الشتات الإفريقي: أي دور للاقتصاد المهاجر؟

يعتبر الاتحاد الإفريقي أن المغتربين الأفارقة هم التجمع الاقتصادي الإقليمي السادس لإفريقيا؛ إذ تُمثِّل تحويلات المغتربين الأفارقة في الدول الأوروبية وأميركا أداة تنموية بامتياز، ولا شك أنها إحدى الأدوات المهمة التي يمكن أن تسهم إسهامًا إيجابيًّا وفعَّالًا في تنمية اقتصادات البلدان المستقبِلة لها إذا ما توافرت البيئة المناسبة والسياسات الحكومية المحفِّزة للاستثمار والتي تمكِّنها من أداء هذا الدور بالشكل الصحيح والمطلوب.
تشكِّل عائدات الشتات الإفريقي مصدرًا أساسيًّا من مصادر الدخل في عدد كبير من الدول النامية ولما يُصطلح على تسميته بالاقتصادات العائلية الفقيرة، وخاصة في الحالات التي تكون فيها المرأة رئيسة بمفردها لعائلة كاملة، أو يُوكَل الأمر إلى المسنِّين والعاطلين عن العمل. كما تعطي هذه التحويلات دفعة مهمة للتنمية الاقتصادية في بلدان المهاجرين الأصلية، حيث تشكِّل التحويلات المالية نحو دول المغرب العربي مثلًا (تونس، الجزائر، المغرب: بحكم أنها أكثر البلدان التي يتدفق عُمَّالها على الدول الأوروبية) جزءًا مهمًّا من الناتج القومي المحلي لهذه الدول (من 2% إلى 20%)، وتُمثِّل هذه النسبة 85% إلى 90% من إجمالي الأموال التي يتم تحويلها من أوروبا إلى هذه البلدان بغية الادِّخار أو الاستثمار. وهذا ما أكَّدته “دراسة تحليلية خلص فيها فريق من برنامج تسهيلات الاستثمار للشراكة الأورومتوسطية إلى أن تحويلات أموال بعض العمال المهاجرين في أوروبا نحو بلدانهم الأصلية (بلدان حوض المتوسط الإفريقية) تقارب 7.1 مليارات يورو يجري تحويلها سنويًّا من دول أوروبا نحو دول جنوب المتوسط بالطرق الرسمية، ويرتفع المبلغ إلى 12 إلى 14 مليار يورو إذا أخذنا بعين الاعتبار الأموال التي تُحوَّل بطرق غير قانونية”(1).
لا مراء في أن التحويلات المالية تُشكِّل هيكلًا أساسيًّا في الرهان الميكرو والماكرو اقتصادي ومصدرًا حيويًّا من موارد دعم التنمية في الاقتصادات الناشئة؛ حيث تمثِّل مصدرًا مهمًّا من مصادر العملة الصعبة وعاملًا مهمًّا من عوامل تقليص حدَّة الفقر؛ لكونها تعتبر مصدرًا أساسيًّا من مصادر الدخل للكثير من العائلات في الدول النامية ودول العالم الثالث وبالأخص إذا تعرضنا للنسب المرتفعة للبطالة في الدول الموفِدة؛ إذ تبلغ هذه النسب مثلًا 12% و23.7% و15% في كلٍّ من المغرب والجزائر وتونس تباعًا؛ لذا يلجأ المهاجر عادة في وضعه الطبيعي إلى ترشيد الاستهلاك وتخفيض النفقات إلى حدِّها الأدنى إذ يتوقف حجم الأموال المتوفرة عند المهاجرين بالأساس على عوامل معينة، منها:
ظروف المعيشة والحياة في بلد الاستقبال؛ من حيث مستوى المعيشة والغلاء.
درجة اندماج المهاجر في المجتمع المرفَّه وتبنيه للنمط السائد للاستهلاك.
مستوى المعيشة والخدمات وتوافر العمل ومدى ارتفاع الأجور.
وأخيرًا، على التسهيلات المصرفية للتحويل ونقل الأموال فضلًا عن النسبة المئوية لهذه العملية.
وكما تذكر دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة بعنوان: التحويلات المالية للمهاجرين وأثرها على التنمية في بلدان المشرق العربي؛ فإنه: “عمومًا يتوقف مستوى الادخار على الأهداف التي حددها المهاجر لمشروعه المهجري؛ بحيث تشكِّل خطط المستقبل عاملًا حاسمًا في استعماله لدخله. وهنا تعتبر الهجرة مشروعًا اقتصاديًّا مبنيًّا على ادِّخار الحدِّ الأقصى من الدخل. بالنسبة للمهاجر هذا الادخار لا يُعتبر ما تبقى من دخله بعد خصم الاستهلاك، ولكن على العكس هو العنصر الذي يبحث المهاجر عن تنميته ويستهلك ما تبقى، فسلوكه كمدَّخِر يبقى السلوك الرئيس في المعادلة”(2).
كما أنه في بعض الأحيان تكون “السيولة المالية التي يُدخلها المهاجر معه بمناسبة العودة من أجل قضاء العطلة في بلده أو تلك التي يرسلها عن طريق بعض الأشخاص، مصدرًا من مصادر الادخار؛ إذ تسلك هذه التحويلات قنوات غير مهيكلة في اتجاه بلدان الأصل، هذه القنوات غالبًا ما تتشكَّل عن طريق الروابط العائلية والتجارية؛ إذ قد تزوِّد هذه السيولة المالية سوق الصرف الموازية بالعملة الصعبة”(3). وهذا ما يخلق نوعًا من الثراء النسبي (غير القانوني) عن طريق فارق الصرف بين السوق السوداء ذات المعدل المرتفع للصرف وسوق الصرف العادية التي تحدد أسعارها بناء على أرقام البنك المركزي كنوع من الضبط لأسعار الصرف محليًّا.
وهناك عدَّة عوامل أساسية أحدثت تغييرًا محوريًّا وهيكليًّا وستحدد مستقبل الدور المركزي للتحويلات المالية بحكم أنها أكثر فائدة للاقتصادات المحلية من المساعدات الإنمائية الدولية (413 مليار دولار حجم الحوالات النقدية للعام الماضي، 3 أضعاف المساعدات الإنمائية الدولية)، من بين هذه العوامل:
الثورة التكنولوجية والتنافس العالمي بين شركات تحويل الأموال (8% متوسط نسبة تحويل الأموال عالميًّا، و12% إلى إفريقيا، و20% من داخل إفريقيا).
الركود العالمي أو الأزمة المالية العالمية.
بالإضافة لشبكات المافيا العالمية لغسيل الأموال، والتي تعوق تطبيق الخيارات الأسرع والأرخص والأفضل للتحويل خوفًا من عمليات غسيل الأموال بالرغم من عدم توفر أدلة كافية تشير إلى أي ترابط يُذكر بين غسيل الأموال والحوالات النقدية الصغيرة.

