الذكاء الإصطناعي والتعليم، إلى أين؟

سفيان جنيدي
أستاذ باحت بالمعهد العالي للمهندس والتدبير بالدار البيضاء

عرف في الشهور الأخيرة انتشار العديد من المواقع الإلكترونية التي تهتم بتوفير معلومات و خدمات آنية في العديد من المجالات العلمية لصالح متصفحيها. هذه الخدمات هي نتاج وعصارة بعض الخوارزميات الذكية المثبتة على خوادم متصلة بالإنترنت. هذه الخوارزميات تعتمد في تحليلها على العديد من بيانات المحفوظة في حواسيب متعددة لها إتصال دائم مع هذه البرامج الذكية. هذا التهجين بين المعطيات والبرامج تولد عنه ما سمي بالذكاء الإصطناعي.

تعالت الأصوات في المجتمعات بين من هو مهلل للذكاء الاصطناعي و من هو رافض لها. فهذا التباين في الآراء نتج عنه نقاش فكري حاد في مدى مساهمة هذه الوسيلة في الإرتقاء الفكري أو دنوه ،خاصة وأن هذه التكنولوجيا يتم دمجها تدريجيا في قطاع التعليم وقد تصبح هي الوسيلة السائدة.

في هذا المقال نتطرق إلى شرح مفهوم الذكاء الإصطناعي، و طرح بعض الأفكار المساندة و المعارضة لهذه التكنولوجيا ثم مناقشتها مع التركيز على التحصيل الدراسي. و في الأخير نحاول أن نضع خارطة طريق من أجل إنشاء نموذج جديد للتعليم بإستعمال هذا الذكاء كوسيلة جديدة لا يمكن إهمالها مع الحرص على النماء الفكري لطالب العلم.

الذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع من علوم الحاسوب يهتم بتطوير أنظمة وبرمجيات قادرة على أداء مهام تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا من جميع المستويات. يشمل ذلك قدرات مثل التعلم من البيانات(التعلم الآلي)؛غالبا ما تكون بيانات عملاقة محفظة في خوادم حاسوبية متوزعة في عدد من مناطق، وكذلك التعرف على الأنماط، ومعالجة اللغة الطبيعية، واتخاذ القرارات. يعتمد الذكاء الاصطناعي على تقنيات مثل الشبكات العصبية الاصطناعية، والخوارزميات الجينية، والمنطق الضبابي، والشبكات البايزية. تهدف هذه التقنيات إلى تحسين الأداء وتقديم حلول ذكية في مجالات متعددة مثل الطب، والتمويل، والأمن، والروبوتات.

التعلم الآلي (Machine Learning) هو أحد فروع الذكاء الاصطناعي الذي يركز على تطوير خوارزميات ونماذج تسمح للآلات بالتعلم من البيانات وتحسين أدائها بمرور الوقت دون أن تكون مبرمجة بشكل صريح.

الشبكات العصبية الاصطناعية (Artificial Neural Networks) مستوحاة من بنية الدماغ البشري، تُستخدم هذه الشبكات لمحاكاة كيفية معالجة الدماغ للمعلومات. تتكون من طبقات من العقد (العصبونات) التي تتصل ببعضها البعض بأوزان قابلة للتعديل.

تعتبر الشبكات العصبية العمودية (Deep Neural Networks) من الأساليب الشائعة حاليًا في تعلم الأنماط المعقدة.

معالجة اللغة الطبيعية (Natural Language Processing) تهتم هذه التقنية بتمكين الحواسيب من فهم وتوليد اللغة البشرية. تشمل التطبيقات الترجمة الآلية، وتحليل المشاعر، والتلخيص التلقائي، والتفاعل مع المستخدمين عبر النصوص والصوت.

المنطق الضبابي (Fuzzy Logic) يُستخدم للتعامل مع عدم اليقين والغموض في البيانات، مما يسمح باتخاذ قرارات تعتمد على قيم غير دقيقة أو غامضة، مشابهة للطريقة التي يتخذ بها البشر القرارات في مواقف عدم اليقين.

