بقلم: د.جميل حمداوي
تمهــيد:
تطرح اللغة الأمازيغية كثيرا من الإشكاليات والقضايا عندما نحاول استكناه أعماقها ودراسة مستوياتها اللسانية أو مقاربتها من الناحية الفيلولوجية (فقه اللغة) أو مقارنتها باللغة العربية. ومن ثم، يتساءل الكثير من الباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن الأمازيغي عن العلاقات الموجودة بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية: ماهي مظاهر الاتصال والانفصال بينهما؟ ومهما قدمنا من إجابات لهذه الأسئلة تبقى غير كافية ولا تشفي الغليل، وتتسم أيضا بالنسبية والتقريب والتخمين والافتراض لانعدام الأدلة العلمية الحقيقة وغلبة الهوى والذاتية والإيديولوجيا على الباحثين الذي يخوضون في هذا المضمار. لذا، سنحاول قدر الإمكان أن نقدم بعض الإجابات التي نعتبرها نسبية من الوجهة العلمية لقلة الوثائق والمصادر الأكاديمية الحقيقة، وبعد الفترة الزمنية المدروسة عن التوثيق الموضوعي والتدوين المحايد النزيه.
1/ أصـــول الأمازيغ:
يختلف كثير من الدارسين في تحديد جذور الأمازيغ، فقد جمع محمد خير فارس آراء مجموعة من الأنتروپولوجيين، فحصرها في عدة نماذج بربرية:” أحد هذه النماذج يمت إلى شعوب البحر المتوسط، والثاني يعود إلى أصول مشرقية، والثالث إلى أصول آلبية. وكما يقول ديبوا: هناك أيضا نموذج رابع هو النموذج الأبيض الأشقر، ولايمكن ربطه بالاحتلال الوندالي، فهو موجود منذ القديم”.
إذاً، هناك من الباحثين من يرى بأن الأمازيغ من أصول مشرقية عربية حميرية هاجروا بسبب الجفاف وتغير المناخ وكثرة الحروب إلى شمال أفريقيا من اليمن والشام عبر الحبشة ومصر، فاستقروا في شمال أفريقيا وبالضبط بالمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وغرب مصر، وشمال السودان، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاصو، وجزر الكناريا، والأندلس، وجزر صقلية بإيطاليا.
وقديما قال ابن خلدون: إن الأمازيغ كنعانيون تبربروا، أي إن البربر هم أحفاد مازيغ بن كنعان. وفي هذا المقام يقول ابن خلدون:” والحق الذي لاينبغي التعويل على غيره في شأنهم؛ إنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح؛ كما تقدم في أنساب الخليقة. وأن اسم أبيهم مازيغ، وإخوتهم أركيش، وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام”.
وقد قال قديما القديس الجزائري الأمازيغي أوغسطين قولة مأثورة وهي أن الأمازيغ كنعانيو الأصل:” إذا سألتم فلاحينا عن أصلهم؛ سيجيبون: نحن كنعانيون” ويؤيد هذا الطرح الباحث الفلسطيني الدكتور عزالدين المناصرة الذي أرجع الأمازيغيين وكتابتهم إلى أصول كنعانية إما فلسطينية وإما فينيقية لبنانية: ” لقد أخذت الأمازيغية نظام تربيع الحروف من هذه اللغات(يقصد اللغات السامية) كما أخذت نظام الحركات (الإشارات والتنقيط) من النظام الفلسطيني والنظام الطبراني. لكن أقرب مصدر للأمازيغية (حروف التيفيناغ التواركية) هواللغة الكنعانية الفينيقية القرطاجية. فالمصدر الأساسي للأمازيغية – إذا-ً هو الألفبائية الكنعانية التي تفرعت منها كل لغات العالم.
وقد أثرت الكنعانية مباشرة في اليونانية، ومن اليونانية، ولدت اللاتينية والسلاﭭية. فالأمازيغية لغة سامية حامية. والكنعانية هي اللغة الأولى في العالم التي مكنت الإنسان من تصوير كل صوت من أصوات اللغة برمز(المبدأ الأكروفوني). وصارت مجموعة الرموز تعكس كلمات بألفاظها وأصواتها. واحتفظ اليونانيون بأسماء الحروف الكنعانية. ولا خلاف على جغرافية بلاد كنعان فهي(فلسطين ولبنان وسوريا والأردن)، لكن فلسطين كانت هي المركز….”
ويرى الدكتور أحمد هبو أن الكتابة البربرية القديمة (تيفيناغ) استوحت مبادئها من الكنعانية الفينيقية. ولا علاقة للأمازيغية باللاتينية من قريب أو بعيد.”
وهناك من يقول بأن الأمازيغ شعب أتى من أوروپا والدليل على ذلك شعرهم الأشقر،وفي هذا يقول عثمان الكعاك: “يذهب البعض من العلماء إلى أن البربر من أصل هندي أوروپي، أي من الأصل اليافتي المنسوب إلى يافت بن نوح عليه السلام، خرجوا في عصور متقادمة من الهند ومروا بفارس ثم بالقوقاز، واجتازوا شمال أوروپا من فينلاندا إلى إسكندينافيا ثم بريطانيا الفرنسية ثم إسپانيا، ويستدلون على ذلك بالمعالم الميغالينية أو معالم الحجارة الكبرى من المصاطب(الدولمين) والمسلات(المنهيد) والمستديرات(الخرومليكس) التي بثوها على طول هذه الطريق وهي توجد بشمال أفريقيا وتنتهي بالمفيضة. كما يستدلون بأسماء قبائل الكيماريين بفينلاندا والسويد وبني عمارة في المغرب وخميس بتونس فالأسماء متشابهة جدا؛ أو بالحرف الروني المنقوش على المعالم الميغالينية فإنه يشبه الخط اللوبي المنقوش على الصخور بشمال أفريقيا ولبعض الخصائص البشرية كبياض القوقازي وزعرة الشعر المتصف بها الشماليون.”.
