هل يحضِّـر بوتفليقة الأخضر الإبراهيمي لخلافته؟

ماذا بعد إزاحة رئيس المخابرات، الجنرال توفيق، من المشهد السياسي والأمني في الجزائر؟ وهل بدأ العد التنازلي لمرحلة ما بعد بوتفليقة؟ ما الخطوات التي سيُقدم عليها النظام في المرحلة المقبلة؟ ومن يا تُرى سيكون الرّبان الذي يقود سفينة البلاد مستقبلاً؟ وهل من بين الخيارات، الدبلوماسي المخضرم لخضر لبراهيمي؟
بإسقاط صانع الرؤساء في الجزائر ”محمد مدين“ من الشجرة التي اعتلاها منذ عشرين عاما، يكون الرئيس بوتفليقة، قد أزح أكبر عقبة، كانت تحول دون ترتيب البيت الداخلي لقصر المرادية، وفقاً لما يشتهيه الجناح الرئاسي، وبدأ يحضر لفرش السجادة الحمراء للساكن الجديد، الذي سيتولى تسيير الجزائر في المرحلة المقبلة.
وبعيداً عن القراءات السّياسية والتخمينات الصحفية، التي تقول إحداها إن ما جرى جاء نتيجة صفقة بين أجنحة الحكم، تقضي بأن تتم إقالة الجنرال توفيق، ثم يتبعه بوتفليقة، بعد أن يكون الأخير قد هيأ الظروف لانتقال سياسي، فإنه يمكننا القول إننا حتماً أمام نهاية لمخاض عسير جنّب الجزائر، مرحلياً على الأقل، الصدام الذي ستكون انعكاساته سلبية على الواقع الجزائري.
مع انتهاء هذا الصراع، أصبحنا ننتظر فقط لحظة الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة، للحيلولة دون حدوث أي سيناريو مفاجئ، في ظل وضع الرئيس الصحي المعقد. ولعل أولى الإشارات التي يبدو أن بوتفليقة ينتوي الإقدام عليها، هو طرح الدستور الجديد لاستفتاء شعبي، قبل نهاية السنة الجارية، لإنهاء الجدّل الكبير الذي رافق المشاورات، بشأن نص المسودة وبنودها.
الأيام المقبلة ستكون حُبلى بالحملات الدعائية والترويجية، التي تقودها أحزاب الموالاة، لإقناع الجزائريين بضرورة هذا التعديل، وأهميته في المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي عموماً، على الدولة الجزائرية، ولذلك فإننا لا نتوقع أيّ مفاجآت على هذا الصعيد، وسيتم إقرار الدستور، وبالنسب المئوية التي عرفناها، في مختلف الاستحقاقات السابقة، ولا يبقى أمام بوتفليقة مع بداية العام الجديد 2016، إلا الانسحاب من المشهد السياسي، تمهيداً للخليفة المنتظر.

المزيد: هل تعزز الإطاحة بالجنرالات الأقوياء قبضة محيط بوتفليقة على السلطة؟

لا يمكننا الحسم بشأن من يقود الجزائر في الفترة المقبلة، نظراً لطبيعة النظام المعقدة، وتركيبته المغلقة، حيث عودنا منذ أكثر من خمسين عاماً على أنه لا يمكن التنبؤ بما سيقدم عليه، لكننا نستشرف بعض الأسماء التي بإمكانه أن يستعين بها، لقيادة دفة الحكم، في هذا الظرف الحساس والدقيق.
هناك ثلاث ميزات على الأقل، من وجهة نظرنا، ينبغي أن تتوافر في خليفة بوتفليقة المنتظرة..
أولاً: أن يكون ابناً باراً للنظام، وحارسا أميناً لحاشية الجناح الرئاسي، بما يضمن دفن ملفات الفساد والإبقاء على الوضع القائم لصالح أصحاب المال والأعمال.
ثانياً: أن يكون سياسياً محنكاً وقادراً على الدّعاية، وإعطاء أمل بالتغيير، بما يضمن تحقيق الإجماع الوطني.
ثالثاً: أن يجيد القيام بوظيفة المقاول البارع، الذي يحظى بقبول واسع لدى الأطراف الدولية، وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة.
أكثرُ من شخصية تطفو في بازار الأسماء المرشحة لقيادة هذا المنصب، ولعل أبرزها الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي كان وزير الخارجية (1991-1993)، كما تولى مناصب إقليمية ودولية، آخرها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، إضافة إلى أحمد أويحيى مدير ديوان الرئاسة (منذ مارس 2014 حتى الآن) ورئيس ثلاث حكومات (آخرها 2008- 2012)، وبدرجة أقل رئيس الوزراء الحالي عبد المالك سلال.
وهنا نتساءل: مَنْ مِنْ هؤلاء، يقبع في أفضل رواق، لخلافة بوتفليقة؟
لا شك في أن الأسماء المطروحة تحتفظ لنفسها بهامش اعتلاء هذا المنصب، لاعتبارات ذاتية وموضوعية .. إلا أن الأخضر الإبراهيمي يتفوق على الآخرين، بالإرث الدبلوماسي الذي بناه منذ تمثيله جبهة التحرير الوطني في جاكرتا، إبان حرب التحرير، فضلا عن كونه من الأسماء الوازنة في الأروقة الدولية، والتي بإمكانها التواصل مع العالم الخارجي والدوائر الغربية، من دون أيّ عقدة في ظل محيط ملتهب، بدأت تلوح فيه نذر التقسيم في الجغرافيا العربية، تحت يافطة ”الشرق الأوسط الجديد“.

المزيد: لخضر الإبراهيمي..مسار سياسي حافل

ما يعزز التكهنات بشأن دور محتمل للإبراهيمي (81 عاماً) في المرحلة المقبلة، هو الزيارات المتكررة لرئاسة الجمهورية، والاستقبالات الرسمية التي يحظى بها، من دون غيره من الدبلوماسيين الجزائريين السابقين، كما أنه يحظى بثقة الرئيس الحالي، وتردد اسمه أكثر من مرة، كخيار قد تلجأ له السلطات في مرحلة تمدين النظام.
في المقابل حرص الأخضر الإبراهيمي على توطيد وشائج الثقة، بينه وبين الرئيس، من خلال التأكيد في كل زيارة يقوم بها للرئيس، أن بوتفليقة في حالة صحية مستقرة، وهو يتابع شؤون البلاد ويراقب ما يجري على الساحتين العربية والدولية، باهتمام بالغ، وهذه بلاشك ليست رسائل عاطفية، ينثرها الإبراهيمي تملقاً لوسائل الإعلام.
قد يقول البعض إن الرجل كبير السن، وربما يمنعه ذلك من القيام بواجباته الدستورية، وإن سنه لا تتماشى مع مقولة الرئيس الحالي”جيلنا طاب جنانه “، إلا أن السياسة علمتنا أنه لا يوجد فيها ثابت.. وأن لغة المصالح هي التي تحكم في النهاية، مادام الرجل يتمتع بصحة أفضل من صحة بوتفليقة نفسه الذي يصغره سنا.. كما أنه أقل عمراً من بعض الحكام العرب، وأولهم الباجي قايد السبسي (89عاما) الذي انتخبه الشعب التونسي.
لا نملك إلا أن ننتظر ما ستتمخض عنه الأيام المقبلة، من بالونات اختبار لجس نبض الشارع الجزائري، عن هوية الرئيس المقبل، هذا إن لم يكن قد تم الفصل أصلاً في من سيحكم البلاد، داخل دوائر صنع القرار.

*صحفي جزائري/”رأي اليوم”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *