تسير الحكومة الجزائرية بقيادة الوزير الأول عبدالمالك سلال، مدعومة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأحزاب الأغلبية في البرلمان، نحو تحقيق برنامجها التقشفي، الرامي إلى التأقلم مع التراجع الحاد في الدخل من إيرادات الطاقة المتوقع أن يصل إلى 50 بالمئة، وذلك بعد أن دُعّمت بموافقة المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) أمس الأول (الإثنين 30 نوفمبر) على زيادة في الأسعار المدعمة للبنزين والديزل والغاز والكهرباء، ضمن ميزانية 2016، والتي تسعى حسب قانونها إلى تخفيف الإنفاق تسعة بالمئة، رغم أن الموافقة على قانون الميزانية، خاصة المادّة 66، قد أحدثت مواجهة واسعة بين بعض من أحزاب المعارضة، ذات التوجه الاشتراكي مثل حزب العمال، وجبهة القوى الاشتراكية، مضاف إليهما تكتل الجزائر الخضراء الإسلامي من جهة، وأحزاب السلطة من جهة ثانية، لم يشهدها المجلس الوطني على طول تاريخه السابق.
بناء على تجارب الحكومات الجزائرية السابقة، تبدو أن تلك الموافقة ستكون بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، ذلك لأن الطابع الاجتماعي للدولة أو بالأحرى الرَّيعي، غير قابل للتغيير أو التعديل، وقد كان السبب المباشر لكل التغيّرات التي حصلت في الجزائر بعد أحداث أكتوبر 1988، سواء تلك المتعلقة بالديمقراطية والتعددية والإصلاحات السياسية بشكل عام، أو التي أدخلت البلاد في بحر من الدم لمدة عشر سنوات، وجعلت من الإرهاب سوساً يَنخر الدولة الجزائرية إلى الآن، وذلك الطابع الريعي هو ما تُدَافع عنه المعارضة اليوم، التي كانت ولا تزال متواطئة مع أحزاب السلطة لمصالح خاصة أو حزبية.
لا شك أن أحزاب المعارضة صادقة في مخاوفها، ذلك لأن حكومة سلال تسعى إلى أمرين؛ الأول تبييض أموال جماعات الفساد والمستثمرين الشرعيين وغير الشرعيين، بهدف إيجاد سيولة مالية بعد أن اتضح أنّ الغالبية من رجال الأعمال وأصحاب الصفقات المشبوهة والواهية تحتفظ بمبالغ طائلة خارج البنوك، والثاني بيع مؤسسات الدولة المفلسة أو تلك التي عجزت الدولة عن تسييرها إلى القطاع الخاص، وبالطبع هذا سيكون بأسعار رمزية على غرار ما حدث في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وقد استفاد منه في ذلك الوقت رجال الدولة خاصة المنخرطين في جبهة التحرير الوطني، ما يعني احتمال أن تشتري جماعات الفساد المُتَحالفة مع رجال السلطة مؤسسات الدولة الجزائرية.
مهما يكن، فإن “قانون الموازنة الجديد يؤسس، حسب تصريحات لويزة حنون رئيسة حزب العمال، لهيمنة لوبيات مالية محلية تريد السيطرة على مقدرات الشعب، من خلال بعض البنود التي سهلت عملية التنازل عن المؤسسات الحكومية لصالح رأس المال الخاص”، ويُشكِّل وجودها خطرا على الدولة الجزائرية، لأن تحقيق مصالحها يتطلب المحافظة على بقاء الرئيس بوتفليقة في السلطة مهما تدهورت حالته الصحية، أو تراجعت قواه العقلية، ما يعني أن مصالح لوبيات الفساد أو المستثمرين الشرعيين ستجعل الجزائر رهينة لمصالحهم، الأمر الذي بات مقلقا للجزائريين، ومقلقا أكثر لبعض القوى الدولية، وخاصة روسيا، التي تتخوف من الحالة الجزائرية الراهنة، وما ستؤول إليه في المستقبل المنظور.
فحسب خبراء عسكريين وصحفيين متخصيين ووسائل إعلامية روسية، فإن روسيا تبدي مخاوفها من انتشار داعش في ليبيا، وقد سبق لها أن أبلغت السلطات التونسية والجزائرية بذلك، وإذا كانت ترى تونس حديثة عهد بالإرهاب، وهو لا يزال في بدايته، فإنها ترى عودته بقوة باتت وشيكة في الجزائر، وتنطلق، كما جاء في بعض المقالات المنشورة في الصحف الروسية، من كون الجزائر لن تكون مستقرة في المستقبل، وتولي اهتماما خاصا بأربع قضايا رئيسة.
إقرأ أيضا: الانفصام الذي تعاني منه الجزائر…
أولاها الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، والثانية هي ما تراه خلافا بين المؤسستين الأمنية والعسكرية، والثالثة عودة المسألة الأمازيغية للواجهة وما ستترتب عنها من مطالب ستؤدي في نظرها إلى انهيار الجبهة الداخلية في الجزائر، أما الرابعة فهي دخول بعض رجال الأعمال في شراكة مع أطراف خارجية، وخاصة الشراكة بين الجزائر وقطر سواء على المستوى الحكومي بين الدولتين أو بين المستثمرين ورجال الأعمال الخواص، وتؤكد على أن القضية الأخيرة هي الأخطر، لأنها تمثل المدخل إلى دعم الإرهاب.
الواقع أن تلك القضايا التي تُولِيها روسيا اهتماما خاصا، وتشكّل مخاوف حقيقية، هي أيضا على النحو نفسه لدى كثير من الجزائريين، بما في ذلك بعض المشاركين في عملية صنع القرار، باستثناء مسألة الشراكة في مجال الاستثمار بين الجزائر وقطر، سواء أكان حكوميا أم خاصا، حيث لم تكن محل ريبة من طرف الجزائريين منذ أن بدأت الشراكة بين الجزائر وقطر في مجال الاستثمار.
وإذا سلمنا بتلك المخاوف الروسية، التي ترى أنها نابعة من الفساد، وهذا الأخير عامل مساعد على الإرهاب، فإن التغيّرات الحاصلة في الجزائر والخاصة بالتقشف، وبحزمة الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ الاقتصاد الجزائري لن تكون مٌجدية على المدى الطويل إذا لم تتحسن أسعار النفط، وهذا الأمر لا يعني كثيراً الأطراف المهيمنة على محيط بوتفليقة، خاصة تلك المتحالفة مع جماعات الفساد، كونها ماضية في تحقيق أهدافها بغض النظر على الوضع الذي تعيشه الجزائر، فإذا انتعش الاقتصاد الوطني وارتفعت أسعار البترول نَهبت ميزانية الدولة، وإذا انهار الاقتصادي الوطني وتراجعت أسعار النفط تحالفت ماليا مع الرأسمال الأجنبي، وفي الحالتين ستتمكّن من فرض مشاريعها من خلال مقدرات وإمكانيات الدولة، وهي لا تمانع في التحالف مع التنظيمات الإرهابية، وقد سبق لبعضها القيام بذلك خلال العشرية السوداء. بعد هذا كلّه، أليس مشروعاً تخوف روسيا من الوضع في الجزائر؟
* كاتب وصحفي جزائري/”العرب”