بيد أن هناك من الدارسين من يدافع عن الأصول الأفريقية للسكان الأمازيغ، ويعتبرونهم وحدهم السكان الأقدمين الذين استوطنوا شمال أفريقيا منذ زمن قديم. وأنه من العبث البحث في جذور الأمازيغيين مثل ماذهب إلى ذلك محمد شفيق حينما قال:” إن المؤرخين العرب كادوا يجزمون، في العصر الوسيط، أن” البربر” من أصل يماني، أي من العرب العاربة الذين لم يكن لهم قط عهد بالعجمة؛ وعلى نهجهم سار المنظرون للاستعمار الفرنسي الاستيطاني في القرن الماضي وأوائل هذا القرن، فأخذوا يتمحلون البراهين على أن البربر أورپيو المنبت، خاصة الشقر والبيض منهم. ومن الواضح أن الحافز في الادعاءين كليهما سياسي، سواء أكان صادرا عن حسن نية أم كان إرادة تبرير للاستيطان.
ومع تراجع الاستعمار الأوروپي عن أفريقية الشمالية، أخذت هذه المسألة العلمية تفرض على الباحثين كل تحفظ لازم، لاسيما تجاه المصادر المكتوبة، مالم تدعهما معطيات أخرى أكثر ضمانا للموضوعية.
وقد عمل بجد، خلال الأربعين سنة الأخيرة، على استغلال الإمكانيات الأركيولوجية والأنتروپولوجية واللسنية في البحث عن أصل الأمازيغيين، أو عن أصول المغاربة على الأصح. والنتائج الأولى التي أفضت إليها البحوث أن سكان أفريقية الشمالية الحاليين في جملتهم لهم صلة وثيقة بالإنسان الذي استقر بهذه الديار منذ ماقبل التاريخ، أي منذ ما قدر بــ9.000 سنة، من جهة؛ وأن المد البشري في هذه المنطقة، كان دائما يتجه وجهة الغرب انطلاقا من الشرق، من جهة أخرى. وبناء على هذا، يمكن القول إن من العبث أن يبحث لــ” بربر” عن موطن أصلي، غير الموطن الذي نشأوا فيه منذ مايقرب من مائة قرن. ومن يتكلف ذلك البحث يستوجب على نفسه أن يطبقه في التماس موطن أصلي للصينيين مثلا، أو لهنود الهند والسند، أو لقدماء المصريين، أو لليمانيين أنفسهم وللعرب كافة، ليعلم من أين جاؤوا إلى جزيرة العرب. ”
وهناك رأي آخر يقول بالأصل المزدوج للبربر، فهم حسب هذا الرأي يجمعون بين السلالتين: السلالة السامية والسلالة الهندو أورپية،” فالسلالة الأولى هي الهندية الأوروپية التي نزحت إلى إفريقيا من آسيا ثم أوروپا على الطريق الذي ذكرنا وبالأسلوب الذي ذكرناه في قولة سابقة ؛ والسلالة الثانية سامية أولى كما وصفنا، ثم التقت السلالتان بالمغرب، وهذا مايفسر لنا اختلاف الخصائص البشرية عند البربر في السحنة ولون الشعر والعيون وشكل الجمجمة وحتى اللهجات، وهذا مايفسر أيضا الخلاف القائم بين مصمودة وصنهاجة مثلا.”
وعلى أي، فالأمازيغ والعرب – في اعتقادنا – من جذور سلالية وجينيولوجية واحدة وهي الجذور الكنعانية السامية، ومن موطن واحد هو شبه الجزيرة العربية. وفي هذا السياق يقول ليون الأفريقي في كتابه ” وصف أفريقيا”:” لم يختلف مؤرخونا كثيرا في أصل الأفارقة، فيرى البعض أنهم ينتمون إلى الفلسطينيين الذين هاجروا إلى أفريقيا حين طردهم الأشوريون، فأقاموا بها لجودتها وخصبها، ويزعم آخرون أن أصلهم راجع إلى السبئيين(أي الحميريين) الذين كانوا يعيشون في اليمن قبل أن يطردهم الأشوريون أو الإثيوبيون منها، بينما يدعي فريق ثالث أن الأفارقة كانوا يسكنون بعض جهات آسيا، فحاربتهم شعوب معادية لهم، وألجأتهم إلى الفرار إلى بلاد الإغريق الخالية آنذاك من السكان، ثم تبعهم أعداؤهم إليها، فاضطروا إلى عبور بحر المورة واستقروا بإفريقيا، بينما استوطن أعداؤهم بلاد الإغريق. كل هذا خاص بالأفارقة البيض القاطنين في بلاد البربر ونوميديا.
