عندما نويت أن أشارك ابناء وطني احتفالاتهم باليوم الوطني الرابع والأربعين، أردت ان اركز على ماتحقق هذا العام من انجازات كبيرة على الصعد والقطاعات التنموية كافة، فعنونت المقال في البداية بعنوان “عام الانجازات”فتذكرت أن الانجازات تتوالى ــ بفضل الله ـ عاماً بعد آخر منذ انطلاق المسيرة الاتحادية، وأن عنواني هذا ربما يخص هذا العام دون غيره بالانجازات، واهتديت إلى أن أعنون سطوري بعام انجازات جديدة.
هذا التمهيد ليس خارج نطاق الموضوع ولا المألوف، فالمقال مخصص لموضوع تمتزج فيه العواطف الوطنية الجياشة وبالاحصاءات والارقام، ويختلط فيه العام مع الخاص، إذ يصعب أن تفصل ذاتك عن وطنك، فهو في الحقيقة فصل للروح عن الجسد، فالأوطان تسكننا، والعلاقة بين الانسان ووطنه يصعب تفسيرها ببساطة، فما بالنا والوطن هو الامارات، ذاك الوطن الذي يعتبر مواطنيه مقلة العين ونبض الفؤاد، ولا يبخل بأي شىء عليهم، بل ترنو قيادته الرشيدة دائما إلى توفير كل سبل الراحة والاستقرار وأحدثها لمواطنيها، الذين تتابعهم في داخل البلاد وخارجها في منظومة تصنف خارج نطاق المألوف في العلاقات بين الدول ورعاياها، فرعايا الامارات هم أثمن مواردها وأغلى مالديها.
احتفال الامارات هذه الأيام بيومها الوطني الرابع والأربعين له طابع استثنائي، فهذا العام من الأعوام التي شهدت إنجازات فريدة على الصعيد التنموي، فتجربة المشاركة السياسية التي تقع في قلب مرحلة التمكين تمضي بخطى مدروسة لا يهمها من سبقها ولا من تسبقه، بل يهمها بالدرجة الأولى أن تؤسس لتجربة سياسية وطنية خالصة تراعي الظروف المحلية والخصوصية الثقافية الاماراتية، وتوجت هذه التجربة بخطوة نوعية على الصعيد العربي والعالمي، حيث تم انتخاب الدكتور أمل القبيسي رئيسا للمجلس الوطني الاتحادي، لتكون السيدة الأولى عربيا وإقليميا التي تقود برلمان بلادها، في رسالة ايجابية للمرأة الاماراتية والعالم أجمع بأن الامارات، قيادة وشعبا ومؤسسات، ملتزمة بالارتقاء بمكانة المرأة وأن المجال مفتوح أمامها من دون أي عوائق لتواصل مسيرتها الحضارية ومشاركتها الايجابية في تنمية بلادها وتطورها.
إقرأ أيضا:المغرب والإمارات.. شراكة الإنجازات
ما يجعلني أشعر بالتفاؤل أن تجربة المشاركة السياسية الاماراتية تمضي وفق قواعد ومعايير “على مقاسنا”ووفق خصوصيتنا، ولم نستورد أو نجلب أو نستنتسخ تجارب مجتمعات غربية لها ظروفها وتجاربها التاريخية والثقافية المختلفة، إذ أن اختلاف المدخلات يفرز مخرجات مغايرة وهذا منطق الطبيعة والعقل، ومن ثم كان الحرص شديداً على تطوير تجربة سياسية إماراتية محلية خالصة، قد تستغرق بعض الوقت ولكنها تعمل وفق ديناميات مجتمعها.
الامارات التي تحتفل هذه الأيام بيومها الوطني الرابع والأربعين حققت أيضا خلال العام المنصرم سلسلة من الانجازات السياسية، مثل فوزها بدورة ثانية في عضوية مجلس حقوق الانسان التابع لمنظم الأمم المتحدة، في تقدير دولي واضح لسجل دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حقوق الإنسان، أما في مجالات التنمية البشرية وقطاعات الصحة والتعليم والثقافة، فالأرقام والاحصاءات كاشفة عن جهود هائلة تبذل من أجل بناء أجيال ترتقي إلى سقف متطلبات التنافسية العالمية.
ولقد اعتدنا في الامارات أن نتوقف عند كل محطة سنوية في اليوم الوطني لنقدم جردة حساب لأنفسنا قبل الآخرين، لنعرف ماأنجزناه وما حالت الظروف دون تحققه، وهذه الوقفة تنبع من احساس دفين بأننا في سباق مع الزمن، كي نصل إلى مستويات تنافسية عالمية في غضون السنوات القلائل القادمة، أو في العيد الذهني لتأسيس دولة الاتحاد حيث ترسو محطة “رؤية 2021″، التي تتضمن سقفا طموحاً للانجازات التنموية، يتضمن أحلام قيادتنا الرشيدة لهذا الوطن، وهي أحلام تتجسد على أرض الواقع رويداً رويداً، فالحلم الأكبر الذي تحقق ببناء هذا الوطن الشامخ تتراجع أمامه بقية الأحلام.
اليوم الوطني ليس مناسبة لاستعراض الانجازات فقط، بل هو أيضا ـ وهذا هو الأهم ـ مناسبة للتعبير عن مكنون الذات وما تحتفظ به من حب جارف وولاء عميق للقيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ ولهذه الأرض الطيبة المعطاءة والوطن الغالي، ومشاعرنا ـ كمواطنين ومواطنات ـ في هذه المناسبة الوطنية تنطلق من القلوب بعيدة عن عبارات التزلف والوطنية الزائفة، فهي مشاعر تنتجها الانجازات الكبيرة التي يلمسها المواطنين، الذين تشير التقارير الدولية إلى أنهم في المرتبة الأولى عربياً ضمن مؤشر الرضا والسعادة، الذي تجريه الأمم المتحدة. فالمواطن الاماراتي بالغ الفخر بهويته ووطنه ودولته وقيادته ليس لشىء سوى لكونه يشعر بقيمته ومكانته على هذه الأرض، ويشعر بأنه مواطن من الطراز الأعلى ضمن معايير المواطنة الواردة في الأدبيات السياسية كافة.
إن احتفالات القلوب تسبق في الامارات أي احتفالات رسمية، وجولة واحدة في مدن الامارات وشوارعها في هذه الأيام المجيدة كفيلة بأن تقنع الزائرين بأن هذه الأرض تحتفي بشعبها وأن هذا الشعب يحتفي بقيادته ويشعر بانتماء عميق وفريد لها، فلا غرابة أن تشعر الامارات بأجواء الامن والأمان والسكينة في محيط يموج بالفوضى والاضطرابات، ولا غرابة في أن تعكف الامارات على مواصلة بناء نموذجها التنموي الفريد وسط منطقة تفتقر في أغلبها إلى إرادة الحياة.
لتحتفل الامارات بيومها الوطني الرابع والأربعين، وكل التمنيات أن تتواصل مسيرة الخير والنماء والإعمار الانساني والحضاري، وليهنأ الشعب بقيادته الرشيدة ولتسعد القيادة بحب هذا الشعب الوفي وولائه لها، وكل الأمنيات أن يكون نموذج الامارات التنموي والمعيشي ملهم لبقية الدول العربية والاسلامية، في منطقة تحتاج إلى بارقة أمل وإشعاع نور تقتبس منه طاقة للمستقبل.
*كاتب وباحث في القضايا السياسية