الشبكات البايزية (Bayesian Networks) نموذج بياني يمثل مجموعة من المتغيرات العشوائية وعلاقات التبعية الشرطية بينها. تُستخدم في تطبيقات مثل التشخيص الطبي والتنبؤ بالمخاطر.

الخوارزميات الجينية (Genetic Algorithms) مستوحاة من عملية الانتقاء الطبيعي، تُستخدم هذه الخوارزميات لإيجاد حلول مثلى لمشاكل معقدة من خلال تكرار عمليات الاختيار والتزاوج والطفرات.

تساهم هذه التقنيات معًا في جعل الذكاء الاصطناعي أداة قوية وفعالة تحليل البيانات، واتخاذ القرارات، والتفاعل الذكي، مما يتيح استخدامها في مجموعة واسعة من التطبيقات مثل الروبوتات، والسيارات الذاتية القيادة، وتحليل البيانات الكبيرة، والرعاية الصحية،والأمن السيبراني، والتعليم الذي هو موضوعنا بالاساس من أجل معرفتنا ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي عليه سلبيا وإيجابيا.

إستعمال الذكاء الاصطناعي (AI) في التعليم يقدم العديد من الفوائد التي يمكن أن تعزز تجربة التعليم وتزيد من كفاءة العمليات التعليمية. وفيما يلي نذكر بعض الفوائد الرئيسية للذكاء الاصطناعي.

يوفر الذكاء الاصطناعي حلولًا تعليمية مخصصة لكل طالب بناءً على احتياجاته وقدراته الفردية. يمكن أن يتكيف مع مستوى الطالب ويقدم مواد تعليمية تتناسب مع سرعته الخاصة في التعلم. ففي بعض الأحيان يتحتم على ملقي العلوم أن يتبع مستويات عدة من التعقيد في إلقاء درسه حتى يصبح جميع الطلبة في مستوى واحد، مما قد يعرقل تقدمه في الدرس.وحتى يتساوى الطلبة في مستوى الفهم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى المهمة.

كذلك يمكن للروبوتات التعليمية والمساعدين الذكيين تقديم دعم مستمر للطلاب خارج أوقات الدوام التقليدية، مما يساعد في الإجابة على استفساراتهم ومساعدتهم في حل المشكلات الأكاديمية. هذا الإستعمال لا يلغي دور الأستاذ في إستكمال فهم الطالب في حصة التعلم حتى تكتمل له الصورة.

من ناحية أخرى. تقوم من حين لآخر بعض المؤسسات التعليمية خصوصا والدول عموما بتقييم منهجها الدراسي من أجل إصلاح بعض الإختلالات و تطوير التعليم للمستقبل. وهذا يتطلب دراسة معمقة تتكئ بالأساس على مجموعة من المعطيات التي يتم تجميعها في خلال وقت طويل. في هذا الظرف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الكبيرة المتولدة من أنظمة التعليم لتحديد الأنماط والتوجهات التي يمكن أن تساعد في تحسين المناهج وأساليب التدريس.

زد على ذلك، يتذكر جلنا كيف كانت المساطر الإدارية للمؤسسات التعليمية في الفترة الطلابية،  حيث أن الطالب يضطر لترك حصته الدراسية لقضاء أغراضه. وبالتالي يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الإدارية في الجامعات والكليات من خلال أتمتة المهام الروتينية مثل التسجيل، وتقييم الأداء، وإدارة الموارد.

َوفي تحصيل العلم، لابد للطالب أن لا يكتفي فقط بالدروس الملقات في حصة التعلم، بل أيضا يمكنه أن يطور من معرفته بالشئ عن طريق التمدرس بواسطة أساليب أخرى في هذا الإطار. يمكن أن يعزز الذكاء الاصطناعي من فعالية منصات التعلم الإلكتروني من خلال تقديم تجارب تفاعلية ومواد تعليمية متقدمة مثل الفيديوهات التفاعلية والمحاكاة الافتراضية.

و من جانب آخر ،يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في  إجراء التقييمات التلقائية للاختبارات والواجبات، مما يقلل من عبء العمل على المدرسين ويوفر نتائج فورية للطلاب، مما يساعد الإداريين على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وتحليلات متقدمة، و يمكنهم كذلك من تحسين السياسات التعليمية وتطوير البرامج الأكاديمية.