أما الأفارقة السود بمعنى الكلمة فإنهم جميعا من نسل كوش بن حام بن نوح. ومهما اختلفت مظاهر الأفارقة البيض والسود، فإنهم ينتمون تقريبا إلى نفس الأصل، ذلك أن الأفارقة البيض، إما أتوا من فلسطين – والفلسطينيون ينتسبون إلى مصرائيم بن كوش-، وإما من بلاد سبأ، وسبأ بن هامة بن كوش-.” وعلى العموم، فالأمازيغ يشتركون مع العرب في الأصل السامي الكنعاني وفي موطن الانحدار والانطلاق الذي يتمثل في الجزيرة العربية. وهذا الرأي هو أقرب إلى الصواب في رأينا المتواضع، وبعد ذلك تفرق سكان الجزيرة العربية شذر مذر لأسباب مناخية واجتماعية ودينية، وأيضا بسبب الحروب والنزاعات الفردية والجماعية وبسبب الفتوحات والهجرات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
2/ الفصيلة اللغويـــة:
من المعروف أن الفصيلة السامية تشمل مجموعة من اللغات أولها: الكنعانية التي كان يتكلم بها سكان الشام (الأردن، وفلسطين، ولبنان، وسوريا)، وهي بدورها تضم مجموعة من اللهجات كالأجريتية والكنعانية القديمة، والمؤابية، والفينيقية، والعبرية. واللغة الثانية هي الآرامية ومقرها الجزيرة والعراق والشام أيضا. وشملت هذه اللغة المجموعة الشرقية بمافيها اللهجات السائدة في العراق، وشملت المجموعة الغربية منها اللهجات الباقية المستخدمة في سورية وفلسطين وشبه جزيرة سيناء. ومن اللغات الأخرى للفصيلة السامية نذكر: العربية الشمالية والعربية الجنوبية، فالعربية الجنوبية تضم اللغة القحطانية أو اليمنية القديمة، وهي بدورها تضم أربع لهجات ألا وهي: المعينية، والسبئية، والحضرمية، والقتبانية. وتشمل كذلك لغة الحبشية السامية التي تنقسم كذلك إلى الجعزية، والأمهرية، والتيجرية.
أما العربية الشمالية” فإننا لانكاد نعرف شيئا عن نشأتها والمراحل التي اجتازتها في عصورها الأولى، وهي قسمان: العربية البائدة التي لايتجاوز أقدم ماوصلنا من نقوشها القرن الأول ق.م، والعربية الباقية التي لا تجاوز آثارها القرن الخامس بعد الميلاد.”
أما الفصيلة الحامية فتتكون من البربرية والكوشيطية والمصرية. ومن هنا، فاللغة العربية لغة سامية، بينما البربرية لغة حامية.
وعلى الرغم من هذا التمييز في شجرة اللغات واللهجات، فثمة روابط متينة وكثيرة بين اللغات السامية واللغات الحامية مادامت مشتقة من نفس الشجرة السامية الحامية، ومادام البرابرة من أصول حميرية يمنية، ومادامت اللغة العربية والأمازيغية تنتميان إلى اللغة التحليلية ” المتصرفة التي تتغير أبنيتها بتغير المعاني وتحلل أجزاؤها المترابطة فيما بينها بروابط تدل على علاقاتها.”
وإذا كان الكثير من الدارسين اللغويين في مداخلاتهم وأبحاثهم اللسانية يذهبون إلى أن البربرية متفرعة عن لغات الفصيلة السامية، فأحمد بوكوس يرى أنها ” لغة مستقلة من حيث العلاقة الوراثية بالنسبة للعربية الفصحى،إذ تنتمي الأمازيغية إلى مايسمى بفصيلة اللغات الحامية، بينما تدخل العربية ضمن فصيلة اللغات السامية، وإن كانت هاتان الفصيلتان تشتركان على مستوى أعلى في إطار فصيلة الحامية- السامية وفي الفصيلة الإفريقية – الآسيوية.”
أما الباحث الجزائري سالم شاكر فيرى أن اللغة الأمازيغية أقدم من اللغة العربية بكثير وأقدم من الفصيلة السامية نفسها، وهي لغة مستقلة تنتمي إلى فصيلة اللغات الأفراسية وهي سابقة على السامية. ومن هنا يرى سالم شاكر بأن اللغة الأمازيغية:” ظهرت ما بين 10000 و9000 قبل اليوم، وبأنها لم تتفرع عن أي من اللغتين الأخريين (المصرية والسامية) حتى ولو كانت هذه العائلات اللغوية الثلاث(المصرية والأمازيغية والسامية) تتداخل في تعبيراتها المعجمية.
وهناك افتراض آخر يرى أن اللغة الأمازيغية هي التي تفرعت أولا من الكوشية ثم جاءت بعد ذلك اللغة المصرية، وفي آخر هذه التفريعات تأتي اللغة السامية.
وانطلاقا من مختلف هذه الآراء تحصل على فترة زمنية خاصة ببروز اللغة الأمازيغية تتراوح ما بين 10000و8000 سنة ماقبل الميلاد(أي مابين 12000و10000 قبل اليوم).”
وعلى أي حال، يتبين لنا بأن هناك من يدرج الأمازيغية ضمن الفصيلة الحامية، ومن يدرجها ضمن الفصيلة السامية، ومن يدرجها ضمن الفصيلة اليافتية، وهناك من يعتبرها كيانا لغويا مستقلا بنفسه.
