لم تثن التهديدات التي لوحت باللجوء اليها القوات المسلحة والسلطة القضائية في اسبانيا، المطالبين باستقلال اقليم كاتالونيا عن المضي في مخططهم بالدعوة الى الانفصال عن التاج الاسباني.
وصباح اليوم الجمعة المصادف موعد احتفال الاقليم منذ سنين، بما يسمونه “اليوم الوطني”(ديادا) الذي يخلد ذكرى الدفاع المستميت عن العاصمة “برشلونة”يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 1714، نظمت الاحزاب الداعية للانفصال، تظاهرة كبرى،خطب فيها رئيس الحكومة الحالي، ارتور ماص، أعاد من خلالها المبررات والاسباب التي تجعله يقف على رأس التحالف الرافض لتبعية الاقليم سياسيا وجغرافيا، للمملكة الاسبانية؛ مع الاشارة الى ان “ماص”لم يتلفظ بكلمة “استقلال”في خطابه الاخير، مفضلا السباحة في المرادفات اللغوية الدالة على نفس المعنى لتجنب التورط في اشكالات قانونية، قبل معرفة اختيار الناخبين يوم 27 الجاري .
واعتبر “ماص”الاستحقاق المقبل شبيها بالاقتراعات الشعبية المماثلة التي سبقته، لكنه يختلف عنها في كونه ذا توجه حاسم، في اشارة واضحة لدعوة الناخبين الى تقرير مصيرهم بأنفسهم، وفق مخطط تؤججه التشكيلات السياسية المساندة لاختيار بات مثيرا لكثير من المخاوف في البلاد ،بل يمكن ان ينتهي الى مواجهات درامية، ما جعل المتتبعين يولون اهمية للناخبين الذين لم يحسموا بعد اختيارهم، وهم يمثلون، طبقا لاخر الاستطلاعات اكثر بقليل من 26 في المائة؛ سيرجح تصويتهم احدى الكفتين، لانه لا وجود لطريق ثالث، حيث حورب في المهد، بمجرد الإعلان عن بداية تحركه في المدة الاخيرة، خاصة بعد ان ارتفع منسوب الاحتقان في الاقليم وانقسام المجتمع الكاتالاني على نفسه.
وترجح استطلاعات الراي الاخيرة انتصار الاطروحة الانفصالية بعدد المقاعد في البرلمان المحلي، بينما ستقف نسبة التأييد بالاصوات عند حدود 44 في المائة. فاذا اتت نتيجة الاقتراع بذلك الشكل فانها ستتيح للطاعنين القول بأنها لا تعبر عن النسبة المطلوبة في مثل هذه الاستفتاءات المفصلية اي 51 في المائة من مجموع المصوتين طبقا للاعراف الديموقراطية، لذلك استبق ،ماص، النتيجة وقال ان اغلبية الاصوات في البرلمان كافية لاضفاء المشروعية على دعوته، منتقدا من يطالب بأكثر من نصف المقترعين بالقول ان الحكومة الوطنية منعت اجراء استفتاء يحقق تلك النسبة .
للمزيد:معارضو انفصال “كاتالونيا”يلوحون بأسلحتهم!!
وفي هذا الصدد، شنت جريدة “الباييس” ذات التوجه اليساري المعتدل، هجوما عنيفا اليوم على محرك الة الانفصال ،ارتور ماص، وحملته مسؤولية جر البلاد نحو منزلق خطير؛ مبرزة ان السياسي الكاتالاني غير جدير بالتعبير عن مطامح وارادة سكان كاتالونيا، بالنظرالى تورطه في فساد مالي وسياسي، مذكرة ( الباييس) انه تربى سياسيا في احضان سلفه على رأس الحكومة الكاتالانية ( جينيراليتات) جوردي بوجول، المتابع قضائيا على خلفية مخالفات مالية كبيرة وعديدة والتستر على ثروته وتهريب جزء منها الى الخارج بدافع التملص الضريبي،كما انتقدت الجريدة الاسبانية الواسعة الانتشار، المحسوبية التي طبعت حكومة ،ماص، الذي يحتكر عدة مسؤليات، يغدق من خلالها الاعطيات على من يساير هواه السياسي ويقبض ممن يدفع، لدرجة ان الجريدة المدريدية اختارت لافتتاحيتها عنوان “استقلال 3في المائة” في اشارة الى العمولات .
وانتقدت عدة صحف اسبانية،استغلال،ماص، لذكرى تاريخية، درج الاقليم على احيائها سرا، في ظل حكم الجنرال فرانكو يوم 11 سبتمبر من كل عام، الى ان اعتمدها القانون الاساسي للاقليم (بمثابة دستور محلي) عيدا وطنيا. وقاطعت الاحزاب المؤيدة لبقاء الاقليم ضمن حدود الدولة الاسبانية التظاهرة الاحتفالية التي جرت ببرشلونة يوم الجمعة، وفي مقدمة الغائبين: الحزب الشعبي الحاكم، والاشتراكي العمالي المعارض وكذا التنظيم الجديد ثيودادانوس، الى جانب تشكيلات مستقلة من المجتىع المدني؛ اما حزب “بوديموس “اليساري الغامض، فيرفع من جهته شعارا ملتبسا (مع المواطنين) لا هو بالانفصال ولا تاييد الوضع الحالي، ملتقيا في هذا التوجه الى حد ما مع الاشتراكيين وثيودادانوس.
الى ذلك تهيمن على كاتالونيا، اجواء سياسية محمومة لدرجة التضييق على حرية التعبير ومنع الراي المخالف للانفصال من وسائل الاعلام ،كما حدث مع الوزير الاشتراكي الاسبق ،جوزپ بوريل، وهو كاتالاني ، فقد منع بث حديث معه اجرته القناة الثالثة للتلفزيون المحلي.
ويأمل محللون ان الناخبين الكاتلان، سيضربون اخماسا في اسداس، قبل وضع ورقة التصويت في الصناديق،لان تأييد دعوات الاستقلال،سيجر الاقليم ومعه اسبانيا الى نفق سياسي طويل ومعتم ،اذا تمترس كل طرف في خندقه ،كما يمكن ،في أضعف الاحوال، ان يفضي الى تفاهمات تنتهي بالاستجابة الى المطالب الاقتصادية والسياسية التي لا تهدد الكيان الاسباني.
هذا توجه،سيعارضه حتما المتشددون في الحكومة الوطنية ودعاة الانفصال، بل قد تجد الاولى نفسها مضطرة لاستعمال البند 155 من الدستور الاسباني ، وذلك قبل انتهاء الولاية التشريعية الحالية وانتخاب برلمان جديد لا يعرف لونه السياسي . وهذه احد الاسباب التي جعلت ،رئيس الوزراء ماريانو راخوي ، يرجئ قرار حل البرلمان الذي يعلنه ملك البلاد حسب الدستور، بناء على طلب من رئيس السلطة التنفيذية .
وعادت الحكومة في أعقاب اجتماعها الأسبوعي لتحذر ،ماص، من عواقب اللعب بالإرادة الشعبية في الإقليم ،وطالبته بالتمييز بين انتخاب لتشكيل الحكومة المحلية وبين التقرير في أمر يهم الشعب الاسباني برمته .
إقرأ أيضا:ماريانو راخوي: اقتراع كاتالونيا باطل.. ومجرد دعاية سياسية!
الصورة: اقطاب الانفصال من اليمين ،،ماص، روميرو وجونكيراش،في لقاء مع الصحافة اليوم .