أجل عاهل إسبانيا زيارتين رسميتين كانتا مبرمجتين إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية، خلال الشهر المقبل؛ باتفاق بين البلاط الملكي ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها “ماريانو راخوي”.
وهذا هو التأجيل الثاني الذي يضطر إليه القصر الملكي، إذ كان مقررا أن يزور الملك، فيليبلي السادس، المملكة العربية السعودية وبريطانيا في الشهر الجاري.
وبقضي العرف السياسي في إسبانيا أن تقوم الحكومة القائمة بالإعداد لزيارات الملك إلى الخارج وتنسيق مراحلها وأطوارها والاتفاق على المواضيع التي ستدور حولها المباحثات بين الملك ومضيفيه؛ ويكون مصحوبا في كل الزيارات بوزير الخارجية ووزراء القطاعات المعنية بالمحادثات، وغالبا ما تكون ذات طابع تجاري واقتصادي وعسكري.
ويعود التأجيل المتتالي للزيارات إلى الأزمة الحكومية القائمة منذ انتخابات العشرين من ديسمبر الماضي التي لم تفرز أغلبية مطلقة لأي حزب تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده؛ بل إن النتائج جعلت من الصعوبة بمكان قيام تحالفات حزبية ما أدى إلى فشل المحاولتين اللتين أقدم عليهما زعيم الحزب الاشتراكي، ما فسح المجال لاحتمال إجراء انتخابات جديدة، علما أن عاهل البلاد لم يكلف مرشحا جديدا تاركا الفرصة للأحزاب لترتيب أمورها وإنهاء خلافاتها.
وبحسب استطلاعين أخيرين للرأي، أجريا لفائدة جريدتي “الباييس” وأ ب ث، فإن الناخبين الإسبان،لا يحبذون التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم السادس والعشرين من يونيو، كما أنهم يرفضون صراحة العودة إلى نظام القطبية الحزبية بين الحزب الشعبي والاشتراكي.
وأمام هذا التحذير الواضح، شرع الناخبون، حسب الاستطلاعين المذكورين، في إنزال العقاب بالأحزاب المتسببة في عرقلة تشكيل الحكومة، فقد نال حزب بوديموس، النصيب الأوفر من اللوم من المستجوبين الذين حملوه مسؤولية عرقلة وصول، بيدرو سانشيث، إلى قصر “لا منكلو” بسبب رفضه التصويت لصالحه، في نفس صف الحزب الشعبي، بدل الامتناع أو التغيب، فضلا عن ومواقفه المتشددة أثناء جلستي البرلمان حيث اظهر، زعيم بوديموس، غلوا واعتدادا بالنفس.
وأحس الحزب الفتي بعواقب التحذير، وبدا بعض قيادييه يرسلون إشارات المرونة والتهدئة إلى الحزب الاشتراكي؛ غير أن تنظيم، بابلو إيغليسياس، يواجه حاليا وضعا داخليا صعبا يتجلى في اندلاع أزمة غير مسبوقة، شبهها البعض بزلزال سياسي تجلى في استقالة عشرة قياديين من فرع الحزب في العاصمة بينهم مؤسسون للحركة وكذا شخصيات وازنة آمنت بمبادئ الحركة كما ظهر ذلك في موقف عمدة مدريد “كارمينا” التي تنصح بوديموس بعدم الرفض الممنهج لثيودانوس، كشريك في حكومة يسارية إصلاحية.
وانتقلت نفس العدوى ولأسباب مختلفة إلى جهات إسبانية أخرى يتمتع فيها الحزب بوجود فيها مثل إقليم كاتالونيا وغاليثيا وبلنسية، مع اختلاف في الدواعي والأسباب، فقد برزت في الجهات الأخيرة نزعة نحو الاستقلال عن القيادة الوطنية للحزب والتحرر من هيمنة الثنائي، بابلو أيغليسياس ونائبه إيريخون؛ خاصة وقد دب الخلاف بينهما على توجيه الحركة وانقسام أتباعهما.
وإذا فشلت قيادة، بوديموس، في علاج أمراضها الداخلية قبل تفاقمها؛ فإنها قد تؤدي الثمن مرتفعا في الاستحقاقات المقبلة إذ من المتوقع أن تتراجع شعبيتها وتفقد الرتبة الثالثة في ترتيب الأحزاب الممثلة في البرلمان.
ومن جهته لم يتخل أمين عام الحزب الاشتراكي، عن الأمل في وصوله إلى رئاسة الجهاز التنفيذي خاصة بعد ظهور تصدع في قيادة بوديموس، قد يؤدي إلى انقسام الحركة في موقفها من تأييد حكومة سانشيث أو عدمه.
إقرأ أيضا: ملك اسبانيا يلغي زيارتين للسعودية وبريطانيا بسبب الأزمة السياسية
وعلى الرغم من فشل هذا الأخير في جمع أغلبية برلمانية، فإن صورته كزعيم سياسي، تحسنت في أنظار الرأي العام بل حصل على أفضل التقييمات هو وشريكه في التحالف الثنائي “البرت ريفيرا” زعيم حزب ثيودانوس الذي كافأته الاستطلاعات بنسبة تفضيل أعلى.
وثمن المستجوبون في”سانشيث” صبره وجرأته السياسية وإصراره على إكمال أشواط التنصيب الحكومي في البرلمان إلى نهايته طبقا لما ينص عليه الدستور الإسباني ورغبته في الانفتاح على القوى السياسية التي تؤمن بوحدة التراب الإسباني.
وفي هذا السياق يجري الزعيم الاشتراكي مباحثات غدا الثلاثاء هي الأولى مع رئيس حكومة إقليم كاتالونيا في قصر الحكومة بمدينة برشلونة.
ولا يتوقع المراقبون حصول مفاجأة سياسية من لقاء سانشيث /بويغديمونت؛ ولكن ينظر إليه كخطوة صغيرة في اتجاه البحث عن انفراج الوضع السياسي في الإقليم الذي يصر على انفصاله عن التاج الإسباني.
وسيتيح وجود سانشيث، في برشلونة إجراء اتصالات بينه وبين بعض الرموز السياسية هناك وخاصة مع ممثلي تيار عمدة المدينة “أدا كولاو” التي تفكر في الاستقلال تنظيميا عن، بوديموس؛ لكن الموقف من إجراء تقرير استفتاء تقرير مصير الإقليم، يباعد بين الزائر والسياديين، لكنهم يحسبون له زيارته للإقليم المتمرد وعرضه مقترحه لحل الأزمة والمتمثل في تعديل الدستور والتقدم بالجهوية نحو الفدرالية ، خلافا لماريانو راخوي، الذي يبدي تصلبا حيال المنادين بالاستقلال.
وفي هذا الصدد حذر البرت ريفيرا، زعيم الاشتراكيين من أي تنازل لدعاة الانفصال، وإلا فإنه يفك ارتباطه بسانشيث.
وتبقى العرقلة الكبيرة مجسدة في الحزب الشعبي الذي يرفض التنازل عن حقه الدستوري في قيادة الحكومة المقبلة بالنظر لترتيبه الأول ، وستشجعه على مزيد من التشدد نتائج الاستطلاعات الأخيرة التي تمنحه دائما الرتبة الأولى في حالة إعادة الانتخابات دون تقييم إيجابي لزعيمه والغريب أن الفضائح المالية التي غرق فيها الحزب الشعبي لم تؤثر في مواقف الناخبين منه
ولم تقنع الأصوات القليلة التي ارتفعت في الحزب الشعبي مناشدة رئيسه ماريانو راخوي، التنازل عن تصلبه وإتاحته قيام حكومة تنتظرها البلاد .ومازال الأمل متأرجحا بين تحالف ثلاثي بين الشعبي والاشتراكي وثيودادانوس، بشرط تخلي راخوي عن الرئاسة، وبين الاحتمال الثاني اي انضمام بوديموس إلى الاشتراكيين وثيودادانوس.
وفي تطور أخير، ابدي الشعبي رغبة في إشراك المستقلين في الحكومة المحتملة والتي لن يتخلى عن رئاستها راخوي. وقد يدفع هذا المقترح التيار المعتدل في بوديموس لتجديد التفاوض مع سانشيث.
وفي جميع الأحوال فإن تنظيم انتخابات جديدة يعني بنظر كثيرين “شيطنة” المشهد السياسي في إسبانيا ودخول البلاد في نفق أزمة مستعصية.