3/ كتـــابة تيفيناغ:
تسمى كتابة الأمازيغيين بتيفيناغ أو تفنغ Tifinag أي خطنا أو كتابتنا أو اختراعنا، وقد وصلتنا هذه الكتابة مخطوطة عبر مجموعة من النقوش والصخور وشواهد القبور منذ آلاف من السنين، ولدينا من ذلك أكثر من ألف نقش على الصفائح الحجرية، بل يفوق 1300 نصا.
ومن ناحية أخرى، يذهب بعض الدارسين إلى أن تيفيناغ مشتقة من فنيق وفينيقيا. ويعني هذا أن اللغة الأمازيغية فرع من الأبجدية الفينيقية الكنعانية. وفي هذا يقول عبد الرحمن الجيلالي” لقد أقبل البربر على اللغة الكنعانية الفينيقية، عندما وجدوا ما فيها من القرب من لغتهم وبسبب التواصل العرقي بينهم وبين الفينيقيين”.
ويذهب الدكتور عزالدين المناصرة إلى أن اللغة الأمازيغية وأبجديتها فينيقية الأصل وكنعانية النشأة وعربية الجذور والأصول:” اللغة الأمازيغية متعددة اللهجات وهي قابلة للتطور إلى لغة راقية كالعربية وكتابتها بالحروف الطوارقية (التيفيناغ) هو الأصل، فالمفرد المذكر هو كلمة (أفنيق) مما يوحي فورا بكلمة فينقيا، وهذا يدلل على الأرجح أن اللغة الأمازيغية كنعانية قرطاجية، ولم تكن الكنعانية القرطاجية الفينيقية لغة غزاة، لأن القرطاجيين الفينيقيين هم الموجة الثانية من الكنعانيين. وبما أن أصل البربر الحقيقي هو أنهم كنعانيون فلسطينيون ولبنانيون على وجه التحديد، فإن السكان الأصليين للجزائر، البربر الأمازيغ، أي الموجة الأولى الكنعانية استقبلوا أشقاءهم الكنعانيين الفينيقيين ليس كغزاة، بل بصفتهم استكمالا للموجة الأولى. ومن الطبيعي بعد ذلك أنهم امتزجوا بالرومان والإغريق واللاتين. فالأصل أن تكتب الأمازيغية بحروف التيفيناغ التوارگية الكنعانية القرطاجية الفينيقية، وأصل هذه الحروف يعود إلى الكنعانية الفينيقية والعربية اليمنية الجعزية.”
وقد تأثر خط تيفيناغ في مساره التاريخي بالكتابة الفينيقية الكنعانية والكتابة المصرية والكتابة اليونانية والكتابة الليبية والكتابة اللاتينية والكتابة العربية خاصة على مستوى الحركات والصوائت. ويرى بوزياني الدراجي أن ” شيئا من الشبه يجمع بين الأمازيغية (الليبية) وما اكتشف من كتابة في جنوب إسبانيا بالإضافة إلى التشابه بينها وبين خط الاتروسگ وخطوط يونانية فرعية أخرى…. وربما هذا نتيجة الاحتكاكات التي حدثت عبر فترات تاريخية مختلفة. ولكن الراجح فيما ذكر هو الارتباط القوي بين اللغة الأمازيغية واللغات الحامية بالدرجة الأولى، ثم اللغات السامية في درجة ثانية.”
هذا، وتكتب الأمازيغية القديمة كما هو معلوم من الأعلى إلى الأسفل في البداية كما يتجلى ذلك في النقوش والصخور والكهوف، ليتم تطويعها من جميع الجهات، من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى،ومن اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين. واستمر وضع الكتابة على هذا الشكل إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إلى أن غير الطوارق صيغة الكتابة من اليمين إلى اليسار على غرار اللغة العربية. بيد أن الباحث الجزائري بوزياني الدراجي يرى أن هذا التغيير بدأ مع الفينيقيين:” وفي العهد الفينيقي أضحت كتابة ” تفنغ” تكتب من اليمين إلى الشمال؛مثلها مثل الخط الفينيقي.”
ومن المعلوم أن الكتابة الأمازيغية عبارة عن حروف صامتة وغير صائتة، كانت في البداية تتكون من 16 حرفا صامتا، وصار بعد ذلك 23 حرفا في عهد المملكة المازيلية النوميدية. وستضاف إليها بعض الحروف الصائتة مع الفتح العربي لشمال أفريقيا وتسمى:” تيدباكين”، وهذه الصوائت هي: الفتحة والضمة والكسرة. وتسمى الأبجدية الأمازيغية “أگامك”، لتصبح تيفيناغ اليوم عبارة عن 33 حرفا، منها 29 حرفا صامتا و4 صائتا. ويعني هذا أن الأمازيغية تشترك مع اللغة العربية في احتوائها على الصوائت والصوامت، بل أخذت الصوائت (الفتحة، والضمة، والكسرة، والسكون ) من شقيقتها العربية، كما استخدم حرف الهمزة العربي بكثرة في الأمازيغية (أغيور/الحمار،أسيمي/ الرضيع، أيندوز/العجل….)، وكان ذلك مع بدايات الفتوحات الإسلامية، كما اتخذ خط اللغة العربية في كتابة الأمازيغية وترجمة النصوص العربية ولاسيما الدينية والفقهية والفلسفية منها.
