ليبيا على صفيح ساخن ولم تعد الأوضاع الأمنية فيها خافية على أحد. وقلق كل جيرانها منهم دول ضفتي المتوسط يتزايد. ولم تنفك تونس عن التعبير عن مخاوفها من الأوضاع في ليبيا لا سيما بعد التقدم الكبير الذي يحققه تنظيم داعش الإرهابي تحت مسمى “ولاية الدولة الإسلامية” في ليبيا انطلاقا من إمارة سرت، وكان آخرها الاستيلاء على بلدة بن جواد، والهجوم على الهلال النفطي ومرافئه في السدرة وراس لانوف. وهو ما يمهد لما سماه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، جون كيري، بنشأة خلافة موهومة تمتلك الملايين من الدولارات في ليبيا.
كانت تونس قد عبرت عن خشيتها من أي تدخل عسكري محتمل للناتو في ليبيا. ولقد أكد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في المؤتمر الأخير للتحالف الدولي ضد داعش ألاّ نية للناتو للتدخل في ليبيا، بل إنهم يدعمون تشكيل حكومة وحدة وطنية. وتبقى إيطاليا الدولة الأكثر حماسا للتدخل العسكري في ليبيا لضرب تنظيم داعش.
أكّدت دول الناتو أن الرهان على تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا مازال قائما. ولكن المجلس الرئاسي في ليبيا يعجز إلى حدّ الآن، عن تشكيل حكومة الوحدة. فقد طلب من البرلمان الليبي تمديدا في المهلة الممنوحة له حتى يستكمل مشاوراته من أجل تشكيل النسخة الثانية من حكومة الوحدة الوطنية، بعد أن فشلت النسخة الأولى في نيل الثقة.
ورغم موقف تونس المعلن من رفضها لأي تدخل عسكري في ليبيا فإن الحركية التي تشهدها الساحة السياسية والدبلوماسية التونسية توحي بأن هناك خطوات تهيئ لأمر محتمل في ليبيا. فقد زار رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز تونس مطلع هذا الأسبوع واستمرّت زيارته 3 أيّام التقى خلالها رئيس الحكومة حبيب الصيد ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر. واعتلى منصة مجلس النواب في جلسة استثنائية مقرا بالصعوبات الاقتصاديّة التي تعيشها تونس مطالبا بمكافحة الفساد لكسب ثقة المستثمرين.
وإذا كان رئيس البرلمان الأوروبي قد طالب بمقاومة الفساد من أجل جلب الاستثمارات، فإنه قد تجاهل أن الاستقرار الاجتماعي هو شرط النمو الاقتصادي. وهذا الاستقرار لن يتحقق إلا بسيادة السلم الاجتماعية التي لن تكون في تونس ما لم تكشف الحقائق كاملة في اغتيال شهيدي الجبهة الشعبية شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أوّلا، وما لم تغير الحكومة التونسية من سياساتها في اتجاه المراهنة على الداخل التونسي والانكباب على المشاكل الكبرى التي ثار من أجلها الشعب التونسي لمعالجتها بحلول جذرية لا بحلول ترقيعية هشة، ثانيا. ولن يكون ذلك إلا بتغيير الخيارات والسياسات والمناويل التنموية.
إقرأ أيضا: تونس تضع خطة تحسبا لأي تدخل عسكري في ليبيا
لقد كان موقف رئيس البرلمان الأوروبي حول ليبيا متناسقا مع موقف وزراء خارجية التحالف الدولي ضد داعش الذي يقوده الناتو. فلقد عبر شولتز في ندوة صحافية بمطار تونس قرطاج عن تخييره الحل الدبلوماسي والسياسي على الحل العسكري في ليبيا.
ولكن كلام وزير خارجيّة إيطاليا باولو جنتيلوني وجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة من روما مؤخرا، يفيد بأن الناتو يستعد للتدخل العسكري في ليبيا. وهو الأمر الذي تؤكده تقارير عسكرية واستخباراتية جزائرية. وتؤكد تقارير أخرى أن تونس تنشر تعزيزات عسكرية كبيرة على الحدود مع ليبيا، وأن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني قد زار مواقع الجيش التونسي على الحدود وتفقد انتشارها وجاهزيتها وعاين الخندق والساتر الرملي العازل على الحدود الليبية.
من هنا يتسنى التساؤل عن منهج تعامل الناتو والاتحاد الأوروبي مع تونس في علاقة بتدخل محتمل في ليبيا. لا شك أن الاتحاد الأوروبي على اطلاع على الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها تونس. وهو يقدر حجم المخاوف التونسية من التدخل العسكري في ليبيا في ظل هذه الصعوبات، إذ تخشى تونس من تنشيط الخلايا الإرهابية النائمة على أراضيها، ومن تنفيذ عمليات انتقامية ضد مصالح غربية ومواطنين أجانب ومؤسسات تونسية في صورة قبول تونس أي تدخل في ليبيا أو تسهيله أو المشاركة فيه.
في هذا الإطار تأتي تطمينات رئيس البرلمان الأوروبي بالحرص على مساعدة تونس اقتصاديا، وهو الوتر التونسي الحساس.
ولكن لا بد من التساؤل عن الدور التونسي في موضوع جهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا. فقد وجب التذكير بأن تونس كانت غائبة عن كل مراحل الحوار الليبي سواء التي أقيمت في الصخيرات بالمغرب أو في الجزائر أو في روما. كما أن أعضاء المجلس الرئاسي الليبي قطعوا مشاوراتهم التي كانت تدور في تونس بشكل مفاجئ وغادروا لمواصلتها في المغرب. وقد وجهت اتهامات لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بتدخله لتعطيل هذه المشاورات كان قد نفاها.
هذا مع تسجيل التحرش المستمر لأعضاء في حكومة طرابلس أو في حكومة طبرق بتونس من حين لآخر، كان آخرها تصريحات وزير خارجية حكومة طرابلس علي بوزعكوك المتوعدة لتونس. وقد كانت تونس قد اعترفت خلافا لكل دول العالم بحكومتين في ليبيا في وزارة الطيب البكوش. وقد لاقت تلك الخيارات الدبلوماسية انتقادات من الرأي العام والمعارضة التونسية.
تونس ليست فاعلة في الملف الليبي. ولا دور لها في المساعدة على تحقيق الوحدة الليبية. ودبلوماسيتها تجاه ليبيا لم تكن موفقة. ولكنها الدولة الأكثر تأثرا بالوضع الليبي ولا تبدو تونس مالكة لمصيرها بسبب صعوباتها الاقتصادية. ولذلك فمواقفها عرضة للتوجيه والتدخل الأجنبي.
كاتب ومحلل سياسي تونسي/”العرب”