله مع المسؤولين المغاربة، جاء كاقتناع منه بأن مبعوثه كريستوفر روس فشل في مهمته، بتجاوزه خطوط مهمته الأصلية في الوساطة وانحيازه للأطروحة الانفصالية وبمحاولاته المستمرة لخلق جو من العدائية تجاه مبادرة المغرب للحل السياسي المتفاوض عليه والمتمثلة في الحكم الذاتي؟
إقرأ أيضا: انهيار أكبر أكذوبة في التاريخ أمام بان كي مون في تندوف
الأكيد أن المغرب كان صريحا عندما رفض إجراء أي تغيير في الإطار الحالي للمفاوضات، ولم يقبل بأي محاولة لتوسيع اختصاص وولاية بعثة المينورسو المرتكزة في مراقبة وقف إطلاق النار، وطالب مرارا بإحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف، وأي نقاش لملف الصحراء المغربية خارج هذا الإطار هو مضيعة للوقت. لماذا إذن تعارض الجزائر إحصاء السكان في مخيمات تندوف؟ ولماذا تضع العراقيل تلو الأخرى أمام كل المحاولات الجادة لحلحلة الملف والمرور به الى السرعة اللازمة نحو الحل وافتعالها للأزمات ومحاربتها لمصالح المغرب؟
ببساطة لأن أصحاب القرار داخل النظام الجزائري متشبثون بجبهة البوليساريو كمسمار جحا في قضية الصحراء، وأي إحصاء تجريه المفوضية العليا للاجئين في مخيمات تندوف، سيفضح كل مساعيهم ومناوراتهم أمام الرأي العام الدولي، وهدفهم الأساسي منذ عقود مضت هو إنهاك المغرب في هذا الملف.
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يعلم من خلال التقارير التي تصل مكتبه، أن سكان مخيمات تندوف يمرون بأسوأ وضع إنساني يمكن تصوره، ويدرك جيدا أن الجزائر تلعب دورا سلبيا في قضية الصحراء، والأكيد أنه قرأ التقارير التي تربط عناصر من البوليساريو بالجماعات المتطرفة، وتصله المعلومات بأن المساعدات التي تصل المخيمات يتم التصرف فيها ونهبها من قبل قيادة البوليساريو ومن يوجهها من الجزائر.
ورغم أن بان كي مون يصر كذلك، على وصف حالة ملف الصحراء بأنه قنبلة قابلة للانفجار، إلا أنه تجاوز كل هذه الملفات الحارقة بل زادها وقودا لتشتعل أكثر من خلال استثنائه للطرف المغربي في زيارته.
الجزائر حركت اللوبيات الموالية لها في أوروبا وأفريقيا ضد مصالح المغرب، حيث قضت المحكمة الأوروبية بإلغاء الاتفاق الزراعي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وصرح نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا، قائلا إن “المغرب غير جاد في إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء”.
لكن المغرب وبشهادة الدوائر الاستخباراتية والأمنية العالمية يشكل مركز ثقل داخل المنطقة، وفاعل أساسي في المجهود الدولي لمحاربة الإرهاب، وبالتالي لا يمكن التعامل معه بمنطق الكيل بمكيالين في قضاياه المصيرية وهذه الحقيقة يجب أن يعيها الأمين العام للأمم المتحدة الحالي ومن سيخلفه. لهذا، فالمغرب لا يراهن على أي زيارة لمسؤول دولي، ولو كان الأمين العام للأمم المتحدة، لا يعترف بجهود المملكة في إيجاد الحل السلمي والدائم بالصحراء، ولن يتعامل مع أي مبادرة لا تخدم استقرار المنطقة ووحدة المغرب.
ولهذا، كان إصرار الدولة والشعب كبيرا وحاسما على الوقوف بحزم ضد أي محاولة تريد المساس بوحدة التراب والإنسان الصحراوي ومصالحه.
كاتب مغربي/”العرب”