ومن خصائص الخط الأمازيغي القديم أنه خط صامتي يشبه الكتابة الأيقونية الإديوگرامية التي تعبر عن فكرة أو شيء أو صورة على غرار الكتابة الكنعانية. كما يخلو الخط من العلامات الصائتية، ويحضر هذا الخط في أشكال هندسية كدوائر ومثلثات ونقط وخطوط مفتوحة ومنغلقة ومتقاطعة وخطوط مائلة ومتنوعة.
هذا، وقد ترك لنا الأمازيغيون في شمال أفريقيا أكثر من ألف نقش على الصخور والكهوف والشواهد، و” تركوا عددا من النقوش التذكارية في تونس والجزائر خاصة، فيها ماهو مصحوب بترجمته اللاتينية أو الفينيقية؛ وقد قام الباحث جورج مارسي George Marcy بمحاولة جادة من أجل شرحها. لكن معظم النقوش الأمازيغية القديمة لاتزال تنتظر اختصاصيين يشترط فيهم أن يتقنوا الأمازيغية أولا، ثم إحدى اللغات الميتة الآتية: الفينيقية أو اليونانية أو اللاتينية.”
ومن ناحية أخرى، فقد كتبت الأمازيغية بخط تيفيناغ منذ فترة قديمة جدا ولم تصلنا نقوشها إلا مع عصر الجمل، كما كتبت الأمازيغية بالخط اللاتيني مع الرومان قديما والاستعمار الأوروپي حديثا، وكتبت كذلك بالحرف العربي لمدة طويلة أيضا وبالضبط منذ القرن الثاني والثالث عشر مع ابن تومرت الذي ترجم كتاب “التوحيد” أو كتاب “العقيدة” إلى اللغة الأمازيغية بواسطة الخط العربي. بيد أنه في القرن الثامن عشر الميلادي، ستنتشر الكتابات الأمازيغية المكتوبة بالخط العربي وبالضبط في منطقة سوس كالشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب وغيرها من كتب الشعر والدين والتصوف والتاريخ والسير. وقد واكب هذا التأليف المرحلة الإسلامية والفتوحات العربية لشمال أفريقيا، وكذلك مع تأثر المثقفين الأمازيغيين بالعلماء المسلمين في شتى المعارف والفنون والعلوم. وفي هذا الصدد يقول أحمد بوكوس:” أما عن المرحلة الإسلامية فإن المؤرخين، وخصوصا منهم مؤلفي الحوليات والسير، يتحدثون عن عدد غير يسير من المراجع المكتوبة باللسان الأمازيغي، منها الأدبيات الدينية للخوارج والبورغواطيين والموحدين ولكن جلها اندثر. لم نعد نحتفظ منها سوى ببعض أسماء الأعلام البشرية وأعلام الأمكنة وبعض الجمل المتناثرة. وحتى أشعار سيدي حمو الطالب التي قد تساعد على استقراء السمات العامة لأمازيغية القرن الثامن عشر لم يصل إلينا بعضها إلا عبر الرواية الشفوية. وهكذا، فإن من أقدم المؤلفات الموضوعة بالأمازيغية هي من إنجاز الفقهاء من أمثال أزناگ وأوزال. ولعل من أشهر هذه المؤلفات كتابي الفقيه محمد ؤعلي أوزال (الهوزالي) أي كتاب الحوض وكتاب بحر الدموع، أولهما يتناول قواعد الفقه وفق المذهب المالكي، وثانيهما في قضايا التصوف. لقد ألفا في القرن الثامن عشر بلسان تاشلحيت ودونا بالحرف العربي. والجدير بالذكر أن لغة هذه النصوص لاتختلف في شيء عن الأمازيغية الحديثة من حيث صرفها ومعجمها وتركيبها.”
ونستنتج من كل هذا أن اللغة الأمازيغية عبر مسارها النضالي وعبر تاريخها الطويل استعانت في فرض وجودها وكينونتها باللغة العربية وبخطوطها المتنوعة لتدوين المعارف والفنون والعلوم وكل الإبداعات الشخصية والجماعية لتنتقل من جيل إلى آخر لتعريف الأحفاد الأمازيغ بالتراث الذي خلفه الأسلاف والأجداد. والفضل بطبيعة الحال يعود بكل جدارة واستحقاق إلى ماقدمته اللغة العربية للغة الأمازيغية من تسهيلات على مستوى المشافهة والتحبير والتصنيف والتواصل.
3/ المستويــــــات للسانيــــــــــــــــــــة:
أ- المستوى الصوتي والإيقاعي:
إن الصوامت والصوائت الموجودة في اللغة الأمازيغية توجد أيضا في اللغة العربية، وتكاد تتشابه اللغتان في عدد الحروف والصوائت(28 حرفا بالنسبة للغة العربية، و29 بالنسبة اللغة الأمازيغية زائد أربع صوائت(33حرفا) أخذت من اللغة العربية كما يظهر ذلك في كتابات سكان الطوارق مع الفتح العربي الإسلامي).
ومن الأصوات التي تتميز بها اللغة الأمازيغية وغير موجودة في العربية نلفي: حرف الگاف G /في كلمة: أرگاز/الرجل، وحرف الزاي المشددة بثلاث نقط: ژ: أ ژرو / الحجر،، وحرف گو/ġ مثل: تاگورت(الباب)، أگجديف(نخلة). وهناك حروف موجودة في اللغة العربية وغير موجودة في اللغة الأمازيغية كالضاد والثاء(باستثناء اللهجة الريفية ينطق أبناؤها الثاء بشكل جيد: ثرايثماس:اسم امرأة).
كما أن الهمزة لاتنطق قاطعة في الأمازيغية إلا عند الابتداء كالعربية، أي في أول الكلام. فإن كانت مفتوحة كتبت على الألف(أضار/الرجل- أضار ئنو: رجلي)، وإن كانت مضمومة كتبت على الواو(ؤدم/الوجه- سيرد ودم نك: اغسل وجهك)، وإن كانت مكسورة كتبت على الياء(ئزم/الأسد- تنغام ئزم/قتلتم الأسد). أما في وسط الكلام فتحذف الهمزة كتابة ونطقا، ولايثبت إلا حرفها بصفته حركة لآخر حرف في الكلمة التي قبله.
ومن حيث الإيقاع العروضي، فقد تأثر الشعر الأمازيغي تأثرا كبيرا بالإيقاع العربي من حيث استعمال التصريع في البيت الأول، وتشغيل القافية الموحدة، واستخدام البيت المستقل ونظام الشطرين والرباعيات في الإيزري الأمازيغي الريفي، كما تأثر به على مستوى الهيكلة والبناء الشكلي؛ إذ يمكن الحديث اليوم في القصيدة الأمازيغية الحديثة والمعاصرة عن الشعر العمودي والشعر التفعيلي والقصيدة النثرية والموشحات الأمازيغية.
وعلى الرغم من ذلك، فالعروض الأمازيغي يتسم بخصوصيات محلية على مستوى البحور، فأوزانه غير موجودة في اللغة العربية. ففي الريفية يمكن التنصيص على إيقاع سداسي المقاطع:
لايارا لايارا لايارا لابويا
بينما في الشعر الأمازيغي السوسي نجد 11 وزنا عروضيا أصيلا حسب الرايس الحاج محمد الدمسيري وتسمى بــ” يان دمراون واسيف”، ولكل آسيف (جمع ءيسافن) قياس يسمى بآسقول، ولكل قياس تفاعيل تسمى بتالالايت.
ب- المستوى المورفو- تركيبي:
هناك من الباحثين اللسانيين الأمازيغ كالدكتور محمد الشامي وغيره من يثبت بأن تركيب الجملة الأمازيغية يشبه كثيرا تركيب اللغات الهندو أوربية التي تبتدئ بالاسم الذي يعقبه الفعل:sujet + verbe، والمقصود بهذا أن الجملة الأمازيغية أساسها الجملة الاسمية لا الفعلية كما في اللغة العربية.
مثال: يفاغ أورگاز: خرج الرجل/ Urgaz، فمورفيم (إ/u ) عبارة عن فاعل/ sujet وكلمة فاغ بمثابة فعل،أما أرگاز فهو فضلة توسيعية تأكيدية أو زائدة. ويعني هذا أن الجملة الأمازيغية جملة محمولية اسمية تصاغ على غرار اللغات الأجنبية التي تبتدئ بالاسم وبعدها الفعل.
أما الأستاذ محمد شفيق فيثبت بأن هناك تشابها كبيرا بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية على مستوى أنماط التركيب الجملي والمقولات الصرفية إلا أن المثنى في الأمازيغية يقترن بالعدد، بينما في العربية يحدد بالألف والنون في حالة الرفع، والياء والنون في حالتي النصب والجر. يقول محمد شفيق في كتابه:”أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية”:” نلاحظ أن التركيب الأمازيغي والتركيب العربي متشابهان، إلا أن الأمازيغية ليس فيها مثنى…
ويستخلص من النظر في الأمثلة المرصودة أن الفعل الأمازيغي تابع لفاعله، دائما، من حيث التذكير والتأنيث والإفراد والجمع، سواء أكان الفاعل اسما ظاهرا أم كان ضميرا عائدا، أكان عاقلا أم غير عاقل”. كما تتشابه اللغة الأمازيغية مع اللغة العربية على مستوى التداول، فهناك في اللغتين معا: الجملة التقريرية التأكيدية، والجملة الأمرية، والجملة الطلبية، والجملة التعبيرية البوحية الإفصاحية، والجملة الإعلانية التصريحية، والجملة الوعدية. وتستلزم اللغتان أيضا على مستوى التداول والتخاطب الكفاءة التواصلية (كفاءة لغوية، ومكون خطابي، ومكون مرجعي، ومكون سوسيوثقافي). كما تستوجب الكفاءة الخطابية بدورها في اللغتين معا التعرف على الخطاب الإخباري، والخطاب الوصفي، والخطاب السردي، والخطاب الحجاجي، والخطاب الشعري، والخطاب الدرامي.
ت- المستـــوى البلاغي:
هناك تشابه تام بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية على المستوى البلاغي والجمالي والفني في استعمال نفس الصور الشعرية أو الفنية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل والمجاز العقلي والرمز والأسطورة، وتشغيل المحسنات البلاغية كالتوازي والتجانس الصوتي والتكرار والطباق والمقابلة والمماثلة والاقتباس والتضمين والتناص، واستخدام الجمل الخبرية والإنشائية تقريبا بنفس السياقات التعبيرية مقالا ومقاما وبلاغة وفصاحة…كما تشترك اللغتان في توظيف التقرير والحقيقة في مقابل المجاز والانزياح الإيحائي.
ث- المستوى الدلالي والمعجمي:
من يتأمل مفردات اللغة الأمازيغية ومعجمها الدلالي، فسيجد أن معظم هذه الكلمات لها أصول عربية أو لها مقابلات في اللغات السامية كاللغة الكنعانية (العبرية والفينيقية….)، واللغات الحامية كالمصرية على سبيل التمثيل. ومن المؤكد أن اللغة القريبة من اللغة الأمازيغية هي اللغة العربية، وهذا ما أثبته گرينييه الذي قال بأن:” اللغة العربية هي الوحيدة التي نفذت كثيرا إلى اللغات البربرية.”.
وقد خصص الباحث المغربي محمد البومسهولي كتابا قيما تحت عنوان:” عروبة الأمازيغي بين الوهم والحقيقة” بين فيه عروبة الكثير من المفردات والأسماء والأرقام والأفعال في اللغة البربرية المغربية مؤكدا بأن:” اللهجة الأمازيغية عامة عبارة عن مفردات عربية صريحة فصيحة، أو مفردات مصرية قديمة أو عربية منسية، متروكة أو دخيلة وتارة غريبة تحتاج إلى وقت لإرجاعها إلى الأصل.
يبقى رأس مال الأمازيغية: اللكنة، والصيغة والنطق، وبإمكان الأمازيغ أن يبربروا جميع لغات العالم باستعمالهم:
اللكنة + الصيغة والتفعيلة + النطق وبعض حروف الربط.”
ومن هنا، فقد جمع الكاتب 271 كلمة أمازيغية لها أصل عربي في جميع سياقاتها اللغوية والدلالية، وخضعت في مسارها الفيلولوجي لخاصيات: الحذف والاستبدال و القلب والتصحيف والتحريف والتغيير الفونيتيكي. وأتبع الباحث معجمه الأمازيغي العربي بجدول للأسماء العلمية والأرقام التي بين عروبتها وانتماءها للغة العربية اعتمادا على الاشتقاق والمقابلة المعجمية. وانتهى بحثه بقوله:” وفي النهاية أكون قد رصدت نموذجا لبعض الألفاظ الأمازيغية التي استمدت جذورها من اللغة العربية الفصحى، تلك الألفاظ التي نالها أحيانا التحريف، ألفاظ يتبادر إلى الذهن أنها أمازيغية قحة بينما هي عربية صرفة”.
ومن جهة أخرى، ألف الدارس الليبي علي فهمي خشيم كتابا بعنوان:” الدارجة المغربية بين العربية والأمازيغية” يرد فيه على كتاب الأستاذ محمد شفيق:” الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية”، وهو معجم متوسط جمع فيه محمد شفيق كلمات الدارجة المغربية التي هي من جذور أمازيغية في الأصل.
ومن ثم، فكتاب علي فهمي خشيم تصحيح لماذهب إليه محمد شفيق حيث أرجع الباحث الكلمات الأمازيغية إلى أصولها العربية على امتداد 213 صفحة من الحجم الكبير. وفي هذا السياق يقول الباحث الليبي:” المشكلة التي يعانيها الأستاذ محمد شفيق تكمن في أنه لايرى، خاصة في السنوات الأخيرة من عمره المديد، أية علاقة ما بين العربية والأمازيغية، ويتوهم أن المفردات والتعبيرات في الدارجة المغربية وغيرها بالطبع من دارجات الشمال الأفريقي المتفقة وما في الأمازيغية انبثقت عن هذه الأخيرة. إنه يورد- على سبيل المثال- كلمات كأفراك (السياح)، أكوال (الدرابگة)، تاكرا (الإناء)، المزوار (النقيب)، السكيفة (الجرعة)، الدربالة (المرقع من الثياب)، أومليل (الأبيض)، أزنضار (الطوال)، أكلزيم (المعول)، أنفا (المرتفع)، آسفي (النهر)، أگادير (السور)، أماكدول (الصويرة- اسم مدينة).
ومن أسماء المواضع: إفران (الكهوف)، أزمور (الزيتون)، واليلي (الدفلى)، تافيلالت (الجرة)، أساسيس (الأرض المنبسطة)، تانسيفت (النهير) وغيرها كثير، فيرى أنها أمازيغية صرفة لاصلة لها بالعربية. وقد أثبتنا بالدليل أن هذه المفردات عروبية خالصة تشارك بها الأمازيغية والعربية العدنانية في انتمائهما إلى تلك الدوحة العظيمة: العروبية الأولى”.
ويعني هذا أن اللغة الأمازيغية تعتمد على الكثير من مفردات اللغة العربية من باب قانون التأثر والتأثير، بل تأثرت الأمازيغية بمجموعة من اللغات القديمة كالفينيقية واليونانية واللاتينية، كما تأثرت بمجموعة من اللغات الأجنبية المعاصرة كالفرنسية والإسپانية والهولندية والألمانية والإنجليزية واللهجات والعاميات المحلية….
أضف إلى ذلك أن اللغة الأمازيغية تتشابه مع اللغة العربية في احتوائهما على الدلالتين: الحرفية والمجازية، أوالدلالة التقريرية المباشرة والدلالة الانزياحية. كما تشمل اللغتان على حد سواء على الدلالة المفهومية الحدودية، والدلالة الإيحائية، والدلالة الاجتماعية، والدلالة العاطفية، والدلالة الانعكاسية، والدلالة التراتبية، والدلالة التيماتيكية(الموضوعية).
خاتمـــــة:
تلكم – إذاً- نظرة مقتضبة حول مواطن الاتصال والانفصال بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية، فقد أثبتنا أن هناك تشابها بين اللغتين على مستوى الجذور والفصيلة والمستويات اللسانية والكتابة، كما يمكن الحديث أيضا عن تعايش وتجاور بينهما على مستوى النحت والاشتقاق والتمزيغ والاستدخال اللغوي. فقد استعانت اللغة الأمازيغية بالخط العربي وصوائته وصوامته في انكتاب إبداعاتها وعلومها وفنونها. بيد أن هناك خصائص تميز اللغة الأمازيغية وتفردها عن اللغة العربية كمعيار الأقدمية (10000سنة)، ومعيار التداول الحيوي الذي يتجلى في كون اللغة الأمازيغية هي لغة التداول والتواصل في رقعة جغرافية تبلغ 9ملايين من الكيلومترات المربعة، بينما اللغة العربية أصبحت من اللغات الكلاسيكية المدرسية التي لانستعملها سوى في الكتابة الأكاديمية والتواصل الرسمي والتراسل الإداري للدولة. في حين نجد الأمازيغية لغة لاتتصف بالمعيارية كاللغة العربية، إذ “إن قواعدها تبقى ضمنية وغير متجلية في كتب ترسم معيار النطق السليم والمعنى الصحيح كما هو الحال بالنسبة لتلقي اللغات المدرسية”.
وعلي أي حال، فاللغة الأمازيغية واللغة العربية تشكلان لحمة مترابطة وآصرة لغوية متشابكة على مستوى ترابط الجذور واختلاطها اتساقا وانسجاما وتوارثا، كما أنهما توأمتان لايمكن الفصل بينهما نظرا للعلاقات الجوارية الطبيعة الموجودة بينهما والقائمة على التعايش والتكامل والانصهار الحضاري لغة وكتابة وتداولا على مر العصور.
حواشي
– محمد خير فارس: تنظيم الحماية الفرنسية(1921-1939) في المغرب،دمشق، صص:192-456؛
– د.عز الدين المناصرة: المسألة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، دار الشروق، الأردن، الطبعة الأولى 1999م، ص:77؛
– ابن خلدون: العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر،دار الكتاب اللبناني، بيروت،طبعة 1968م، المجلد السادس، ص:191؛
– E.F.Gautier: Le passé de l’Afrique du Nord,(les siècles obscures), Payot,Paris,1952, p:139;
– عز الدين المناصرة: المسألة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، ص:76؛
– أحمد هبو: الأبجدية: نشأة الكتابة وأشكالها عند الشعوب، منشورات دار الحوار، اللاذيقية، سوريا، الطبعة الأولى، سنة 1984؛
– عثمان الكعاك: البربر، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى،2003م،ص:58؛
– محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام الرباط، الطبعة الأولى 1989م، ص:19-20؛
-عثمان الكعاك: البـــربـــر، ص:59-60؛
– ليون الأفريقي: وصف أفريقيا،الجزء الأول،دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان،، الطبعة الثانية1983، ترجمة عن الفرنسية:محمد الأخضر ومحمد حجي،ص:35؛
– د.صبحي الصالح:دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة التاسعة، 1981م، ص:54؛
– صبحي الصالح: دراسة في فقه اللغة، ص:46؛
– أحمد بوكوس: الأمازيغية السياسة اللغوية والثقافية بالمغرب، مركز طارق بن زياد،، طبعة1، نونبر2003م، مطبعة فيديبرانت، الرباط، ص:15؛
– مصطفى أعشي: جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ماقبل التاريخ، طارق بن زياد، الرباط،الطبعة الأولى 2002م، ص:76؛
– محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام الرباط، الطبعة الأولى 1989م، ص:6؛
– عبد الرحمن الجيلالي: تاريخ الجزائر العام، دار الثقافة، طبعة رابعة، بيروت، 1980، ص:30-141 ؛
– د.عز الدين المناصرة: المسألة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، دار الشروق، الأردن، الطبعة الأولى 1999م، ص:69؛
– بوزياني الدراجي: القبائل الأمازيغية،الجزء الأول، ص:35؛
– بوزياني الدراجي: القبائل الأمازيغية،الجزء الأول، ص:35؛
– محمد شفيق:لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، الطبعة 1989م،ص:61-62؛
– محمد شفيق:لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين،،ص: 62؛
– أحمد بوكوس: الأمازيغية السياسة اللغوية والثقافية بالمغرب،ص:37.
– انظر عمر أمير: الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب،مكتبة بروﭭانس بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م، ص:145-148؛
– محمد شفيق: أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية، إصدارات إنفوبرانت، فاس، المغرب،الطبعة الثانية، 2003م،ص:113-115؛
– د.عز الدين المناصرة: المسألة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، ص:95-96؛
– محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى مارس2001م، ص:33؛
– محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة،ص:132؛
– علي فهمي خشيم: الدارجة المغربية بين العربية والأمازيغية، منشورات مجلة فكر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:15-16؛
– بودريس بلعيد: (تدريس الأمازيغية والمقاربة التواصلية)، مجلة حفريات مغربية، عدد خاص، يونيو 2003م، ص:34-38؛
– مصطفى أعشي: جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ماقبل التاريخ، ص:82.