يبدو أن المجتمع الدولي يتجه نحو إعادة ترتيب البيت العربي، بدءاً من نهاية هذه السنة التي لم تكن عادية ولا مستقرة. ولا يعود ذلك فقط إلى تصاعد موجة العنف بشكل غير مسبوق، ولكن، أيضاً بحكم الاضطراب وانتشار حالة القلق على أكثر من صعيد، اقتصادياً واجتماعياً وحقوقياً.
بعد أن قرّرت الأمم المتحدة حسم المعركة مع تنظيم داعش، تم الانتقال مباشرة نحو حسم ملفين أساسيين في هذه المعركة، السوري والليبي. أصبح الأول شديد التعقيد، ولم يعد قابلاً للحسم فيه، عبر لغة السلاح، فميزان القوى بين النظام ومجمل التنظيمات المسلحة يكاد يستقر بين الطرفين، فلا النظام سقط، ولا هو استطاع أن يقضي على الذين يحاربونه بدون كلل. والأهم والأخطر أن نصف الأراضي السورية أصبحت خاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل على تصفية حساباته مع أكثر من طرف. بدأ الجميع يتعبون، حاملو السلاح ونظام الأسد والداعمون للطرفين بالمال والسلاح من جهات إقليمية ودولية عديدة، وبالتالي، يمكن القول إن الحالة السورية بلغت أقصى درجات التعفن، وانقلبت تداعياتها على أوسع نطاق ممكن. فالمهجرون السوريون يشكلون، اليوم، عاملاً ضاغطاً على أوروبا وغيرها من دول العالم. كما أن ضربات داعش امتدت إلى باريس، وأصبحت تهدد مختلف العواصم الغربية، وذلك في مرحلة تعاظم فيها ركود الاقتصاد العالمي. لا يعني أن قرار مجلس الأمن الخاص بسورية، والذي صدر الأسبوع الماضي، قد فض المشكلة، فذلك سيتطلب جهوداً إضافيةً كثيرة، نظرا لاستمرار تضارب المصالح بين مختلف المتدخلين في الأزمة، لكن الجميع قد أقروا بوضوح بأن الحل السياسي هو المدخل الوحيد لإنهاء المأساة، ولو لم يتم التطرق إلى مصير بشار الأسد، وهي المسألة التي بقيت محل خلاف، ولكن مضمون القرار الأممي يوحي بأن الرئيس السوري يبقى أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه المرحلة على الأقل.
إقرأ أيضا: اتفاق الصخيرات حول ليبيا.. خبر هام في نهاية العام
أما ليبيا فمرشحة لكي تستنسخ الحالة السورية مع بعض الفوارق. ولهذا، رحب العالم بالتقدم الذي سجل في المفاوضات السياسية بين طرفي النزاع. وعلى الرغم من أن هذا التقدم ما يزال هشا، إلا أنه قابل ليتحسن ويتدعم، خصوصاً وأنه مصحوب بتهيئة الأجواء، وتكثيف المشاورات بين مختلف الأطراف بشأن احتمال قيام حلف الأطلسي أو أحد أعضائه، خصوصاً فرنسا، بشن سلسة من الهجمات على تنظيم الدولة داخل ليبيا الذي نجح في تحقيق توسع جغرافي سريع، وأصبح يهدد تونس ومصر والجزائر إلى جانب دول جنوب أوروبا.
وما ورد هنا عن توازن القوى في سورية يمكن تعميمه أيضاً على ليبيا، حيث تأكد الجميع أن الحسم العسكري لصالح هذا الطرف أو ذاك غير ممكن. وما يجري، حالياً، هو البحث عن صيغة سياسية توافقية، ترضي طرفي الصراع، وتكون مدعومة من المجموعة الدولية.
هل تكون السنة المقبلة سنة الحسم في هذين الملفين على الأقل؟ يصعب الجزم بذلك. لكن، من المؤكد أن سنة 2016 ستشهد بذل مزيد من الجهود السياسية محلياً ودولياً، إلى جانب تكثيف المواجهة العسكرية ضد تنظيم الدولة في أكثر من موقع. وإذا أضفنا ما قاله الرئيس الأميركي عن 40% من الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق، فمن شأن ذلك أن يدفع بداعش إلى انتهاج استراتيجية إعادة الانتشار وتوزيع قواتها عربياً. وفي هذا السياق، إذا لم يتم الإسراع في قطع الطريق بين الشام وليبيا، وإذا لم يعجل الليبيون في الانتقال إلى تنفيذ خطة التسوية السياسية بينهم، فإن مشهداً مأساوياً آخر سيكون بصدد التشكل في المرحلة المقبلة.
* كاتب من تونس/”العربي الجديد”