يبدو أن الساحة السياسية الجزائرية باتت مقبلة على أيام حافلة وساخنة، فبعد الجلبة “التاريخية” التي شهدتها قبة المجلس الشعبي الوطني يوم الاثنين المنصرم بسبب عرض قانون المالية لسنة 2016 على التصويت، قد تحدث تصريحات وزير المالية عبد الرحمن بن خالفة الأخيرة وتلميحه إلى توجه البلاد نحو التخلي عن سياسة الدعم، ضجة في الشارع الجزائري.
لم تمضي سوى أيام معدودة على التصويت على مشروع قانون المالية، الذي أخرج نواب المعارضة عن حفيظتهم منددين بالإجراءات القاسية التي يتوعد بها القانون، حتى خرج وزير المالية ملمحا إلى توجه البلاد نحو رفع سياسة الدعم الاجتماعي أو ما يسمى بـ “سياسة السوسيال”، التي كانت تتباهى بها حكومة عبد المالك سلال كلما واجهت انتقادات المعارضة.
ومن الواضح أن مقولة رئيس الوزراء عبد المالك سلال الشهيرة “لا يخوّفكم الكذابون…النفط نعمة وليس نقمة”، لم تصب اليوم، حيث أن سحر سياسة التطمينات التي نهجتها الحكومة على مدى سنوات، سينطلي عليها لا محال، ففي ظل استمرار انخفاض أسعار المحروقات التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الجزائري، وتوالي الإجراءات التقشفية، قد تجد الحكومة نفسها أمام موجات غضب في صفوف مواطنيها الساخطين.
وعلى ما يبدو، كانت اهتزاز أسعار النفط على سلم السوق العالمية، كافيا لتعرية هشاشة الاقتصاد الجزائري، المعتمد وبشكل كلي على عائدات الناتج الوطني من النفط، فرغم محاولة الحكومة ترقيع الوضع، سواء بخفض قيمة الدينار أو إدراج عدة مشاريع حيوية في الثلاجة، إلا أن “جفاف منابع الريع” التي اعتمدتها البلاد على مدى سنوات، وعجزها عن خلق اقتصاد بديل متحرر من الذهب الأسود، قد يحول دون خروج البلاد سالمة من الأزمة الحالية.
ولعل الكلام المبطن الذي أطلقه وزير المالية بن خالفة بخصوص توجه البلاد نحو رفع سياسة الدعم الاجتماعي، ترياق 14 مليون فقير بالجزائر، أزال القناع عن التوجهات التي تسلكها الحكومة منذ فترة، والتي، حسب المعارضة الجزائرية، تصب في نهر الليبرالية وتخدم مصلحة “الأوليغارشية”، على حد قول حزب العمال.
وحسب تصريحاته على التلفزيون الرسمي، أشار بن خالفة أن خزينة الدولة لم تعد تستوعب تكلفة المواد الأساسية، خاصة الحليب والدقيق والزيت والكهرباء، حيث لمح إلى احتمال توجه البلاد نحو إغلاق صنبور الدعم الاجتماعي المقدم عن هذه المواد، في ظل الأزمة التي ضربت الاقتصاد الوطني.
ورغم الوعود التي قدمها كل من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس حكومته، واعتبارهما سياسة “السوسيال” خط أحمر لن يداس عليه، إلا أن تصريحات بن خالفة جاءت مناقضة لذلك، حيث أكد أن الحكومة تحاول إعادة النظر في سياسة الدعم الذي “أثقل كاهل الخزينة العمومية” حسب قوله.
هذا ومن جهة أخرى، فإن التلميحات الصادرة عن وزير المالية الجزائري، لم تناقض تطمينات الرجل الأول في البلاد فحسب، بل ضربت الأرقام التي جاء بها قانون المالية 2016 أيضا، والذي سن على زيادة بنحو 17بالمائة لصالح التحويلات الاجتماعية، الأمر الذي من شأنه أن يفتح على الحكومة باب غضب شعبي بعد غضب نواب المعارضة الثوري يوم الاثنين المنصرم.
ولم تنحصر تلميحات بن خالفة على رفع الدعم عن المواد الأساسية فحسب، حيث أطلق العنان لنفسه من أجل تقديم توصيات لإخراج الجزائر من عنق الأزمة، داعيا إلى وقف التوظيف في القطاع العمومي، بسبب ما أسماه ” حالة التشبع وعدم مردودية القطاع اقتصاديا”، إضافة إلى فرملة الدعم الموجه إلى قطاع السكن والتربية، على اعتبارهما اكبر القطاعات امتصاصا للبطالة خلال السنوات القادمة.
وإلى ذلك، وللتخفيف من وقع التصريحات التي أطلقها، دعا بن خالفة الشعب الجزائري إلى وقف التبذير، في وقت تعرف فيه البلاد بحبوحة اقتصادية خانقة.
ولم يقف عند هذا الحد، حيث حاول وزير المالية لفت انتباه الجزائريين، إلى أن توجه الحكومة نحو التخلي عن سياسة “السوسيال” لن يكون بدون مقابل، مشيرا إلى اعتزام هذه الأخيرة تخصيص دخل لفائدة الفئات المعوزة في البلاد، والتي تشمل حسب تقديرات البعض نحو 14 مليون جزائري.
وفي ظل توالي المفاجئات على الشعب الجزائري، تطرح العديد من التساؤلات بخصوص تصريحات وزير المالية الأخيرة، والتي لا تعد سوى بتضييق الخناق على جيوب المواطنين، فهل تعي الحكومة فعلا مخاطر التخلي عن سياسة “السوسيال”؟ وهل يعني تخليها عن هذه الأخيرة إعلان فشل الحلول الترقيعية التي سنتها والمتعلقة بخفض فاتورة الاستيراد ونزيف العملة وتشجيع الاستثمار؟