ربما اكتشاف ومنع الغش من خلال مراقبة الامتحانات وتحليل الأنماط السلوكية للطلاب ،كان دائما عملا متعبا للمدرسين أو في بعض الأحيان خطرا. مما قد يستدعي منح هذه المهمة للذكاء الاصطناعي.

بتطبيق هذه الفوائد، يمكن للجامعات والمؤسسات التعليمية تحقيق تجربة تعليمية أكثر فعالية ومرونة، تدعم احتياجات الطلاب و تستجيب للتغيرات السريعة في عالم التعليم.

إستخدام وسائل جديدة  في أي مجال لا يمكن أن تخلو من بعض السلبيات التي يجب مراعاتها، منها في إستخدام الذكاء الاصطناعي:

هناك بعض الأفكار التي تتبنى إلغاء دور الأستاذ في المنظومة التعليمية مع استعمال الذكاء الإصطناعي فقط و تقليل من تكلفة التعليم. قد يؤدي هذا الطرح إلى فقدان التفاعل البشري، أي إلى تقليل التفاعل الشخصي بين الطلاب والمعلمين، مما قد يؤثر على تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى الطلاب.

و في إطار التحليل السريع للبيانات، خاصة التي تتعلق بنسبة تأقلم الطالب مع منظومة التعليم، ربما هذه الحاجة تؤثر سلبا على خصوصية و أمان معطيات الطالب. حيث أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتطلب في التعليم جمع كميات كبيرة من البيانات عن الطلاب، مما يثير مخاوف حول حماية الخصوصية وأمن البيانات.

التباين الاقتصادي بين الدول و الفوارق الاجتماعية بين الأسر في المجتمع الواحد تلعب دورا مهما في نسبة التفاوت في الوصول إلى التكنولوجيات الحديثة.و بالتالي قد لا تتوفر تقنيات الذكاء الاصطناعي لجميع الطلاب بسبب الفوارق الاقتصادية أو الجغرافية، مما يعمق الفجوة الرقمية بين الطلاب.

دائما ما تثير الوسائل الرقمية الحديثة الإهتمام الزائد لذا الشباب عموما و الطلبة خصوصا، و الذين قد تستعمل كوسيلة مساعدة في التحصيل الدراسي. والاعتماد الزائد للذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تقليل التفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات بشكل مستقل لدى الطلاب، مما قد يؤذي إلى طرح فئة من الطلاب تنفذ الأفكار فقط دون إنتاجها.

الذكاء الاصطناعي هو صناعة بشرية، و جميع الصناعات البشرية التي سبقته لم تخلو قط من العيوب التي تبقى مع مرور الوقت في إطار الإصلاح و التطور. فمن مكونات الذكاء الاصطناعي نجد العديد من الخوارزميات التي قد تعرف عيوبا في تطبيقها. فيمكن أن تحتوي هذه خوارزميات على تحيزات مبرمجة أو مكتسبة، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة أو غير دقيقة.

و في إطار تطوير منظومة التعليم، لابد للمعلم أو الأستاذ أن يطور من مهاراته في طريقة تعليمه. و هذا التطوير لابد أن يترافق مع إدماج التكنولوجيا الجديدة، مما يستدعي برمجة حصص تكوينية للأستاذ. في هذا الصدد تطرح تحديات التدريب للتكيف مع التقنيات الجديدة، وقد يكون ذلك مكلفاً أو مستهلكاً للوقت.

مع أخذ هذه النقاط في الاعتبار، يمكن تحسين استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم من خلال تنفيذ سياسات وإجراءات تضمن تحقيق الفوائد مع تقليل السلبيات. فنحن لسنا عن غنى عنه، بل يجب دائما على منظومة التعليم مسايرة التطور كباقي القطاعات، وأن يستخدم الذكاء الاصطناعي لا بإفراط أو تفريط كباقي الوسائل الحديثة التي تم دمجها في التعليم من قبل.