المدخل:
كان الاعلام في بداية ظهوره يهتم بمجالات معينة فقط، وكانت محدودة بوسائلها وتاثيراتها، لكن الامر لم يتوقف على عند ذلك، بل فاقت تطوراتها كل التصورات بفضل التطور المذهل لوسائل الاتصال من جهة، وقدرة الاعلام على التعبير عن مختلف المجالات. لذا فقد إتسعت مجالات الاعلام بصورة واضحة بحيث شملت الصحة والتعليم الامن والدفاع والإقتصاد والبيئة والمناخ والعلوم… وغيرها. وكما شملت بلغتها الشرائح والمستويات كافة حتى باتت من اهم ادوات المعرفة في العصر الراهن. وكان ذلك نتيجة للتطورات الكبيرة التي طرأت على التكنولوجيا وتقنيات الاتصال والإعلام والتي جعلت من العالم يبدو وكأنه قرية الكترونية صغيرة، وأصبح الإعلام محوراً أساسياً لمختلف القضايا الأساسية، وازدادت اهميته بوسائله المختلفه في المجتمع في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، بما في ذلك المجال الأمني، اذ لحقت تلك التطورات بالظواهر الأمنية ذاتها، والظواهر التي تتعامل معها، الأمر الذي تطلب تحديثًا وتطويراً مستمراً للسياسات الأمنية وللاساليب والوسائل والتقنيات التي تستخدمها في تعاملها مع هذه الظواهر.
يعد مفهوم الامن المعاصر من اهم المفاهيم العامة بسبب ارتباطها المباشر بحياة وكرامة الأفراد والجماعات وسلامة المدنية واستمرارها، وهذه التحديثات التي حصلت على مفهوم الامن جعلته مسؤولية عامة قبل كل شيء مع الابقاء على خصوصية اعتباره وظيفة محددة لجهاز امني تمثل اهم واجهات السيادة للامة بوصفها صمام الامان للمجتمع. ان اتخاذ الامن ابعادا عامة من جهة. وتوسع مجالاته الادراكية إلى الكثير من المجالات كما في الامن الاجتماعي والامن الاقتصادي والامن الفكري والامن المعلوماتي والامن المناخي والامن الدولي والامن الاقليمي و….غيرها كثيراً، جعلها مفهوما واسعاً بحاجة إلى الكثير من الوسائل والادوات، ولم تعد استخداماتها حكرا على الاجهزة الامنية. لذا يتبين مما سبق ان العلاقة بين الأمن والإعلام هي علاقة ارتباطية، فالإعلام بوسائله المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية يلعب دوراً بارزاً ويؤثر بفعالية في دعم نشر المعرفة الامنية ويساعد عمل الأجهزة الأمنية على كافة المستويات، بل أصبح الإعلام بلا منازع صاحب الدور الأكبر في التوعية بأبعاد القضايا الأمنية، من خلال التغطية الاعلامية ومن خلال الاسهام في بناء المواطن وتحصينه ضد أي غزو اعلامي او فكري معاد، فضلا عما يقوم به من دور مهم في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين واستيعابهم لما يدور على الساحة الداخلية، حيث يتناول القضايا الوطنية التي تؤثر في قدرات الدولة السياسية، من خلال الشرح والتحليل لهذه القضايا وتعريف المواطن بأسبابها واسلوب التعامل معها، وبهذا فأن العلاقة الوثيقة بين الأمن والإعلام تشكل عنصر الأمن والاستقرار في المجتمع.
اذن اصبح للاعلام الأمني دور بالغ الأهمية والحيوية في المجتمع، وركيزة أساسية لدعم وتنمية الحس الأمني والوقائي لدى الأفراد من خلال تعاونهم في حفظ الأمن والاستقرار، اضافة إلى أن الإعلام الأمني اصبح وسيلة لتوسيع الآفاق المعرفية لافراد المجتمع بحيث يكونوا على اتصال مباشر مع الأحداث. وقد حدث تغيير جذري وعميق في مفهوم المسؤولية الأمنية بحيث أصبح الأمن مسؤولية تضامنية يسعى الاعلام لتحقيقها في المجتمع.
من المهم جداً ان نبين للقاريء الكريم الجدلية الاساسية لفرضية البحث المعروض امامكم، وهذه الفرضية تقوم على الاشكالية الاساسية للادوار الوظائفية في القرن الواحد والعشرين وخاصة تلك التي تمس كرامة الفرد وحياته،
اولاً: مفهوم الاعلام الامني
*خلفية تاريخية:
برز مفهوم الإعلام الأمني بشكل كبير خلال نهايات القرن العشرين كمفهوم جديد في حقل الإعلام العام أو مجال جديد آخر في حقل الإعلام المتخصص، الذي ظهر في تلك الفترة تماشيًا مع التخصص الذي دخل على كل المهن وأُدخل كمفهوم يتم التعامل معه حسب تصورات متمايزة تتماشى ومفهوم تفتيت الجمهور أو جمهور الوسيلة الإعلامية الذي رافق عمليات التخصص، بما أفرد لكل وسيلة إعلامية جمهورها الخاص، ومن هنا جاء مصطلح الإعلام الأمني كحقل من حقول الإعلام المتخصص بعد انتشار هذا المفهوم من خلال الفضائيات والقنوات المتخصصة والإذاعات والصحف، كل يعمل في مجال محدد ويوجه إلى جمهور محدد.
*تعريف الاعلام الامني:
تتعدد التعريفات التي تناولها الباحثون حول مفهوم الإعلام الأمني، وذلك تبعاً لتعدد ارائهم ووجهات نظرهم في تناولهم للمفهوم، هناك في الحقيقة ثلاثة توجهات يحاول كل توجه ان يعرف الاعلام الامني وفقاً لرؤياه الخاصة، التوجه الاول يرى ان الاعلام الامني احد الفروع التخصصية للاعلام، وتشير إحدى الدراسات في هذا السياق إلى أن الإعلام الأمني (يعد فرعاً من فروع الإعلام المتخصص الذي يهدف إلى إخبار الجمهور أو قطاع معين منه بموضوعات تخص الأمن ويقوم به رجال الأمن ذاتهم، كما يقوم به رجال الإعلام إذا كان الأمر يتعلق برجال الأمن). وفقا لذلك يقترب مفهوم الإعلام الأمني من زاوية معينة وهي التي ركز عليها الباحثون وافترضوا أنها تمثل المحور الرئيسي للمفهوم، والحقيقة أن مفهوم الإعلام الأمني يرتبط (بمفهوم الإعلام) و(بمحتوى الرسالة الإعلامية) المتخصصة التي تقوم عليها و(بالوظائف الموكلة إليه) و(بالجمهور المستهدف). فمن حيث مفهوم الإعلام، يرى البعض (أنه عملية الإخبار أي نقل الرسالة من جهة إلى أخرى من خلال أداة أو وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري التي تجعل عملية الاتصال لا تتجه إلى شخص معين وإنما إلى جمهور متسع ومن ثم فالإعلام في جوهره هو شكل من أشكال الاتصال). وهناك رأي آخر يقول بأن (الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب بصدد واقعة معينة أو مشكلة من المشكلات حيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم)، وهو ما يعني أن الإعلام يقوم بالإقناع عن طريق المعلومات والأرقام والإحصاءات والحقائق، فالإعلامي ليس له غرض معين فيما ينشره أو يذيعه على الناس فهو يقدم حقائق مجردة وهذا ما يميزه عن رجل الدعاية ومن هنا يمكننا القول بأن (الإعلام في جوهره نمط من أنماط الاتصال الجماهيري الذي ينقل الواقع القائم كما هو إلى جمهور متسع مختلف من حيث الخبرات والتوجهات والقيم).
المزيد: المعاهدات الدولية للإنترنت: حقائق وتحدّيات
بينما يرى أصحاب التوجه الثاني ان الاعلام الامني في الاصل هو الاستخدام المهني للاعلام من قبل الاجهزة الامنية اذ كما تشير التعريفات التي جاءت في دراساتها إلى أن الإعلام الأمني (يقصد به كافة الأنشطة الإعلامية المقصودة والمخطط لها وما يتم إعداده من رسائل إعلامية بهدف إلقاء الضوء والتعريف بجميع الجهود والإنجازات التي تحققها وزارة الداخلية في إطار استراتيجيتها الأمنية الشاملة من خلال كافة وسائل الإعلام والاتصال المختلفة).
وضمن نفس التوجه يتم التركيز على مفهوم الإعلام الأمني من زاوية أسلوب الاتصال الذي يتبع في مجال الإعلام الأمني ومن ثم (فهو الإعلام الذي يتحقق بمبادرة من رجال الأمن إما بطريقة مباشرة لإنتاج الرسائل الإعلامية كالبرامج الأمنية الإذاعية والتلفزيونية والأفلام السينمائية وغيرها، أو بطريقة غير مباشرة مثل تزويد الصحف بأخبار الأحوال الأمنية ومجرياتها بشكل موضوعي يعتمد على المعلومات الموثوق بها).
اما التوجه الثالث فيرى ان الاعلام الامني نتاج للعلاقة الارتباطية بين مفهوم الامن المعاصر ومفهوم الاعلام المعاصر اذ ان التوسع المفاهيمي لكلا المفهومين ادى بطبيعة الحال إلى ايجاد هذا الحقل المشترك ذي وظائف كثيرة إخبارية وتعليمية وإرشادية وتوعوية واسترجاعية من تبادل الرسائل وفق نمط الاتصالات المتبادلة بين ثلاثة قطاعات هي الاجهزة الامنية والاجهزة الإعلامية والمجتمع (افراد، مؤسسات، جماعات)، وهنا تم التركيز على استخدام وظائف الإعلام الأمني ونطاقه كأساس للتعريف وفق هذا المفهوم. يتلخص ان للإعلام الأمني عملية الاتصال لرسائل مباشرة وغير مباشرة مصممة ومنتجة وفقا لنموذج معين يتناسب والمحتوى الأمني المراد ايصاله إلى المجتمع او نقله من المجتمع إلى الاجهزة الامنية والاجهزة الاعلامية، وبهذا تشترك الاطراف الثلاثة في بلورة الاسس الاخلاقية للثقافة الامنية العامة.
ثانياً: عناصر الإعلام الأمني:
إن استخدام مصطلح عملية لتحليل الإعلام الأمني يعنى انه يتكون من عناصر متفاعلة فيما بينها بشكل مستمر، كما أنها تتفاعل مع البيئة المحيطة بها بمستوياتها المختلفة بدءاً من البيئة الداخلية التي يتم في نطاقها التخطيط والاعداد للمنتج الإعلامي ومن ثم انتاجه واطلاقه ومرورًا بالبيئة الداخلية المحلية والوطنية ووصولاً إلى البيئة الخارجية الإقليمية والدولية والعالمية.
وعناصر عملية الإعلام الأمني هي ذاتها عناصر أية عملية إعلامية وان كان لكل منها خصائص نوعية معينة تميزها عن عناصر الإعلام العام و مجالات الإعلام التخصصي الأخرى وفيما يلي نعرض بايجاز لعنصر الإعلام الأمني والخصائص النوعية المميزة لها :
1.القائم بالاتصال:
فيما يتعلق بالقائم بالاتصال في نطاق عملية الإعلام الأمني، فيتمثل بالجهات الأمنية المختصة سواء تم ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، وهذا يتم من خلال الظروف التي يتم من خلالها إطلاق الرسالة الإعلامية الأمنية وموضوع الرسالة والجمهور المستهدف، فثمة ظروف تتطلب أن يكون القائم بالاتصال الجهة الأمنية المختصة، في حين تفرض ظروف أخرى استخدام الشكل غير المباشر، كما أن بعض الموضوعات يكون من الملائم أن يتم تناولها من جانب رجال الأمن أنفسهم بينما موضوعات أخرى يكون من الملائم تناولها بواسطة أطراف أخرى، وكذلك الحال بالنسبة للجمهور المستهدف. واحد الخصائص الحاكمة لفعالية العملية الإعلامية تتمثل في درجة الثقة التي يتمتع بها القائم بالاتصال لدى جمهور المتلقين ومدى قدرته ومهارته في نقل الرسالة ومدى اقتناعه الذاتي وإيمانه بالرسالة التي يقوم بنقلها، وإلمامه بالجوانب الفنية التي يشتمل عليها محتوى الرسالة، وتزداد أهمية مثل هذه الخصائص بالنسبة للإعلام الأمني نظرًا لأهمية وحساسية الموضوعات والقضايا التي يتناولها. والخاصية النوعية للقائم بالاتصال في نطاق الإعلام الأمني تتمثل في كونه مصدرًا واحدًا محددًا له هذا الاختصاص وذلك بخلاف الأنماط الأخرى من الإعلام المتخصص الذي يمكن أن تحتمل تعدد المصادر القائمة بالاتصال.
2.الرسالة
وتتمثل في الفكرة أو الموضوع أو الرؤية أو الخبر أو المعلومة أو الحدث المراد نقله، والرسالة تمثل صلب العملية الإعلامية، وهى تتكون من شكل ومضمون. والشكل لابد وان يتناسب مع المضمون ويتلاءم مع قناة الإعلام التي سيتم استخدامها كما أن التوازن بين الشكل والمضمون من الأمور الأساسية لإطلاق رسالة فعالة فلا ينبغي أن يتغلب احدهما على الآخر لأن هذا يضعف من اثر الرسالة وقد يوجهها بعيدًا عن الهدف المنشود، فإذا ازداد معدل الإبهار في الرسالة فإن هذا يجذب المتلقي للاهتمام بالشكل ويقلل من اهتمامه وفهمه لمحتوى الرسالة كما ان الاهتمام بالمضمون على حساب الشكل الذي تتخذه الرسالة يعد من العوامل الرئيسة لانصراف المتلقين عن الرسالة وعدم اهتمامهم بها بل وقد يؤدى هذا إلى اضعاف ثقتهم بالقائم بالاتصال لأن البعض قد يفسر هذا على انه عدم احترام من جانبه لهم أو على انه تعبير عن مستوى مهني إعلامي منخفض.
جانب آخر هام لابد وان يكون متوافرًا في الرسالة الإعلامية وخاصة الأمنية وهو التوازن في كم المعلومات الذي تحتويه الرسالة فلا ينبغي أن تحتوى الرسالة على كم كبير أو مبالغ فيه من المعلومات بحيث لا يستطيع المتلقي ان يستوعب هذا الكم ولا يجب ان يكون كم المعلومات محدودا بحيث لا يفي باحتياجات المتلقي لأنه في هذه الحالة سوف يقوم باستكمال المعلومات الناقصة ذاتيًا أو من خلال الآخرين الأمر الذي يؤدى إلى تشويه الرسالة الإعلامية أو تحريفها بما يخل بالهدف المراد الوصول إليه من إطلاقها، هذا بالإضافة إلى الدقة والوضوح وعدم استخدام أي ألفاظ أو جمل تقبل تأويلاً وتفسيرات متعددة.
3.القناة الإعلامية
من المعروف انه توجد ثلاثة أنواع من القنوات الإعلامية المقرؤة والمسموعة والمرئية، ولا يمكن القول بأفضلية نوع على نوع آخر لأن العوامل المحددة لتفضيل قناة على قناة أخرى تتمثل في طبيعة موضوع الرسالة وخصائص الجمهور المستهدف والأهداف المراد الوصول إليها من إطلاق الرسالة وتوقيتها، وقد يتطلب الأمر استخدام أكثر من قناة في وقت واحد إلا انه في هذه الحالة لابد من مراعاة طبيعة كل قناة من هذه القنوات عند تصميم وانتاج الرسالة الإعلامية فالرسالة التي تصمم وتنتج لقناة مرئية تختلف عن الرسائل المصممة للقنوات الأخرى، والأهم ان يأخذ في الاعتبار عند تصميم الرسالة الإعلامية المزايا النسبية الخاصة بكل قناة وذلك لتوظيفها التوظيف الأمثل الذي يخدم الأهداف المراد الوصول إليها. من ناحية أخرى تتطلب عملية استخدام أكثر من قناة لإطلاق الرسالة الإعلامية ضرورة التنسيق فيما بينها بحيث لا يوجد أي تناقض في جوهر محتوى الرسالة الإعلامية المراد توصيلها للجمهور المستهدف، ومراعاة التوقيت فيما بينها من حيث النشر والإذاعة.
وبالنسبة للإعلام الأمني فهو الأقرب إلى استخدام أكثر من قناة لنقل رسالته وذلك لاتساع نطاق الموضوعات التي يتناولها وأهميتها النسبية المرتفعة بالنسبة لقطاعات كبيرة من المجتمع الأمر الذي يعنى اتساع قاعدة الجمهور المستهدف وتنوع خصائصه وعاداته الاتصالية، هذا فضلاً عن تعدد المستويات النوعية التي يخاطبها الإعلام الأمني الأمر الذي يتطلب نقل رسائله من خلال عدة قنوات وعدم الاقتصار على قناة واحدة إلا إذا كانت هناك ظروف موضوعية تتطلب ذلك.
4. الجمهور المستهدف:
يعد الجمهور المستهدف احد العناصر الحاكمة لأية عملية إعلامية، فتبعا لخصائص هذا الجمهور وعاداته وتقاليده وقيمه ومفاهيمه ورؤاه تتشكل العملية الإعلامية ولا يعنى هذا أن الإعلام يجب أن يكون أداة لترسيخ التقليد ومقاومة التغيير والتجديد وإنما على المخطط الإعلامي أن يضع في الاعتبار خصائص الجمهور المتلقي للرسائل الإعلامية التي قد تشتمل على بعض الأفكار والرؤى الجديدة بحيث يقدمه بالشكل وبالصيغة التي لا ينتج عنها أي شك أو حذر أو صدام مع الجمهور المتلقي.
والواقع أن هذه المسالة تعد إحدى المعضلات التي تواجه الإعلام في كافة المجتمعات وهناك عدة استراتيجيات للتغلب عليها أو في الأقل تجنب آثارها السلبية وأبرزها الاستراتيجية التي تعتمد على التكرار المنظم للرسالة الإعلامية من خلال استخدام أشكال مختلفة للرسالة تحمل ذات المضمون حيث يتولد عن التكرار نوع من التآلف بين المتلقي والرسالة الأمر الذي يجعله أكثر استعدادا لقبولها والتسليم بصحتها. الاستراتيجية الثانية هي استراتيجية بناء اتجاه لقبول الرسالة الجديدة دون الدخول في صدام مع الاتجاهات القائمة لأن الهدف هو توصيل الرسالة وليس الصدام مع الذين يحملون افكارًا مضادة لها.
الاستراتيجية الثالثة هي استراتيجية القاطرة وتقوم على أساس وجود مجموعة في كل جماعة من قادة الرأي الذين يكون لهم تأثير في باقي أعضاء الجماعة ومن ثم فيمكن البدء بتوجيه الرسالة إليهم ثم يقومون هم بعد ذلك بنشرها بين قطاعات أوسع، ومن ثم فهم بمثابة القاطرة التي تشد وتجذب باقي الأطراف نحو وجهة معينة وبعض الدراسات تطلق على هذه الإستراتيجية استراتيجية الاتصال على مرحلتين.
وهناك العديد من الاستراتيجيات الأخرى في هذا المجال والإعلام الأمني يحتاج إلى معظم هذه الاستراتيجيات بل لا نغالي إذا ما ذكرنا انه يحتاج إلى ابتكار استراتيجيات خاصة به في هذا المجال من خلال توثيق وتحليل الخبرات المتراكمة في هذا الشأن.
5.التغذية العكسية:
تعد احد العناصر الهامة لأية عملية إعلامية فعالة، لأنها تتضمن ردود أفعال المتلقين على الرسالة الإعلامية ومن ثم فهي بمثابة اكتمال دورة الاتصال التي تمهد لدورة جديدة، وهي تدل على وصول الرسالة إلى الجمهور ومن خلال تحليلها يمكننا أن نعرف هل وصلت الرسالة إلى الجمهور المستهدف أم انها قد ضلت طريقها، كما انها توضح رؤية المتلقين الفعليين للرسالة وفهمهم لها ومدى اقتراب أو ابتعاد ذلك الفهم والإدراك عن المحتوى أو المعنى المراد توصيله كما ان التغذية العكسية توضح لنا نوعية استجابتهم للرسالة من حيث مدى القبول أو الرفض سواء للشكل أو الموضوع أو الاثنين معا، وكل هذه الأمور تمثل مداخل هامة لتطوير وتحديث العملية الإعلامية وزيادة كفاءتها وفعاليتها باستمرار. ويتطلب اكتمال دورة الاتصال والإعلام ضرورة أن يراعى المخطط الإعلامي توفير كافة الوسائل والسبل التي تتدفق من خلالها ردود الأفعال الناجمة عن إطلاق رسالته الإعلامية.
والإعلام الأمني بحكم طبيعته وخصائصه النوعية في أشد الحاجة لذلك فهو بحاجة إلى التأكد من وصول رسائله إلى الجمهور المستهدف وبحاجة إلى التيقن من مستوى تطابق فهم هذا الجمهور للمعنى المراد توصيله هذا فضلاً عن حاجته إلى التعرف على نوعية استجابة هذا الجمهور لرسائله الإعلامية.
ثالثاً: سمات الإعلام الأمني
يتمتع الاعلام الامني بعدة سمات من حيث الموضوع والحدث وكما يلي:
1. من حيث الموضوع:
ان الموضوع الأمني واسع وشامل، تبعا لما يفرضه المفهوم الحديث للأمن من اهتمامات متعددة، فقد يكون الموضوع حساسا، لما قد يترتب عليه من آُثار تطال المجتمع وأفراده وهيئاته المختلفة، قد تهتز صورة المجتمع أو النظام أو إجراءاته التنفيذية من خلال الحديث مثلا عن عدم الجدية في مواجهة الانحرافات. او يكون الموضوع دقيقا وذا مزالق خطرة، وبذلك يفترض توخي أقصى درجات الدقة في اختيار الموضوع المطروح وفي تحديد الطرق المناسبة للمعالجة في المراحل المختلفة، إضافة إلى الدقة في اختيار المعلومات وفي تحديد المواقف منها أو الاستنتاجات، او قد يكون موضوعا موجها حيث اتى اغلب الموضوعات الأمنية تعرض غالبا لدفع المجتمع لاتخاذ سلوك معين ضد ما تتناوله، مثل الدعوة لاتخاذ سلوك معين ضد الانحراف والمنحرفين، إضافة إلى تهيئة المجتمع لتقبل ما يتخذ من إجراءات ضد المنحرفين ( الموضوعات الأمنية توجه نحو المنظومة العاطفية والانفعالية لدى الجمهور). كما ان المواقف منه معلومة، فالموضوعات الأمنية تقابل بمواقف مؤيدة، لكن من المهم تحويل الاقتناع إلى تصرف والتأثر إلى سلوك.
2.من حيث الحدث:
يقصد بالحدث، الواقعة الأمنية التي تمثل مدار الموضوع الأمني، فقد يكون الحدث الأمني حدثا جماهيريا لأنه مثير وجذاب، ومع ذلك لابد من تقديم المعلومات المتعلقة بجوهره. او قد يكون حدثا مفاجأ لا يمكن توقع حدوثه. او ربما يكون متغيرا ومتقلبا وملتبسا لتعدد أبعاده وتداخلها، او يكون حدثا متجددا ومتسعا لا يرى منه سوى الجزء الظاهر، والحدث الأمني عبارة عن لحظة في سياق، هذه اللحظة رغم غناها بالوقائع إلا أنها ازائلة مع استمرارية السياق، ولذلك لابد من معالجة الحدث ضمن سياقه العام.
رابعاً: وظائف الاعلام الامني
تعد الوظيفة الأمنية للإعلام أحد الاهتمامات المتخصصة التي عرفها الإعلام الحديث، وهي الوظيفة التي تقدم من خلالها وسائل الإعلام مواد أمنية متخصصة (بالمعنى الشامل للأمن) ويتم ذلك عبر استخدام مختلف أساليب وفنون العمل الإعلامي وبالإستفادة من القدرات المؤهلة إعلاميًا وأمنيًا، ان الحديث عن الوظيفة الأمنية للإعلام هنا يستهدف لفت النظر لأهمية المادة الأمنية وضرورة عناية الوسائل الإعلامية. تتعدد وظائف الإعلام الأمني بشكل عام حسب طبيعة عمل الأجهزة الأمنية واختلاف طبيعة عملها، ولكن يمكننا أن نشير إلى أهم هذه الوظائف على النحو التالي :
1. يقوم الاعلام بخلق صورة ذهنية ايجابية لدى المواطنين عن الأجهزة الأمنية ووظائفها ومهامها، باعتبارها في الأساس موجهة لتحقيق الصالح العام المشترك لكافة أبناء المجتمع.
2.يعمل على تنمية روح المشاركة والارتباط بين الأجهزة الأمنية وأبناء المجتمع، على أساس أن تحقيق الأمن يمثل ضرورة أساسية لكل أبناء المجتمع وأن تحقيق الأمن والاستقرار يتطلب تكاتف جهود الجميع.
3. يقوم بإعداد البيانات والأخبار الإعلامية المتعلقة بالجوانب الأمنية.
4.كما يقوم بالتغطية الإعلامية لكافة الأحداث المتعلقة بالجوانب الأمنية.
5.التعريف بالأنشطة المختلفة التي تقدمها أجهزة الأمن والتي تدخل في نطاق الخدمات الحكومية الرسمية التي يحتاج إليها المواطنون وشرح الإجراءات اللازمة لحصول المواطنين على هذه الخدمات.
6. توعية الجماهير بكل ما هو جديد في نطاق القضايا الامنية، بدوافعها وبطرق معالجتها، وبما تقوم به من ادوار هامة لتحقيق الامن، ومحاولة غرس المفاهيم الأمنية لديهم وتحصينهم من الوقوع في الاخطاء بشكل يدعم أوجه التعاون بينهم وبين أجهزة الأمن.
7. توجيه الجمهور للإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة خطر داهم أو عند مشاهدة جريمة.
8. التسويق للسياسات والأنشطة الأمنية المختلفة والاستطلاع المنتظم لآراء المواطنين بصدد الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية وذلك للتوصل إلى الأساليب الملائمة لتطوير الأداء باستمرار.
9. السعي المستمر والمنظم لتشكيل بيئة حاضنة للأنشطة الأمنية وخلق رأي عام مساند لها.
10. إعداد السيناريوهات اللازمة للتعامل الإعلامي مع الأزمات الأمنية المحتملة.
11. إيجاد الآليات التي تكفل التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة في المجتمع.
12. المتابعة الدقيقة والمستمرة لما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة المحلية والدولية بصدد الموضوعات الأمنية أو ذات الصلة بالأجهزة الأمنية وتوثيقها وتحليلها من زوايا ومنظورات متعددة والاستفادة منها في وضع الاستراتيجيات والخطط الأمنية.
هذه هي أهم الوظائف المتعلقة بالإعلام الأمني، ولاشك في أن تحديد الأولويات بالنسبة لها وأساليب القيام بها يرتبط ارتباطًا واضحًا بالإستراتيجية العامة الشاملة للأمن وموضع إستراتيجية الإعلام الأمني منها.
خامساً: عوامل ظهور الاعلام الامني
هناك مجموعة من العوامل والمتغيرات التي اسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في ظهور الاعلام الامني كنشاط متخصص له اسلوبه وعمله الخاص، فكان للمتغيرات الجديدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتفاعلها فيما بينها والتطورات التي لحقت بالوسائل الاعلامية والاتصالية والتكنولوجية دورا كبيرا في ازدياد الأهمية النسبية للمكون الأمني في مختلف مجالات الحياة المعاصرة، فالأمن لايتحقق بدون تطور وتنمية و ديموقراطية. بحيث اصبح المكون الأمني متغيرًا حاكما للأنشطة الاقتصادية والتكنولوجية والمعرفية والمعلوماتية والسياسية وغيرها، هذه الظاهرة الجديدة فرضت على الأجهزة الأمنية البحث عن الأساليب الملائمة للتعامل الفعال مع هذه الأوضاع المستجدة واحد هذه الأساليب تمثل في الإعلام:
1. التطور في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والإعلام وأثره على الأنشطة الأمنية
في الحقيقة لابد وأن نشير إلى أن هناك بعض الفروق بين تكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الإعلام، فالأولى تدور حول التطور الهائل في وسائل الاتصال بحيث صارت أكثر سرعة وكفاءة واقل تكلفة في القيام بوظائفها، والثانية تتعلق بالتطور الهائل الذي حدث في مجال جمع وتبويب وتخزين وتأمين وتحليل واسترجاع البيانات ونشرها وإنتاج نماذج متعددة للمعلومات تغطي شتى مجالات الحياة، الأمر الذي جعل من الصعوبة الحديث عن امكانية حجب المعلومات أو التحكم في الإعلان عنها فما تقوم بحجبه أو منعه السلطات المختصة عن مواطنيها في الداخل سيصل إليهم بشكل أو بآخر من الخارج ومن ثم قد يكون من الافضل في كثير من الأحيان أن تبادر هذه السلطات بالإفصاح عن المعلومات المتعلقة بها لأن هذا الافصاح يساعد على خلق أرضية مشتركة مع مواطنيها تقوم على الثقة والمشاركة من جانب كما انه يوفر قدرًا ملائمًا من الدقة والحيلولة دون تشويه هذه المعلومات من جانب أية أطراف أخرى في الداخل أو الخارج يكون لها مصلحة في القيام بعملية تلاعب أو تشويه للمعلومات المتعلقة بموضوع أو مسألة معينة، وتزداد احتمالات التلاعب والتشويه بالنسبة للمؤسسات ذات المهام والمسئوليات الاستراتيجية والحساسة وأبرزها المؤسسات الأمنية، الأمر الذي يتطلب من هذه المؤسسات أن تمسك بزمام المبادرة في هذا الشأن بقدر الإمكان.
أما تكنولوجيا الإعلام، فنقصد به التطورات المهنية التي شهدها حقل الإعلام من حيث تقنيات إعداد الرسائل الإعلامية وانتاجها بأشكال وصور مختلفة تتلاءم والقنوات الاتصالية المختلفة هذا بالإضافة إلى التخطيط الاستراتيجى اللازم لإطلاق الحملات الإعلامية المختلفة وما قد تتضمنه من رسائل، على أية حال هذه التطورات بقدر ما خلقت من تحديات بقدر ما أوجدت من فرص بالنسبة للكافة، والعبرة في كيفية التعامل معها بما يقي أو يقلل من المخاطر الناتجة عنها من جانب وبما يساعد على خلق واقتناص الفرص التي تتيحها من جانب آخر.
ولاشك ان هذه التطورات لابد أن يكون لها تأثيرها على الأنشطة الأمنية المختلفة في سائر المجتمعات المعاصرة، فقد أوجدت مجالات جديدة للأنشطة الأمنية، وغيرت من محتوى أنشطة أخرى، ووسعت من نطاق أنشطة وحددت من نطاق الأخرى، وان كان العنصر الأساسي الذي يجب أن تقوم عليه الأنشطة الأمنية المعاصرة يتمثل في المكون العلمي والمعرفي الذي لا يمكن أن يخلو منه أي نشاط في المجتمعات المعاصرة خاصة النشاط الأمني. تعود أهمية الإعلام الأمني المتخصص، إلى تأثير عدد من العوامل، منها تعقد الحياة وتشابكها، وتداخل العديد من العوامل في معطياتها، وتزايد الحاجات الاتصالية للجماهير الحديثة، فضلا عن سيادة مفهوم اقتصاد السوق بين المتنافسين في الصناعة الإعلامية، ظهور الأبعاد الجديدة التي عرفها الأمن بمعناه الشامل (القومي، الاجتماعي، الفكري، البيئي) وارتباط ذلك بعوامل سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية تؤدي عبر تفاعلها أدوارا تسهم في استقرار المجتمع. اضافة إلى تنامي الإحساس بالدور الذي يمكن أن يسهم به الإعلام في المنظومة المتكاملة للعمل الأمني.
2. المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأثرها على الانشطة الامنية
تتعدد المتغيرات التي يشهدها الواقع المعاصر وتتنوع ما بين المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، إلا أننا سنركز على المتغيرات ذات التأثير الواضح على الأنشطة الأمنية وذلك على النحو التالي :
المتغيرات السياسية:
يمكننا أن نشير إلى ازدياد الحراك السياسي في معظم دول العالم واتساع نطاق المطالبة بتوسيع نطاق الممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وبالرغم من انه لا يمكن تجاهل أهمية هذا التطور السياسي إلا أن عمليات التحول الديموقراطي عادة ما تتولد عنها تهديدات أمنية بالغة الخطورة خاصة في المجتمعات التي لم تصل إلى المستوى الملائم من الوعي السياسي ولم تستطع بلورة قواعد وتقاليد للممارسة السياسية الديموقراطية يؤكد ما شهدته العديد من الدول من احداث عنف عند اجراء الانتخابات وبعدها، كما ان الأوضاع العالمية القائمة تفتح المجال للتدخلات الخارجية في الشؤون السياسية الداخلية بأشكال وصور متعددة الأمر الذي يتولد عنه مصادر تهديد جديدة وبالتالي أنشطة أمنية جديدة لا تنحصر بالضرورة على اقليم الدولة كما ان طبيعة الممارسة السياسية المعاصرة في ظل تنامي حركة حقوق الانسان تفرض العديد من المحددات على أسلوب أداء المهام الأمنية وما تتطلبه من ضرورة اتساع نطاق الافصاح والشفافية وإبراز التزامها بالقواعد القانونية المنظمة لقيامها بأعمالها والتي لا تتعارض ومتطلبات احترام حقوق الانسان وحمايتها وتوفير الضمانات اللازمة لها، من ناحية أخرى فقد يتولد عن اتساع نطاق الممارسة الديموقراطية في بعض المجتمعات اتساع نطاق وحدة الاستقطاب الفئوي أو القبلي أو الطائفي أو الجهوي وكلها استقطابات تمثل تهديدا مباشرًا لوحدة وتماسك هذه المجتمعات وهنا لابد وان يكون لأجهزة الأمن دور للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع، والخبرة المعاصرة توضح أن استخدام أدوات العنف المشروعة لا يكفي للتعامل الفعال والمثمر مع مثل هذه الحالات بل ان أدوات القوة اللينة تزداد أهميتها بالنسبة للأجهزة الأمنية وأهمها وسائل وأدوات الاتصال بينها وبين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة، بل ولا نغالي إذا ما ذكرنا ان التطورات السياسية التي شهدتها المجتمعات المعاصرة قد أسفرت عن ضرورة الاهتمام بعملية التسويق السياسي لكافة السياسات والأجهزة والمؤسسات العاملة في المجال العام بما فيه السياسات والمؤسسات والأجهزة الأمنية، والإعلام هو احد الادوات الرئيسية في هذا الشأن.
• المتغيرات الاقتصادية:
بالنسبة لأهم المتغيرات الاقتصادية المؤثرة على الأنشطة الأمنية تبرز مسالة حرية التجارة العالمية وما تفرضه من فتح الأسواق الوطنية أمام كافة الشركات الأجنبية بل ومعاملتها معاملة الشركات الوطنية وهو الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام العديد من الاحتمالات التي تتولد عنها مصادر متعددة وجديدة لتهديد الأمن الاقتصادي لأي بلد من البلدان وذلك بدءاً من عمليات الاحتيال والغش والتدليس والمضاربة على العملات الوطنية والمضاربة في البورصات مروراً بامكانية القيام ببعض العمليات غير المشروعة كتبييض الأموال وغيرها، كما ان اعتماد النشاط الاقتصادي على المبادرات الفردية لا يمنع من دخول بعض الأشخاص الذين يستغلون قواعد الاقتصاد لممارسة أنشطة اقتصادية خادعة ووهمية كتوظيف الأموال وهو الأمر الذي يؤدى إلى ضياع أموال المودعين وغيره يقدم ابرز الأمثلة على ذلك، من ناحية أخرى أدى اعتماد النشاط الاقتصادي على المعرفة كمصدر لتوليد القيمة المضافة إلى ازدياد الأنشطة غير المشروعة لسرقة المكونات المعرفية للمنتجات المختلفة وازدياد عمليات النقل غير المشروعة للمعارف والأفكار الجديدة بالمخالفة لقواعد حماية الملكية الفكرية، كما أن ازدياد حدة التنافس على الأسواق أدى إلى ازدياد عمليات التجسس الاقتصادي ودون خوض في التفاصيل فان هذه المتغيرات الاقتصادية الجديدة تتولد عنها أنشطة أمنية جديدة كما أنها تؤثر على الأنشطة الأمنية التقليدية بمعنى انها توسع من دائرة حركة هذه الأنشطة داخليًا وخارجيًا، من ناحية أخرى فان علاقات الاعتماد الاقتصادي المتبادل والتشابك بين الأنشطة والعمليات الاقتصادية والتجارية والمالية في عالم اليوم تؤثر تأثيرًا مباشرًا على طبيعة الأنشطة الأمنية المعاصرة والأساليب الملائمة لانجازها.
المتغيرات الاجتماعية:
ان المجتمعات المعاصرة تشهد العديد من التحولات الاجتماعية الجديدة سواء على مستوى النخب الاجتماعية أو على مستوى الأبنية الاجتماعية أو على مستوى العلاقات الاجتماعية ومحصلة هذه التحولات تتمثل في اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ما ينجم عنه ازدياد معدلات التهميش والاستبعاد والحرمان الاجتماعي وازدياد سرعة الحراك الاجتماعي الصاعد والهابط، وتفكك التكوينات الاجتماعية التقليدية وبدء تشكل تكوينات اجتماعية جديدة، وظهور تقسيمات وتحالفات اجتماعية جديدة تتسم بالهشاشة والسيولة وسرعة التفكك، وازدياد حدة الاستقطابات الاجتماعية، تحلل منظومة القيم الاجتماعية وعدم تبلور منظومة جديدة.
هذه المتغيرات الاجتماعية ينتج عنها بالضرورة أنواع جديدة من الانحرافات التي لم تكن معهودة بل كان من الصعب تصور حدوثها كما انها تؤدي إلى تفاعلات معقدة ومتشعبة بين أبناء المجتمع قد تؤدي إلى ضرورة التدخل الأمني الذي يتطلب توظيفًا فعالاً لوسائل وأدوات الاتصال .
المتغيرات الثقافية:
أما المتغيرات الثقافية الجديدة ذات الصلة بموضوع الدراسة فتتلخص في ان المجتمعات المعاصرة تشهد صراعًا بين العديد من الاتجاهات الثقافية التي يعبر كل منها عن رؤية معينة للذات وللمجتمع ولمعنى الحياة بصفة عامة، فهناك الاتجاه العولمي الذي يرى ان ما يجمع البشر يفوق ما يفرق بينهم وانه قد ان الأوان لثقافة كونية واحدة تسود العالم متجاوزة كافة الاختلافات البشرية، وهناك اتجاه آخر يرى ان التنوع والاختلاف بين البشر هو السمة الأصيلة للمجتمعات البشرية وان كل مجتمع يتشكل من جماعات متمايزة لكل منها خصوصياتها الثقافية ورؤيتها لذاتها وللمجتمع والحياة وانه لا يمكن تجاوز مثل هذا التنوع بل لابد من التوصل إلى الآليات والوسائل التي تحقق القدر الملائم من تماسك المجتمع ووحدته من خلال التنوع، وثمة اتجاه ثالث يرى ان ما يشهده العالم من صراع ثقافي إنما يستهدف اخضاع الأمم والشعوب الضعيفة وتذويبها في أطر ثقافية جديدة، أو تفجيرها من الداخل من اجل ان تحكم القوى الاستعمارية الجديدة القديمة سيطرتها على مصائر هذه الشعوب والأمم فهذه بعض نماذج الاتجاهات الثقافية المعاصرة المتصارعة على عقول الناس في سائر المجتمعات البشرية، الأمر الذي يجعل من تطوير رؤية وسياسة وأساليب وأدوات كافة المؤسسات العاملة في هذه المجتمعات ضرورة ملحة لكي تستطيع القيام بمهامها والوفاء بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وخاصة المؤسسات التي تعمل في مجالات بالغة الحساسية والأهمية كالأجهزة الأمنية، ومن هنا تبرز أهمية الأنشطة الاتصالية لأجهزة الأمن ممثلة في الإعلام الأمني.
ونستخلص مما سبق أن تطور التكنولوجيا والاتصال والمتغيرات السابق الإشارة إليها وتفاعلاتها قد أدت إلى ازدياد الأهمية النسبية للإعلام في المجال الأمني.
سادساً: اشكاليات الاعلام الامني:
يواجه الإعلام الأمني العديد من الاشكاليات في واقع الممارسة ويمكننا أن نشير إلى أهمها وهي:
1. إشكالية الإفصاح والسرية: وهي إشكالية ترتبط بكل من الإعلام الذي يسعى إلى السبق ومن ثم الإفصاح السريع بصدد أي حدث والأمن الذي قد تتطلب المهام المكلف بالقيام بها الاحتفاظ بقدر من السرية لبعض المعلومات، والواقع أن أحد المهام الرئيسة للإعلام الأمني هي الوصول إلى نقطة التوازن الملائمة بين ما يمكن الإفصاح عنه وما يجب حجبه.
2. إشكالية الأمن والحرية: وهى إشكالية تواجه كافة المجتمعات المعاصرة وتتمثل في أن متطلبات تحقيق الأمن في بعض الظروف قد تؤدى إلى تقييد للحريات وهو الأمر الذي يتعارض مع الأسس التي تقوم عليها النظم الديموقراطية، والواقع ان الخبرات المعاصرة توضح أن الأولوية يجب أن تعطى للاعتبارات الأمنية وهو الأمر الذي شهدته أعرق الديموقراطيات على أن يكون ذلك في إطار القانون