بقلم: هيثم شلبي
بعد المؤشرات الصريحة على رضوخ جبهة البوليساريو، ومن ورائها الجزائر، لمتطلبات تنفيذ القرار الأممي 2797، والقبول بالجلوس إلى مائدة التفاوض مع المغرب بحضور الطرف الرابع موريتانيا، تجنبا للتداعيات الكارثية التي ستترتب على كلا الطرفين (البوليساريو وراعيتها الجزائر) في حال فكروا، مجرد تفكير، في تنفيذ تهديداتهم العنترية وقاطعوا الموائد المستديرة التي يرجح أن المبعوث الأممي دي مستورا سيعقدها في العاصمة الأمريكية واشنطن، ليكون قريبا من مصدر “الأوامر” التي تدفع باتجاه الحسم النهائي في هذا النزاع المفتعل تحت السيادة المغربية. ورغم هذا القبول الصريح من طرف البوليساريو، والموارب من طرف الجزائر، فلا يوجد لدى المغرب أوهام بأن جلوس الطرفين معه هو جلوس المضطر الذي لا يمكنه المقاطعة، وهي حالة أبعد ما تكون عن جلوس طرف راغب في البحث عن حلول حقيقية وفق مبادرة الحكم الذاتي، التي اعتمدها مجلس الأمن إطارا لحسم هذه القضية، مستبعدا باقي الخيارات التي ثبت فشلها على مدى نصف قرن. وعليه، يستمر المغرب في جهوده الهادفة إلى تصفية النزاع المفتعل وحسم مغربية الصحراء دوليا على الساحتين القانونية والسياسية، بعيدا عن التعويل على التعاون المفترض مع النظام الجزائري من أجل إنجاز المهمة، وهو ما يتطلب: طرد “جمهورية تندوف” من صفوف الاتحاد الأفريقي، والانتقال بعدها إلى سحب الملف من اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار، قبل طلب تصويت الجمعية العامة على اعتبار مبادرة الحكم الذاتي نوعا معتبرا من ممارسة حق تقرير المصير، وبالتالي الإغلاق النهائي للملف.
وبالتركيز على طلب تعديل الميثاق الأساسي للاتحاد الأفريقي، بحصر عضويته على الدول الحاصلة على عضوية الأمم المتحدة، وإقفاله بالتبعية في وجه الحركات الانفصالية التي تكتوي بنارها معظم الدول الأفريقية، فسيترتب عليه أوتوماتيكيا طرد جبهة البوليساريو وجمهوريتها المزعومة من صفوف أعضاء الاتحاد. طلب يدعمه منطق الأشياء بعد صدور القرار 2797، حيث لم تعد البوليساريو “طرفا” يسعى لممارسة استفتاء يحمل بين طياته احتمال فصل الأقاليم الصحراوية عن وطنها الام المغرب، بل مجرد أحد الأطراف المطالبين بنقاش خطة الحكم الذاتي المغربية، وصولا إلى اعتماد أفضل صيغة ممكنة منها، لكن مع شرط مبدئي ينسف أساس تواجد جمهورية البوليساريو في الاتحاد الأفريقي: الأطراف المفاوضة تسلم مسبقا بأن هذه الأقاليم ستبقى تحت السيادة المغربية، وهو ما ينفي عنها آليا حق التمتع بوضعية “دولة” داخل الاتحاد الأفريقي، إذ أن عضوية المغرب، الوطن الأم لهذه المنطقة، تشملها أرضا وسكانا.
ثاني المعطيات التي تدعم فرص نجاح المملكة المغربية في مسعاها الأفريقي، يتعلق بلعبة الأرقام الخاصة بالنصاب اللازم لطرد جمهورية الوهم، ومدى إمكانية توفيره. فبالنسبة للنصاب، ورغم الإكراه المتمثل في تجميد عضوية ست دول داخل الاتحاد الافريقي تعتبر صديقة للمغرب (السودان، مالي، بوركينافاسو، النيجر، غينيا كوناكري، غينيا بيساو)، وكان يمكن لوجودها أن يحسم المسالة دون كبير عناء، إلا أن تجميد عضويتها ساهم من جهة أخرى في تخفيض نصاب الثلثين اللازم لحسم المسألة من 37 صوتا إلى 33! فهل يملك المغرب 33 صوتا أفريقيا إلى جانبه؟! لنبحث الأمر بالتفصيل.
