بقلم: توفيق المديني*
في حوار عبر صحيفة الشرق القطرية، أكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، على ضرورة «الديمقراطية التوافقية»، إذ برهنت تونس قدرة القوى الإسلامية والعلمانية على التعايش والتوافق الديمقراطي.
وأماط زعيم حركة النهضة اللثام عن سر تجاوز تونس للمرحلة الانتقالية وذلك عبر نقطتين، أولاهما: إن حركة النهضة — كما يقول — رفضت أي قانون للإقصاء برغم أننا كنا الأغلبية في البرلمان، وكنا قادرين على سن القوانين ورفضنا وصف كل من اشتغل في عهد بائد بأنه مجرم؛ ولأن الإقصاء يدفع أي مجموعة للعنف والاستغلال الأجنبي.
ولو أقر قانون حظر العمل السياسي لمن عملوا مع بن علي لدخلت تونس في منعرج خطير.
أما النقطة الثانية لنجاح تونس، فهي أن المراحل الانتقالية لا يصلح فيها الانفراد بالحكم حتى لو جاء عبر صناديق الاقتراع، مشيراً إلى إن الائتلاف الرباعي الحاكم يضمن مصلحة البلد والجميع يدرك عدم قدرته على الانفراد بالحكم.
للمزيد:تونس.. الكلفة الاقتصادية للانتقال الديمقراطي
وعلى هذا الأساس نجحت تونس وسقطت ثورات الربيع العربي خلال مرورها بالجسر الانتقالي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، حيث الإقصاء والسعي للانفراد بالحكم مما جعلها تنتهي بما لا تحمد عقباه.
لكن زعيم حركة النهضة يجزم بأن كل المجتمعات العربية سائرة نحو الحرية والديمقراطية لكن بأوقات مختلفة وبأثمان مختلفة وبدون تراجع. فالعالم العربي بدأ تاريخًا جديدًا عام 2011 ولن يتوقف.
يُشَّبِهُ العديد من التونسيين هذه «الديمقراطية التوافقية »بمولود جديد ناجم عن زواج غير شرعي، بين اليمين الليبرالي بزعامة حزب« نداء تونس» واليمين الديني بزعامة حزب «النهضة الإسلامي»، والذي أفرز تشكيل حكومة الحبيب الصيد، المتكونة من أربعة أحزاب سياسية، هي «النداء» و«النهضة» و« الاتحاد الوطني الحر» و« آفاق تونس»، وهي أحزاب جميعها ذات توجّه ليبرالي.. وفيما كانت الحكومة السابقة بقيادة حزب «النهضة الإسلامي» تلقب بــ «حكومة الترويكا» نظراً لمشاركة حزبين صغيرين فيها، هما: حزب المؤتمر وحزب التكتل، عقب انتخابات 23أكتوبر 2011، فإن الحكومة الحالية التي يترأسها الحبيب الصيد تلقب بــ «الكواترو» أي «الرباعية».
في تقويم موضوعي لنتائج تجربة «الديمقراطية التوافقية» في ظل حكومة الحبيب الصيد، يمكن القول إن الأحزاب الأربعة يجمعها قاسم مشترك، ألا وهو الإيمان بالليبرالية الاقتصادية، والاندماج في نظام العولمة الليبرالية عبر الاعتماد على المؤسسات الدولية المانحة والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الحصول على القروض، وجلب الاستثمارات، واتباع نهج التنمية الذي كان سائدًا خلال العقود الخمسة الماضية، والذي وصل إلى مأزقه مع بداية الألفية الجديدة، واندلاع الثورة مع بداية 2011.. فقد كانت للأزمة الاقتصادية والمالية العالمية لسنة 2008-2009، تداعيات خطيرة على الاقتصاد التونسي، لجهة أنها كشفت بصورة جلية مأزق نمط التنمية المتبع في تونس، القائم على ثلاثة قطاعات أساسية، هي:
-قطاع صناعة المنسوجات والملبوسات الذي يعتمد على اليد العاملة الرخيصة.
-قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يقوم بتصنيع قطع الغيار الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية، التي تأتي مادتها الأولى من الخارج ثم تعود إليه، من دون الارتباط بحلقات إنتاجية أفقية. وفضلاً عن ذلك، اصطدم قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة بعوائق بنيوية، منها غياب الشفافية ودولة القانون التي تحمي استثمارات القطاع الخاص، ومحدودية فرص الحصول على تمويل من جانب المستثمرين المحليين، الأمر الذي يجعل هذا القطاع الصناعي غير قادر على خلق فرص عمل جديدة.
– قطاع السياحة الذي يشكل مصدر الدخل الثالث من العملة الصعبة للبلاد، فهو موجه لذوي الدخل المتوسط والضعيف من الأوروبيين. وفي ظل الأزمة العالمية التي تعيشها بلدان الاتحاد الأوروبي، وتفاقم ظاهرة الإرهاب في تونس، تقلص عدد الوافدين من السياح الأوروبيين إلى تونس.
ويجمع الخبراء على أن هذه القطاعات في مجملها لا توفّر فرص عمل كافيةً للوافدين إلى سوق العمل مِمّن هم على درجة عالية من التعليم، الذين ارتفع عددهم إلى نحو 80000 سنويا.
والحال هذه أبقت حكومة «الديمقراطية التوافقية» التي أسسها تحالف حركتي «النداء» و«النهضة» على نفس تلك المنظومة الاقتصادية والاجتماعية المأزومة التي تشكلت تاريخيًا واستطاعت التداخل مع الدولة، الأمر الذي أدّى إلى مزيد من تفقير الفقراء وإثراء الأثرياء، وإعادة إنتاج شروط الأزمة الهيكلية التي تعاني منها تونس، لاسيَّما بعد تخلّي حزب «النداء» من خلال الحكومة عن الجانب الاجتماعي في تصوره «الاجتماعي الديمقراطي»، وتغلّب الشق اليميني في الحكم على حساب إمكانية تغليب العمل على رأس المال، أو على الأقل التخفيف من التناقض التاريخي بينهما.
* كاتب وباحث تونسي/”بوابة الشرق”