قبل أسبوعين، خصصنا مقالة عن المرحوم عبدالهادي التازي، المؤرخ والأكاديمي المغربي، الذي كان في مقام الوالد بالنسبة لي، وأستحضر في هذه المقالة ما كان قد كتبه عندما اختاره المرحوم الملك الحسن الثاني لحمل رسالة منه إلى المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. فقد كان المرحوم الحسن الثاني يسمع كثيراً عن هذا الرجل الحكيم عميق الرأي، بعيد النظر، وفكر في أن يتوجه إليه بالدعوة لزيارة المملكة المغربية بمجرد قيام دولة الاتحاد في الإمارات بداية السبعينيات من القرن الماضي، ويحكي عبد الهادي التازي عن هذا اللقاء: «سألني الشيخ زايد وأنا أتحدث إليه عن المغرب وتقاليده وعاداته ومذهبه في الفقه الإسلامي: هل يهوى المغاربة القنص بالصقور؟ ولشد ما كان استغرابه حين أجبته بأن القنص بالصقور معروف في التاريخ المغربي حتى قبل بلوغ الإسلام المغرب. وأن في إقليم الجديدة بالمغرب قبيلة تدعى القواسم اشتهرت بهواية القنص بالصقور، فابتسم وقال: سيكون لنا اتصال بهم، فعرفت أنه من كبار هواة الصقور. وأراد أن يعرف أيضاً هل يعيش طائر الحبارى في المغرب، وضحك حينما أخبرته أن نساءنا القديمات كن يوقظن همم بناتهن بوصفهن بالحبارى حين يتكاسلن عن العمل ولا يتحركن» إلى أن قال: الذي أسجله باعتزاز كبير أن الشيخ زايد، رحمه الله، رحب كثيراً بالدعوة التي وجهها إليه الملك الحسن الثاني، وقال: لي لا تغادر ديارنا إلا بعد أن أحدد لك موعداً. لا أنسى أبداً المبادرة التي أعتز بها وبذكرها حين قرر الشيخ زايد، على الرغم من الدعوات الموجهة إليه حينئذ من دول أخرى أن تكون وجهته الخارجية الأولى بعد ترؤسه الاتحاد هي المملكة المغربية. لقد عكست هذه الالتفاتة، التي خص بها المملكة المغربية، رؤيته لها كدولة أساسية. وبالرغم من أن زيارته الأولى كانت قصيرة، فإنها عبرت عن تلاحم قوي، وإعجاب متبادل بينه وبين الملك، كما أسست لمستقبل لم نكن نتصوره آنذاك. غادر الشيخ المغرب مفتوناً بمباهجه ومنجزاته وأهله. كان الملك الحسن الثاني يتحدث إلى خلصائه والمقربين إليه بأن الشيخ زايد قائد عربي كبير ومتبصر، وأنه شعر في أثناء الحديث إليه بأنه فعلاً أمام شيخ كبير من شيوخ العرب، الذين ظهروا بالأمس على الساحة العربية. لقد أصبح ذلك اللقاء حجراً مفصلياً في العلاقات الثنائية بين القائدين وبين البلدين…، وأشاطر عبدالهادي التازي أحاسيسه ومشاعره الأخوية عن إمارات اليوم التي انتقلت بفضل سياسة قيادتها الرشيدة من صحراء جرداء إلى بلد مبهر حضارياً وعمرانياً، فمن يزور الإمارات يكتشف، معالم النهضة المدروسة بإتقان، تتجلى في كل شارع، وفي كل مؤسسة، وفي كل قطاع. والبنية التحتية تلقى كل عناية، والمدارس الابتدائية والثانوية والجامعات في كل ركن من أركان الإمارات، والمنشآت الحضارية تعبر من تلقاء نفسها أن الإمارات وجدت لتكون على هذه الحال من النجاح. والمنجزات كثيرة، ما شاء الله، ولا ارتجال فيها ولا تهافت، والمرأة الإماراتية انعكاس آخر لهذه النهضة، وهي ذات مساهمة فعلية في بناء البلد. فلا يمكن تصور مغرب من دون الإمارات، كما لا يمكن تصور الإمارات من دون المغرب، فالأسس التي وضعت وتوضع لهذه العلاقات هي على مبادئ قوية لا يمكن أن ينال منها الزمان، فهي قائمة على أصول لا تحور ولا تحول، وجلالة الملك محمد السادس مع أشقائه في الإمارات نموا هذه العلاقة المتجذرة بنور جديد ويقين وهّاج. وتشهد على ذلك الزيارات المتبادلة والاتفاقيات المبرمة وهي بمنزلة عقود شريفة بين بلدين شقيقين. كما يشهد على ذلك أيضاً التجاوب العفوي بين شعبي البلدين من مفكرين وأكاديميين ومؤرخين وتجار وأناس عاديين. وكل واحد من هؤلاء يضغط على التاريخ ويرسم على مجراه طابع التأثير الذي يحدث التغيير. وبمشاركاتي المتوالية كأكاديمي وجامعي مغربي في العديد من المنابر الإماراتية، وباستقبالي للعديد من المفكرين وأصحاب القلم والرأي الإماراتيين في المغرب، أخرج بقناعة أن المغربي والإماراتي تجدهما دائماً مفعمين بالأصالة والمعاصرة، وما يؤمن به من أصالة العقيدة المبنية على المذهب المالكي الوسطي المعتدل وأصالة الالتزام وأصالة المناهج.
* رئيس المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية/”الاتحاد”