تباشير شهر الصيام السعيد على قريتي لاح عنوانها.
فهذا(الخليع)وهذا(الثريد).. تقدم للناس ألوانها..
وفي قريتي حيث يبدو الهلال إلى الغرب فوق قرون الجبال
وتعشو السماني قبيل الغروب لأوكارها وتطول الظلال
وحيث مزارعنا في السهول تموج بسنبلها الذهبي..
نخاف عليها جيوش الجراد ونار الصواعق والشهب!
وحيث تذوب ثلوج الجبال وتجرف بعض قرانا السيول..
تهاجر نحو الجنوب الذئاب وتتبع آثارهن الوعول
وقد غابت الشمس خلف التلال مخضبة بدماء الشفق !
وجللت الأفق حمر الغيو م..سابحة في قتام الغسق
وقفنا على عتبات البيوت.. نقلب أعيننا في السماء
وقد خدرتنا طيوف الاصيل وران على الكون حزن المساء
وعاد من السوق«سواقنا» يجر بهيمته المتعبة..
وحف به صبية يمرحون فأعطى لكل صبي هبة..
ووزع بينهمو قطعا ملونة من حلاوي المدينة
وراحوا يمصونها معجبين بما فوقها من رسوم وزينة
وعاد الرعاة بابقارهم يسوقونها من مراعي السهول
ولا صوت إلا النداء البعيد ورجع الصدا وخوار العجول
وترنيم ناي يثير الشجون ويندي العيون ويدمي القلوب
تردده الطير عبر الفضاء وتصغي الفجاج له والدروب
وعاد النساء من الحقل ملأى الجرار،«يعيعن»بين الحقول
وعادت بإحباطها الحاطبات وعاد الشيوخ وعاد الكهول
وقام الفقيه على ربوة بمفرده..شاخصا للأفق
وقد عكست عين منظاره سواد الربى واحمرار الشفق
وفي دوحة التين ذات القرون تعلق بعض الصغار الخفاف
لعلهم بيصرون الهلال ويسبق اولهم للهتاف..
ولاح الهلال لعين غلام فصاح..وخف غليه الرجال
فظل يشير لهم نحوه.. بكف اليمين وكم الشمال
فلما رأ,ه دعوا للاله ومدوا أكفهموا للسماء..
وأطلقت النسوة الزغردات مجلجلة في رحاب الفضاء !
وشق النفير هدوء المساء بصيحاته المرعبات الطوال
تردد أصداءها الفلوات فتمضي تجارب بين الجبال
وأضرمت النار فوق اليفاع ليعلم جيراننا بالخبر…
وفي الليل باتت قرون الجبال بنيرانها تستسرق البصر!
وباتت تنانيرنا حاميات وأفراننا باللظى مفعمة
نرص الفطائر في جوفها فتقضي مدى ليلها متخمة!
ولما تدفق موج الدجى وأغرق آفاقنا النائية
وجاش الظلام خلال الديار ولف النواعير والساقية،
وأظلمت الأرض إلا بصيص بعيد المدى لاح ثم استتر،
وكنا به نستشف الدياجي ومن ومضه نستمد البصر،
نار لأعيننا الفرقدان وآنسنا القطب والشعريان
وساد السكون فلا أنة ولا خفقة من فؤاد الزمان
ولا صوت إلا رنين رحى مؤرقة تحت جنح الظلام
تدير دواليها طفلة بأغنية من أغاني الغرام
وبتنا مع الليل في مهرجان نغني ونرقص حتى السحر
ولذ لنا فيه لغو الحديث وطاب لنا فيه لهو السمر
وجئنا لجامعنا بالرياحين والعطر منها يضوع..
وطفنا بأضرحة الأولياء نضيء مقابرها بالشموع
وصلى الجماعة فرض العشاء وكان التراويح مسك الختام
فلما انتهوا قعدوا للطعام وللذكر، والشاي، والبعض نام
وباتوا يديرون كأس الحديث ويذكر الشيخ منهم شبابه
ولذت لهم مترعات الكؤوس وطاب لهم نفض«جوزات طابة»
وحان من الليل وقت السحور فدقت طبول القرى من جديد
وجاء بها الريح من كل فج عميق ومن كل غور بعيد..
وفي قريتي طاف«طبالنا» يهز« النوزاويل» بالنائمين..
ومن خلفه كان جيش عظيم عرمرم من صبية فرحين..
هلالك يا رمضان السعيد يبشرنا بثلاثين عيد..
فعد كل عام بوجه جديد وعيش رغيد وعمر مديد..
كذلك أعيادنا في الجبال الهية ليس فيها رياء
نحس حلاوتها في القلوب ونبصر أسرارها في السماء!