فقرة من قلب الصحراء تهتم بالتعريف بالموروث الثقافي الصحراوي من عادات اجتماعية، وتقاليد وتاريخ مدن الصحراء المغربية.
وسيسلط حاتم الوالي الباحث في ثقافة وتاريخ الصحراء في الحلقة الرابعة، الضوء على الشاي الصحراوي.
الشاي… بين الجيمات و”أدواخ”
أكد حاتم الوالي لمشاهد 24 أن الشاي يشكل أحد أهم المشروبات عند الصحراويين، فقد ارتبط ارتباطا كبيرا بحياة البدو في تلك المناطق، حيث كان أهم زاد يتزود به به الرحل في رعيهم لقطيهم بالإضافة إلى القمح المحمص.
ومع تطور المجتمع الصحراوي ودخوله للمدنية حافظ على هذا المشروبات بكامل طقوسه، بحيث يستلزم تحضير الشاي الصحراوي مجموعة من الأواني والمكونات نستعرضها لكم على الشكل التالي:
“الطبلة”: وهي مستديرة الشكل ولها ثلاث أرجل، وغالبا ماتكون من الفضة أو النحاس.
الكؤوس: وهناك نوع خاص من الكؤوس في الصحراء يسمى كيسان ” الواخ ” وهي كؤوس صغيرة الحجم.
“البراد”: ويصنع من مادة تسمى ” تسميمت ” لوضعها على الجمر.
“الربايع”: وهي مكونة من عنصرين مختلفين الحجم، حيث في القديم كانو يستعملون الكبيرة تسمى ” الربيعة ” تستعمل لوضع السكر والصغيرة تسمى ” الزنبيل ” تستعمل لوضع الشاي الوركة.
” المغرج”: وهو على شكل إبريق كبير يستعمل لغلي الماء.
” المجمر”: وهو مصنوع من الطين ويوضع فيه الفحم
“الرابوز”: يستعمل للنفخ على الفحم كي يشتعل.
هذه المكونات السبع هي أساس كل جلسة لإعداد الشاي ولا يمكن أن يخل بأي مكون، لان هناك إنسجاما بين الأجزاء، لنقل إن هذه المكونات أنساق داخل نسق “ثقافة شرب الشاي” الذي يدخل في النسق الثقافي الأكبر.
وللشاي بالأقاليم الصحراوية طقوس خاصة وأوقات معينة يتم تحضيره فيها، فهو ضروري بالنسبة للصحراويين فلا يعقد مجلس أو يحيى سمر بدون إعداد الشاي، حيث يتم حول الطبلة تداول الأخبار ومناقشة أمور الحياة عامة.
ولتحضير الشاي أدبيات وطقوس خاصة، من الأفضل أن يتم تناول “أتاي” مع الجماعة ومهما كثر عددها كان أفضل، كناية على استحسان إطالة المدة الزمنية لتحضير الشاي وهو شرط يتيح للجماعة فرصة تناول اموروها بروية وتان، كذلك من الأفضل إعداد الشاي على الفحم ” المجمر “.
الشاي شراب الصحراويين
أشار الوالي إلى أن جلسة الشاي عند مجتمع البيضان فلسفة خاصة، فلكل حركة وسكون في جلسة الشاي، فمثلا عند جلوس مُعد الشاي يصبح هو الامر والناهي في المجمع، بل وله كل التقدير و”المجاملات”، فيصبح القائد في ذلك المجلس بل وله العيون تصوب والأذان تُسمع. كما أن لجلسة الشاي ثلاث “جيمات” مشهورة وهي:”جمر/ جماعة/جر”.
وسميت بهذا الإسم لأن عنصر من الثلاث يبدأ بحرف الجيم. لنفصل في الثلاث :
جيم الجمر: وهو مكون أساسي كما قلنا سابقا في إعداد الشاي، فبواسطة “الجمر” أي الفحم ستم طهي الشاي على نار هادئة، والتحكم في زمن إعداد الشاي من خلال “الرابوز”. بل الأكثر من ذلك إعداد الشاي لا نار هادئة يعطي للشاي مذاقا حلوا. لهذا يقول الصحراويين عن الكؤوس المتتالية التي تتكون منها الجلسة، أن الكأس الأول يكون مرا كالحساة، والثاني حلو كالحب والثالث خفيف كالموت.
جيم جْماعة: إن الانسان اجتماعي بطبعه هذا ما قاله إبن خلدون، والانسان الصحراوي لا يخرج عن هذا الركب، فهو أجتماعي بشكل كبير، بل وأن ذاته تذوب في “لفريك” أي الجماعة. لهذا نجد جْماعة مع الجماعة والنقاش معها والتحدث معها من أهم الجيمات. إن هامش الوقت الذي أعطته البادية الصحراوية جعلته يبدع في إدماج هذه الجيم في جلسة الشاي. فتحت “طبلة أتاي” تُحل قضايا القبيلة والخلافات بين القبائل، ووسط جْماعة أي الحديث الطويل تبدأ الشاعرية والكيفان والشعر بين أفراد لفريك.
جيم الجر: قلت في الجيم السابقة إن بادية الصحراء الصحراء أعطت هامش للوقت الكبير لأبنائها، لذا تجدهم يتحلقون حول “طبلة أتاي” ساعات وساعات طوال كم أجل مناقشة أمورهم بتروية وهدوء. هنا تطبيق لمقولة “العجلة من الشيطان”. فإطالة جلسة الشاي شرط ضروري لإكمال طقوس الشاي عند مجتمع البيضان.
هكذا نكون قد طفنا على أهم مكونات جلسة الشاي من أواني مادية، بالإضافة إلى الجانب اللامادي في الجيمات الثلاث. وحري بنا القول أن جلسة الشاي ليس هدفها شرب الشاي بحد ذاته، بل شرب الشاي غاية في حد ذاته، بحيث أن تقديم “طبلة أتاي” عند مجيء للضيف من باب الضيافة.
كما أن الصحراويين يطلقون على الشخص الذي يجيد طبخ الشاي ب”فلان تياي” أي أنه مبدع في إعداده، وإذا ماكانت جودة الشاي جيدة ومعدها أبدع في ذلك نقول عند شرب الكؤوس “ذا أتاي يكلع أدواخ” أي أن يزيل “الدواخ” من الرأس، لما لا والصحراوين قد أبدعوا حالة مرضية سميت ب”رأس أتاي” ومعنى ذلك أن أشخاصا يصابون بدوار ووجع في رأسهم في حالة انقطاعهم عن شرب الشاي.
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير