وضع إعلان البرلمان في إقليم كتالونيا لبدء مسار الانفصال عن إسبانيا، وضع مدريد في موقف دقيق بعد أن بدأ شبح فقدان جزء من ترابها يلوح في الأفق.
بعض المراقبين حددوا ثلاثة خيارات مطروحة أمام السلطة المركزية في مدريد للرد على مشكلة سعي الإقليم الانفصال عنها.
اللجوء إلى قوة القانون وقانون القوة
أول سلاح سيستخدمه رئيس الحكومة الإسبانية ماريانوا راخوي لمواجهة طموحات الانفصاليين هو المحكمة الدستورية. التحرك سيتم ابتداء من يوم غد الأربعاء، بحسب ما أكده راخوي، وقرار المحكمة سيصب لا محالة لصالح الحكومة المركزية.
بيد أن مسعى إقليم كتالونيا للانفصال يعني أن برلمانها لن يأبه بقرار المحكمة الدستورية وسيتمرد عليه، ما يعني أن مدريد ستكون مضطرة لاتباع خطوات أخرى أكثر صرامة.
تحرك الحكومة الإسبانية سيكون متسما بالحذر مع ذلك، مثلما يؤكد وزير الداخلية الإسباني خورخي فرنانديز دياز، الذي قال “لسنا حمقى كما يعتقد معسكر الانفصاليين”.
هذا يعني أن إسبانيا لن تلجأ في هذه الحالة إلى إرسال قوات الجيش والشرطة لبسط سلطتها في برشلونة، لكنها ستعمد إلى اتباع إجراءات ضاغطة من أجل تضييق الخناق على الإقليم الباحث عن تأسيس كيان مستقل.
أبرز هذه الخطوات سيكون محاولة خنقه اقتصاديا. فقد أكد وزير المالية الإسباني كريستوبال مونتورو أن الحكومة المركزية لن “تمول أهواء دعاة الانفصال”، في إشارة إلى قطع تحويلات الأموال إلى الحكومة الكتالونية.
من المحتمل أيضا أن تتم متابعة قادة الانفصالية بتهم تتعلق بالعصيان والسعي إلى تقسيم البلاد، كما قد تلجأ الحكومة كإجراء اضطراري إلى السعي على الحصول على موافقة البرلمان من أجل ضبط المنطقة عبر قوات الأمن واللجوء ربما إلى تعليق العمل بنظام الحكم الذاتي في الإقليم.
الجلوس على طاولة المفاوضات
هناك قناعة لدى الأحزاب الإسبانية الكبرى بأن الترويج للانفصال عن إسبانيا هو موقف تكتيكي وليس أيديولوجي. هذه الفكرة التي يتبناها خاصة اليسار الإسباني، الذي يميل إلى التفاوض مع دعاة الانفصال، ترى بأن الإقليم يريد أن يتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي وموقع حكومة كتالونيا فيه.
كما أن هناك من يرى أن عودة خطاب الانفصال بقوة إلى المشهد راجع من جهة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعرفها إسبانيا منذ بضع سنوات، وأيضا إلى غياب المرونة في تعامل حكومة ماريانو راخوي مع الإقليم.
زعيم “الحزب الاشتراكي” بيدرو سانشيز عبر عن هذا الموقف بصراحة نهاية الأسبوع المنصرم حينما أكد أن غالبية سكان كتالونيا لا يريدون الانفصال ولكن لا يرغبون في الوقت نفسه في أن يستمر الحال كما هو عليه.
كلام سانشيز ينسجم مع المواقف التي لطالما عبر عنها حزبه بضرورة تطبيق الإصلاحات التي يرغب بها سكان إقليم كتالوينا، وذلك بمنح الإقليم صلاحيات أوسع ومعالجة القضايا العالقة التي يتخذها دعاة الانفصال ذريعة للترويج لمطلبهم، وأهمها المسألة الثقافية وحصة الإقليم من المال.
شعار “إسبانيا تسرقنا” كان أحد أهم الشعارات التي روج لها دعاة الانفصال خلال خمس سنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك يعم الاستياء في الإقليم بسبب إحساسهم بتهميش اللغة الكتالونية في إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
ويذكر أن الإقليم يساهم بنسبة 19℅ من الناتج الاقتصادي في إسبانيا، كما يشكل عدد سكانه 16 من مجموع السكان الإسبان.
منح إقليم كتالونيا استقلالية أوسع هو موقف تجمع عليها ثلاثة أحزاب كبرى في البلاد، هي “الحزب الاشتراكي” و”حزب المواطنة” وحزب “بوديموس” اليساري. كما أن بعض المحسوبين على المحافظين بدأ موقفهم يلين، خصوصا إذا ما رأوا بأن القبول بهذا الخيار أمر ضروري. بيد أنهم يرفضون أن تقود مثل هذه الإصلاحات إلى مزيد من لامركزية السلطة في إسبانيا.
تزايد استقلالية كتالونيا قد يعني حصوله على مزيد من الأموال في مقابل تناقص حصة الأقاليم الأخرى، وهو ما يعني أن هذا الخيار سيقابل بالرفض من قبل هاته الأخيرة، وسيضع الأحزاب المذكورة أمام صعوبة تسويق القبول بجعل الحكم الذاتي في كتالونيا موسعا.
السماح بإجراء استفتاء حول الانفصال
الخيار الثالث المطروح أمام إسبانيا، يقضي بالسماح بإجراء استفتاء حول بقاء كتالونيا ضمن حاضرة المملكة أو الانفصال عنها. بيد أن هذا الموقف لا تتبناه الأحزاب الرئيسية، بل هو موقف يدعمه بالأساس حزب “بوديموس” و”اليسار الموحد”.
زعيم “بوديموس”، بابلو إغليسياس، اعتبر أنه لا يحق له أن يملي على سكان كتالونيا ما يقررونه بشأن مستقبلهم، بيد أنه عبر عن ثقته في أنه لو قدمت مدريد عرضا جديدا لكتالونيا يقضي بجعل الحكم الذاتي موسعا سيقبل به سكان الإقليم وسيختارون البقاء ضمن إسبانيا.
إغليسياس حاول استمالة سكان كتالونيا، بالقول إنه يمكن أن يكون هناك رئيس حكومة يستمع إليهم، مضيفا أنه على يقين بأن تغير تصرف الحكومة المركزية تجاههم سيدفعهم لتفضيل خيار الوحدة على الانفصال.
بيد أن خيار ترك سكان الإقليم يقررون مصيرهم قد يأتي بما لا يشتهيه زعيم “بوديموس”. فاحتمال تصويت سكان كتالونيا لصالح الانفصال عن إسبانيا يبقى قائما وبقوة.
وبغض النظر عن هاته الاحتمالات، الأكيد أن برلمان كتالونيا وضع مدريد أمام تحد كبير قد يبدو أنه الأصعب بالنسبة لحكومة ماريانو راخوي.
إقرأ أيضا: جبل طارق، صخرة بريطانية في خاصرة إسبانيا