ما هي الدواعي الحقيقية التي حرَكت مجموعة الـ19 شخصا، خلال هذا الأسبوع، لطلب اللقاء بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وماذا يريدون بالضبط؟ وهل تعني هذه المبادرة إرهاصا لبروز طريق ثالث ينفخ الحياة الجديدة في المشهد السياسي الجزائري، ويكسر رتابة الانسحاب النفسي الكلي للشارع الشعبي وزهده في السياسة، ويعوض عن فشل الأحزاب والشخصيات المعارضة في اختراق أسوار السلطة ومن تحقيق إنجاز سياسي إستراتيجي ملموس يجبر النظام الحاكم على الخروج من برجه العاجي على الأقل لمواجهة حقائق الواقع الجزائري الذي يتميز بالتخلف على جميع الأصعدة؟ أم أن هذه المبادرة التي لم تنطلق من العمل النضالي الشعبي لن تكون حاضنة شعبية تلتف حولها وتقاوم كل من يسد الطريق أمامها؟
ثم كيف يمكن لهذه المبادرة أن تصل إلى بر الأمان في الوقت الذي يوصف تاريخ أغلب الأسماء التي تتزعمها بأنه تاريخ محاط بعلامات استفهام كثيرة حيث أنها ليست محايدة أو معارضة راديكالية ومبدئية في السابق أو حاليا، بل هي معروفة بأنها كانت ولا تزال جزءا عضويا من أيديولوجية وثقافة النظام الحاكم ذاته الذي تلتمس منه أن يقبل بالجلوس معها في أروقة رئاسة الجمهورية؟
يلاحظ أن هذه المبادرة التي أطلقها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة رفقة 18 شخصا، لا تتمتع بأي صفة حزبية ولا صلة لها أيضا بالمجتمع المدني المستقل والمنظم في الروابط والجمعيات والاتحادات الثقافية والمهنية والفنية، وفضلا عن ذلك فإن معظم هذه الأسماء الموقعة عليها هم من الوزراء السابقين الذين ارتبطوا بالنظام وعملوا ضمن صفوفه ودافعوا عن ديكتاتوريته وانفراده بالسلطة.
اقرأ المزيد: “مجموعة 19” لبوتفليقة: البيت يحترق يا سيادة الرئيس
هذه الخلفية التي لا تنطلي على المواطنين تنزع عنهم مصداقية ونزاهة الأخلاقيات السياسية في الشارع الشعبي الجزائري، وتصنفهم ضمن صفوف رجال ونساء النظام الحاكم. إن وزيرة الثقافة خليدة تومي التي أزيحت من منصبها منذ عدة شهور، وفتيحة منتوري الوزيرة سابقا، وزهرة ظريف عضو مجلس الأمة حاليا، ومحمد لمقامي السفير السابق، وعبدالحميد أبركان الوزير السابق، ليست شخصيات راديكالية ولا تدعو إلى تغيير النظام القائم، ولا تطالب حتى بالحد الأدنى وهو محاسبة سلوك النظام غير الديمقراطي، أو إلى أجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد تعرض رئيس الدولة لمرض أقعده وحال دون ممارسته النشاط السياسي على نحو فاعل.
كما أن هذه المبادرة التي تقدموا بها لا تشير من قريب أو بعيد إلى الأسباب الحقيقية التي تسببت في فشل السلطة على مدى عقود طويلة في حل المشكلات المعقدة، ولا تتضمن رؤية علمية بموجبها يتم إصلاح الأوضاع المتردية التي يعاني منها المواطنون البسطاء والتي تتمثل في الكثير من الظواهر منها أزمة السكن المزمنة، والبطالة المستشرية، وعدم تناسب الدخل الشهري للموظفين والعمال والفلاحين مع غلاء المعيشة والإيجار الفاحش.
والأدهى والأمر هو أن مطالب هؤلاء نخبوية ومغرقة في العموميات ولا تقدم تصورا جادا لمشروع وطني يمكن أن يتفاعل معه المواطنون وأن يؤدي إلى الانفراج السياسي والاجتماعي في البلاد.
