عادت جائزة نوبل للسلام بعد غياب طويل٬ منحت لتونس كلها تقريبا٬ للذين عملوا في سبيل ألا تنزلق البلاد نحو الهاوية نتيجة رياح التغيير الشديدة في فصل الربيع العربي.
ونوبل٬ الجائزة٬ مجرد اعتراف بما نجح أهل تونس في تحقيقه٬ وما حققوه لا يحتاج إلى شهادة لأن النظر إلى ما يحدث في الجوار الليبي٬ مثلاً٬ يجعل تونس محل الإعجاب فوًرا. لقد مرت بنفس الطريق ولم تقع في الهاوية.
وها هي تونس٬ بلد مستقر بفضل اتفاق الإخوة الذين كادوا ألا يتفقوا على شيء٬ وفي لحظة فاصلة قرروا الجلوس والعمل مًعا. شكًرا لسياسيي تونس٬ وأحزابها٬ ومثقفيها٬ وجمعياتها٬ ومنظماتها٬ ونقاباتها التي صنعت المصالحة٬ ورضي كل طرف بالحد الأدنى من طموحه في سبيل أن تكون بلادهم لهم جميًعا.
إقرأ أيضا: الفائزون بنوبل للسلام يلتزمون بدعم الحوار في تونس
وقد أصبحت تونس٬ ومواطنوها التوانسة٬ محل الإعجاب لأنها البلد العربي الوحيد الذي سار في درب التغيير بأقل قدر من الفوضى والانتكاسات٬ علاوة على أنه من أطلق صفارة التغيير الأولى. رئيسة لجنة نوبل للسلام اعتبرتها «بلًدا يحتذى»٬ لكن الطريق طويل٬ وقلادة نوبل لا تطعم خبًزا. الخبز مورده بناء بلد ناجح٬ عازم على الاستمرار في المشروع التصالحي٬ والالتزام باحترام الدستور٬ والقبول بنتائج الصندوق الانتخابي مهمة يحتاج الاستمرار فيها إلى صبر وتضحية مستمرة. وتونس بلد بلا موارد اقتصادية كبيرة٬ وتفجير هنا أو عملية إرهابية هناك كفيل بتخريب مصادر العيش٬ لكن لا يكفي لتخريب النسيج السياسي الاجتماعي الذي هو شبكة الأمان الوحيدة. وقد جربت الجماعات السياسية الرافضة لمشروع تونس الحديثة استخدام العنف وفشلت في تخريب النظام الجديد. ونوبل٬ كجائزة٬ تمثل اعتراًفا عالمًيا بما فعله الشعب في مواجهة الفوضى واختيار المصالحة والتوحد ضد الإرهاب.
لكن لماذا نجحت تونس وعجزت بقية دول الربيع العربي؟ ما الذي يجعل إسلاميي تونس وليبرالييها ويسارييها يتوصلون في الأخير إلى صيغة تعايش والاتفاق على قيم أساسية يحتكمون إليها٬ في الدستور والبرلمان؟ أو ربما السؤال الذي أقوله لمبرري الفوضى٬ والذين يحبون لوم الغير: لماذا فشلت الدول الأخرى التي مرت بما مرت به تونس في عام 2011؟
المنظمة المانحة لنوبل اختارت أربع منظمات تونسية لتقلدها جائزة نوبل للسلام٬ وهي بذلك تمنحها للشعب التونسي على اختلاف انتماءاته ومواقفه.
تحية للفائزين بها٬ وداد بوشماوي عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية٬ وحسين العباسي عن الاتحاد العام التونسي للشغل٬ وعبد الستار بن موسى عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان٬ ومحمد الفاضل محفوظ عن الهيئة الوطنية للمحامين. فهذه تونس الحبيب بورقيبة٬ وتونس التعايش والتمدن الحضاري.
* إعلامي ومثّقف سعودّي/”الشرق الأوسط”