محمد بوخزار
كشفت مناسبة احتفال اسبانيا بعيدها الوطني،المصادف ليوم 12 اكتوبر، من كل سنة تنامي خلافات حادة في الرأي والمواقف، بدأت تسري بين قطاعات سياسية في المجتمع الاسباني، بخصوص إحياء هذا الحدث الرمزي .
وقاطع الاحتفال الذي تميز بعرض عسكري ساهمت فيه وحدات الجيش الاسباني، ثلاث رؤساء حكومات اقليمية من مجموع 17اثنان منهم تعودا على الغياب وهما رئيسا حكومتي اقليمي كاتالونيا الداعي للانفصال، والباسك الذي يشاطره نفس التوجه بأسلوب مختلف، بينما حضر الاحتفال حاكما مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين ، وهي مفارقة غريبة!
وذهبت عمدة مدينة برشلونة( آدا كولاو)بعيدا في انتقادها للاحتفال وكتبت في تدوينة على صفحتها في” تويتر” انه لا يجوز تخليد يوم تمت فيه”الابادة الجماعية”لشعوب أخرى ومحو ثقافتها وتاريخها؛ في إشارة الى اكتشاف، كريستوبال كولون، لقارة اميريكاالجنوبية التي نزلت بها طلائع قواته، يوم الثاني عشر من اكتوبر من عام 1492 .
وانتقد رئيس بلدية مدينة قادس ( الاندلس) صرف مبالغ اعتبرها باهضة (800 الف يور) لتغطية نفقات الاحتفالات التي تضمنت استعراض حوالي 3500 نفرا يمثلون مختلف الأسلحة بما فيها سلاح الجو الاسباني الذي حلقت طائراته (53) في سماء مدريد صباح يوم الاثنين في طقس مناسب وبدون أمطار؛إذ شاركت في السرب الطائرات التي تستعمل في عمليات الإغاثة الإنسانية المدنية والعسكرية، من قبيل المساعدات الطبية لمواجهة داء “إبولا”الذي اجتاح العام الماضي بعض البلدان الإفريقية عدا المشاركة في عمليات حفظ السلام لذا كان علم الحلف الأطلسي حاضرا في الاستعراض .
ونفت عمدة برشلونة، أن تكون اسبانيا قد اكتشفت أميركا الجنوبية، وانما تم إخضاع شعوبها ومورست إبادة جماعية في حقهم ومحيت ثقافتهم، على حد قولها!! مضيفة ان ذلك كله ارتكب باسم الله! وبالتالي فلا يوجد، من وجهة نظرها، ما هو جدير بالاحتفال به .
وتغيب عن الحفل أيضا زعيم حزب، بوديموس، بابلو ايغليسياس، الذي صوت لصالح عمدة برشلونة، بينما حضرت نظيرتها عمدة العاصمة مدريد “كارمينا”التي حملتها الى الكرسي أصوات” بوديموس”.
وفي هذا الصدد أشارت صحف اسبانية إلى أن الجناح المتشدد في ،بوديموس، ضغط على زعيم التنظيم ليقاطع الاستعراض العسكري وتلبية الدعوة لحضور الاستقبال الذي أقامه بالمناسبة ملك اسبانيا، وهي المرة الثالثة التي يرأسه فيها منذ ارتقائه العرش ، الأولى ناب فيها عن والده الذي كان مريضا .
وكان الملك السابق ،خوان كارلوس، هو الذي اصدر مرسوما عام 1978، استبدل بمقتضاه اسم اليوم الوطني القديم الذي كانت تحتفل به في نفس الوقت بعض دول أمريكا الجنوبية ،في إشارة إلى الروابط التاريخية التي تربطها باسبانيا التي تركت هناك لغتها وثقافتها ونمط عيشها، والذي لا يستطيع سكانها التنكر لذلك الإرث، بعد استعمار دام قرونا وحيث امتزجت المكونات الحضارية المحلية بتلك التي مهد لها مستكشف نصف القارة الجنوبي . غير ان حاكم فنزويلا الراحل ،هوغو شافيس، قطع مع التقليد المتبع بل انه حطم تمثال “كولون”الذي كان يتوسط إحدى الساحات الرئيسية في العاصمة “كاراكاس”.
اسبانيا على حافة المواجهة مع كاتالونيا !!
ولم ينقطع الاحتفال بذلك اليوم المشهور منذ مئات السنين بأسماء مختلفة اخرها في ظل نظام الديكتاتور فرانكو؛ اذ كان اسمه “يوم الأسبنة”hispanidad اذا جاز التعبير، إلى ان غيره الملك خوان كارلوس وأطلق عليه اسم ( العيد الوطني )في اشارة الى القطع مع ذكرى الاحتلال الاسباني لشعوب أخرى، وتعبيرا كذلك عن وحدة الشعب الاسباني واعتزازه بتاريخه المشترك وبتعدديته الثقافية والعرقية ،على اعتبار أن المملكة الاسبانية في صورتها الحالية، هي خلاصة الجمع والوحدة بين مملكات سابقة .
اسبانيا بين المخرج الدستوري وعواقب أزمة كاتالونيا
ويأتي هذا الموقف المستفز من بعض الحساسيات السياسية اليسارية ،قبل اقل من شهرين من موعد الانتخابات التشريعية التي سيكون فيها الصراع محتدما بين الأحزاب،وسط توقعات المحللين ومؤسسات استطلاع الرأي بنهاية القطبية الحزبية التي تحكمت في المشهد السياسي الاسباني منذ عودة الديموقراطية واعتماد الدستور الحالي المستفتى عليه عام 1978 والذي تطالب قوى سياسية في الوقت الراهن بتعديله ليواكب التغيير الذي أصاب بنية المجتىع الاسباني .
الى ذلك، قال وزير الدفاع الاسباني في تعقيب على النزعات الانفصالية التي تطل برأسها في بعض الأقاليم؛ إن اسبانيا ليست مهددة بخطر التقسيم .