بداية، هناك 22 قنصلية أفريقية في الأقاليم الصحراوية (9 في العيون و13 في الداخلة)، وهي أعلى درجات الاعتراف بمغربية الصحراء، ولا يشك عاقل في ضمان المغرب لأصواتها. ومع تجميد عضوية 3 منها، وبالتالي عدم مشاركتها في التصويت (بوركينافاسو، غينيا كوناكري، غينيا بيساو) يتبقى 19 صوتا محسوما هي: بوروندي، ساحل العاج، ساوتومي وبرنسيب، أفريقيا الوسطى، الغابون، جزر القمر، زامبيا، اسواتيني، مالاوي، غينيا الاستوائية، ليبيريا، جيبوتي، غامبيا، الكونغو الديمقراطية، السنغال، سيراليون، توغو، الرأس الأخضر، وتشاد، ليبقى المغرب في حاجة 14 صوتا آخر، فمن أين ستأتي؟
هناك حاليا 17 دولة أفريقية -غير التي سبق ذكرها- لا تعترف بالبوليساريو، وهي تنقسم بدورها إلى 8 دول لم تعترف في يوم من الأيام بالجبهة الانفصالية، وتضم: مصر، السودان، الصومال، تونس، النيجر، رواندا، الكاميرون، إريتريا؛ و9 دول أخرى سبق لها الاعتراف بالبوليساريو لكنها سحبت اعترافاتها: ليبيا، غانا، كينيا، بنين، جمهورية الكونغو، جنوب السودان، مدغشقر، سيشيل، موريشيوس. وإذا استثنينا السودان والنيجر مجمدة العضوية، فمن أصل الدول ال 15 المتبقية فإن الشك يطال موقف تونس قيس سعيد أساسا، مع بعض الشك المحيط بتصويت جنوب السودان، رغم دعمها الصريح لعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بينما يفترض المنطق السليم أن الدول ال 13 المتبقية ستمنح صوتها لصالح المغرب، الأمر الذي يرفع الحصيلة إلى 32 صوتا، أي أقل بصوت واحد من الأغلبية المطلوبة. طبعا هذه التوقعات يمكن أن تخطئ في الاتجاهين: أن يتمكن المغرب مباشرة، أو عبر شركائه الخليجيين الذين يملكون تأثيرا كبيرا على جنوب السودان ان يحسم الصوت المتبقي، وينهي المسألة دون الحاجة للذهاب إلى الفئة الثالثة، أو في الاتجاه الآخر، تقرر دول كرواندا أو الكاميرون البقاء على الحياد وعدم دعم المطلب المغربي، الأمر الذي يبقي المغرب في حاجة إلى 3 أصوات -في أسوأ الظروف- كحد أقصى فهل تملك الحصول عليها من الفئة الثالثة؟
ونقصد بالفئة الثالثة هي تلك الدول التي لم تسحب اعترافاتها الرسمية بجبهة البوليساريو، وإن كانت أدخلت علاقاتها مع الجبهة الانفصالية في ثلاجة شديدة التجمد، حفاظا على علاقاتها الدافئة مع المملكة المغربية، والصداقة التي نشأت معها بعد رجوع المغرب للحضن الأفريقي. مجموع دول هذه الفئة التي تقف نظريا على الحياد، وفي أقصى الحالات سيحتاج المغرب إلى أصوات 3 منها يبلغ 7 دول، تصبح 6 بعد تجميد عضوية مالي: موريتانيا، نيجيريا، إثيوبيا، تنزانيا، أنغولا، أوغندا. وإذا كانت تصريحات دول كأوغندا وأنغولا وتنزانيا تفسر أحيانا بأنها في صف الجزائر (بعد نزعها من سياقها الإقليمي المحلي الذي يتنافس على الفوسفات المغربي!!)، فإن صلابة العلاقة المغربية مع موريتانيا وأثيوبيا ونيجيريا تجعلها جاهزة لمد المغرب بأصواتها إن حدثت مفاجأة في الفئتين السابقتين لأي سبب كان.
وهكذا، أصبح المعسكر المعادي للوحدة الترابية المغربية -بدرجات متفاوتة- يقتصر على 7 دول فقط: الجزائر، جنوب أفريقيا، ناميبيا، ليسوتو، بوتسوانا، موزمبيق، زيمبابوي، على الرغم من صدور تصريحات هادئة وودية من طرف آخر دولتين بين الفينة والأخرى.
كخلاصة، وفي منظمة تقلصت فيها مساحة الدعم لجمهورية تندوف إلى حدود أصابع اليد الواحدة، يوجد المغرب في موقع مريح من أجل كسب أغلبية الثلثين لصالح حجته القوية، بضرورة عدم السماح للحركات الانفصالية بنيل عضوية المنظمة القارية، وهو منطق لا يوجد عاقل أفريقي يمكن أن يؤيد عكسه. هذا الأمر يجعل المغرب يتحرك بشكل مريح من أجل كسب 33 صوتا من أصل 42 دولة أفريقية تتوزع ما بين دول تعترف بمغربية الصحراء، وأخرى لا تعترف بمرتزقة البوليساريو، وثالثة جمدت علاقاتها مع صنيعة الجزائر واختارت نسج علاقات اقتصادية وسياسية ودية ودافئة مع المغرب. مشهد لا يدع مجالا للشك في أننا على أعتاب مشهد غير مسبوق، تطرد فيه جماعة انفصالية لطالما سممت الجسد الأفريقي وعطلت تعاونه الدولي مع القوى العالمية الوازنة، لصالح منطق أيديولوجي عدائي أعمى لا يريد النظام العسكري في الجزائر التخلي عنه، لكنه سيجبر على ذلك مضطرا دون هامش مناورة يذكر.
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير