“قُم للمُعلّم وَفّهِ التّبجِيلَا.. كاد المُعلّم أنْ يَكُون رَسُولَا”.. لم يكن يعرف أمير الشعراء أحمد شوقي أن بيته الشعري ذاك سيبلغ مداه إلى جنوب شرق آسيا، وبالضبط تايلاند، ذات 66 مليون نسمة، التي تعتبر يوم 16 يناير من كل سنة يوماً خاصّاً لتكريم المُعلّمين، تتوقف فيه الدراسة للاحتفال برجل التدريس، تحت إشراف الحكومة وبشراكة مع القطاع الخاص.
إلى جانب الأيام الوطنية النوعية في مملكة تايلاند، ذات الأغلبية البوذية، مِثل اليوم الوطني لـ”المخترع”، و”العلوم”، و”الحفاظ على التراث”، و”الفنانين” و”قدامى الحرب”، تُخصّص الحكومة يوماً فريداً للمُعلّم، إذ يتم تنظيم أنشطة يعبر من خلالها الطلبة عن امتنانهم لمُعلّميهم، كتقديم الهدايا والورود والبطاقات، في احتفاليات باهية داخل المؤسسات التعليمية للبلاد، تظهر مدى احترام المجتمع التايلاندي لفئة المُدرّسِين.
ورغم أن المنتظم الدولي اتفق منذ عام 1994 على جعل 5 أكتوبر من كل سنة، يوماً عالميّاً للمُعلّم، تستحضره حوالي 100 دولة، إلا أن هناك 4 دول عربية فقط تعتمد يوما وطنيا للاحتفال بالمعلّمين، وهي اليمن (5 ماي) ومصر (21 دجنبر) وفلسطين (14 دجنبر) ثم لبنان (3 مارس)، فيما تحتفي 40 دولة أخرى بالمناسبة ذاتها، كأفغانستان والولايات المتحدة والأرجنتين والبوتان والبرازيل والهند والصين وباكستان ومنغوليا، وتركيا، الشهيرة بمقولة مؤسسها كمال أتاتورك “الجيل الجديد يصنعه المعلمون”.
ويعتبر التعليم في تايلاند إلزاميّا لمدة 9 سنوات بموجب الدستور، ومجانيًا لمدة 12 عاماً، تشرف عليه الحكومة، وأيضا القطاع الخاص، الذي يُسهم بشكل كبير في البنية الأساسية للتعليم، التي تتكلف بها وزارة التربية والتعليم ولجنة التعليم العالي.
ورغم أن الحكومة أقدمت منذ 1999 على اعتماد خطط إصلاحية للتعليم الوطني، قصد تحديث النظام التعليمي، إلا أن الأزمات السياسية المتتالية التي نتجت عن الصراعات الداخلية منذ 1997، جعلت من فرص التحديث والإصلاح تتأخر سنة بعد أخرى.. آخر تلك الاضطرابات كانت انقلاب العسكر عام 2006، الذي أعقبه بعامين تشكيل حكومة جديدة سرعان ما استقال رئيسها “سوندا رافيغ”، تحت ضغط احتجاجات “أصحاب القمصان الصّفر”، تلاها عصيان “أصحاب القمصان الحمر”.. إلى أن هدأت الأوضاع نسبيا عام 2011، مع انتخاب “شينا واترا” (47 سنة)، كأول امرأة تفوز برئاسة مجلس الوزراء التايلاندي..
وتقوم الحكومة التايلاندية، منذ صيف العام الماضي وإلى حدود نهاية العام الحالي، بتوزيع أجهزة كومبيوتر لوحيّة على 13 مليون تلميذ، ( حوالي مليون يتوفرون عليها اليوم)، في إطار برنامج إصلاحات تهدف لتحسين مستوى التعليم في البلاد، خصوصا في المناطق الريفية، التي لا تزال تعيش مشاكل، أهمها الهدر والكثافة وقلة الموارد البشرية.
آخر احتفال عالمي يوم المعلمين، أقامته منظمة اليونسكو في 5 أكتوبر من العام الماضي، تحت شعار “نداء من أجل المعلمين” ركزت من خلاله على مشكلة النقص في أعداد المعلمين، ودور المعلمين في إعداد مواطنين عالميين، فيما رفعت منظمة الأمم المتحدة قبلها شعار “تعالوا ندعم المعلمين”، اعتبرت من خلاله أن مهنة التعليم “ما فتئت تفقد مكانتها في أنحاء عدة من العالم”، مع ضرورة تقديم ضمانات لحقوق المعلمين وتوفير التدريب الدائم لهم عبر العالم.