في هذا السياق نقدم بعض العينات من أقوال هؤلاء للتعرف عن قرب على الدوافع التي تحركهم وعلى ثقافة الموالاة التي تسم مواقفهم والتي تتلخص في تقديم الولاء لرئيس الجمهورية، وتصويره كصاحب القدرة الكلية وكمالك لكل مفاتيح حل الأزمة الجزائرية المركبة.
الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون شرحت لوسائل الإعلام الوطنية موقفها بالقول “لسنا ضد بوتفليقة، ولا نرجو المناصب لكننا لن نسكت” ثم أضافت “كنا أمام ثلاث خيارات، إما أن نرى ولا نتحدث وهذا مستحيل، وإما أن نخرج إلى الشارع وهذا نرفضه، ولأننا نحترم الدولة، اخترنا الخيار الثالث وهو مقابلة الرئيس بهدف إنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية”.
خليدة تومي لخصت السبب الذي دفعها إلى طلب مقابلة الرئيس هكذا “نحن نعرف جيدا مبادئ وقناعات وتصرفات بوتفليقة تجاه الشعب والبلاد، ونحن نعترف بشرعية الرئيس ومؤسسات الدولة، لكننا نتساءل عن بعض القرارات المتخذة مؤخرا ونطلب كمواطنين اللقاء به لمعرفة الحقيقة”.
أما الروائي رشيد بوجدرة مهندس المبادرة فلخص القضية في حديث له مع يومية الشروق اليومي بالقول “أردنا أن نحاول من خلال هذه الخطوة أن نلتقي رئيس الجمهورية كمواطنين نشعر بمسؤولية التحسيس بخطورة الوضع وتعقده بعد الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد في المجتمع″.
إن تحليل هذه العينات يظهر لنا أن أصحابها ينطقون بمنطق النظام الحاكم الذي يميّع القضايا ولا يسمي الأمور بأسمائها من جهة، ومن جهة أخرى فهم يعفون الرئيس بوتفليقة وحاشيته في مؤسسة الرئاسة وفروعها من مسؤولية انحلال مؤسسات الدولة وجمود التنمية وانهيار المنظومة التعليمية، وطغيان البيروقراطية، وتحطيم التعددية الحزبية، وتفشَي الفساد بكل أشكاله سواء في هرم السلطة أو في المؤسسات الحكومية عبر المحافظات وفي المدن والأرياف.
من المدهش أن نسمع زعيمة حزب العمال، لويزة حنون تصرَح بأنها ترفض الخروج إلى الشوارع للتظاهر ضد كل ما يهدد البلاد ويدفع بها إلى السقوط في الهاوية، في الوقت الذي تعرف جيدا أن النظام الحاكم هو الذي يمنع التظاهر السلمي وهو بذلك يمنع المجتمع المدني والأحزاب، منها حزب العمال الذي تتزعمه السيدة حنون، من حق شرعي تكفله تقاليد التعددية الحزبية ومبادئ الديمقراطية في العالم. ثم هل يعقل حصر تفشي ظاهرة الفساد في المجتمع، الذي يقصد به مجتمع المواطنين البسطاء في الغالب، كما يرافع رشيد بوجدرة علما أن فضائح اختلاس مئات الملايين من الدولارات قد اقترفها وزراء معروفون، ورؤوس كبار في مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة ولكن لا أحد منهم تمت محاسبته ومعاقبته إلى يومنا هذا.
ولعل فضيحة الوزير السابق شكيب خليل وشركائه في الجريمة المسكوت عنها، وسيناريو محاكمة الخليفة، التي تمت بطريقة غريبة أبعدت الشبهة عن عدد من كبار رموز النظام المتورطين إما في نهب مئات الملايين من الدولارات، أو في السكوت على الذين نهبوها، لدليل ناصع على أن الفساد المالي مستشرٍ في هرم السلطة وزمرتها. ثم، ما هي هذه الحقيقة التي تريد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي أن تعرفها من فم الرئيس بوتفليقة الذي استوزرها وبقيت معه في الحكم أكثر من عقدين من الزمن وصرفت مئات المليارات من الدينارات بدون أي حصاد يذكر؟
*كاتب جزائري/”العرب”