لم يعد الحديث عن الأزمة السياسية الإسبانية محصورا في وسائل الإعلام المحلية، باعتبارها شأنا وطنيا داخليا. ولوحظ في الأيام الأخيرة تنامي اهتمام الصحافة الدولية بوضعية الانسداد التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربعة أشهر، ملقية بظلالها السلبية على بعض الديمقراطيات الأوروبية التي يمكن أن تنتقل إليها العدوى فتواجه في المستقبل مصيرا مماثلا أو شبيها به.
وفي هذا السياق، تصدر الموضوع الإسباني الصفحة الرئيسية، نهاراليوم، لجريدة “نيويورك تايمز” الأميركية (الطبعة الدولية) واختارت عنوانا لم يعد صادما “الشلل السياسي يهيمن على إسبانيا”.
وزينت الجريدة مقالها الذي حرره مراسلها في مدريد، وأعادت نشر ملخصه يومية (أ ب ث) المدريدية، بصور الزعماء الأربعة الذين فشلوا في التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة التي ينتظرها المواطنون وهم: ماريانو راخوي (الحزب الشعبي) بيدرو سانشيث (الاشتراكي) بابلو إيغليسياس (بوديموس) والبرت ريفيرا (ثيودادانوس).
وقارن صاحب المقال الوضع الحالي في إسبانيا بما عرفته المملكة البلجيكية قبل خمسة أعوام حين استمرت المشاورات بين الأحزاب لنفس الغاية 589 يوما، وهو رقم قياسي يكاد يكون غير مسبوق في الحوليات السياسية.
ولاحظ مراسل المطبوعة الأميركية أن إسبانيا قد لا تشبه بلجيكا، غير أنها مع ذلك تبدو سائرة في نفس الاتجاه ؛ مضيفا أن الأشهر الأربعة التي مضت يمكن أن تصبح ستة وربما تمتد أكثر. ولهذا السبب فإن الإسبان يتداولون خلال الأيام الأخيرة، فيما بينهم وصف “السيرك” للدلالة على الحالة السياسية في بلادهم؛ بعد أن فشل الساسة في الوصول إلى إجماع شكلي بينهم، سوى اتفاقهم على السير ببلادهم نحو المجهول، خاصة وأن التوقعات ليست واعدة.
إقرأ أيضا: ملك اسبانيا يعيد الكرة إلى الأحزاب ومناورات “پوديموس” مكشوفة
وسجل المراسل، أن البرلمان المتولد عن انتخابات العشرين من ديسمبر الماضي، سعى إلى إجبار الحكومة المنتهية ولايتها على المثول أمام النواب لمساءلتها عن كيفية تدبيرها الشأن العام، بينما عللت رفضها بكونها حكومة مؤقتة لم يمنحها البرلمان الحالي الثقة لتقدم له الحساب؛ وهذا ما اضطر السلطة التشريعية إلى اللجوء إلى المحكمة الدستورية، بضغط من أحزاب اليسار وممثلي القوميات، للبت في النازلة غير المسبوقة، وهي خطوة أثارت نقاشا دستوريا بين مؤيد ورافض.
إلى ذلك بدأت الاستعداد على قدم وساق في المقرات العامة للأحزاب السياسية، تهيئا للاستحقاقات المقبلة التي بات موعدها معروفا بمقتضى الدستور.
ولا يبدو أن الأحزاب المتنافسة ستغير قوائم مرشحيها وخاصة من فازوا في الاستحقاقات الماضية، خشية من اندلاع نقاشات داخلية في صفوفها بخصوص من يستحق الترشيح دون غيره، ومن شأن ذلك أن يصب الزيت على نار الأزمة.
وتخشى الأحزاب المتنافسة من إحجام الناخبين عن التوجه لمراكز الاقتراع تعبيرا عن مللهم وغضبهم من جهة وعقابا منهم للأحزاب السياسية جراء فشلها في إخراج البلاد من نفق الأزمة التي لن ينهيها على الأرجح تصويت السادس والعشرين من شهر يونيو المقبل.
يذكر أن العاهل الإسباني، يراقب الموقف بحياد تام شهد له به الجميع. ومن المفترض أن يبدأ مشاورات جديدة بداية الأسبوع المقبل مع الأحزاب الممثلة في البرلمان الحالي لاستكشاف رأيها النهائي في الفرصة الأخيرة والأيام القليلة المتبقية عن تاريخ الثالث من مايو، موعد إعلان حل البرلمان.
وكإجراء دستوري وقائي، انتخب البرلمان الحالي الأعضاء الذين يشكلون ما يسمى بالهيئة البرلمانية الدائمة (60 عضوا) سيظل على رأسها رئيس مجلس النواب الحالي، الاشتراكي “باكتسي لوبيث”.
وتتولى الهيئة، وهي برلمان مصغر، ممارسة صلاحيات منصوص عليها في الدستور، وتملأ جزءا من الفراغ الدستوري، كون نظام الحكم في إسبانيا ملكية برلمانية، لا يمنح الملك سلطات غير عادية حتى في الظروف الاستثنائية.