مساهمة الشتات الإفريقي في الاقتصاد المحلي

شهدت التحويلات المالية إلى إفريقيا زيادة حادَّة، غير أن نسبة تكلفة التحويل التي تجنيها شركات التحويلات المالية لا تزال مرتفعة جدًّا. في عام 2014، ووفقًا للبنك الدولي فإن 120 مليون شخص في القارة الإفريقية قد استفادوا من 60 مليار دولار وصلتهم من أهله وأقاربهم من الشتات الإفريقي في الخارج، والملاحَظ أن هذا المبلغ الذي تم تحويله يزيد على المساعدات الإنمائية التي تحصل عليه القارة من طرف شركائها الأجانب؛ حيث إن تلك المساعدات ظلَّت في حدود 56 مليار دولار في نفس السنة 2014. ويعني هذا أن تحويل الأموال نحو إفريقيا أصبح مكسبًا ماليًّا غير متوقع، ويمكنه أن يساعد في تطوير اقتصادات القارة(4).
على أنَّ تدفقات الأموال من طرف المغتربين باتت محركًا رئيسيًّا من محركات الاقتصاد المحلي، وستزداد أهميتها إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن التوقعات الديموغرافية والتطور السكاني للقارة الإفريقية ينمو بشكل تصاعدي نحو مزيد من الفرص لتوسع دائرة الهجرة. ومن المحتمل أن يتحول سكان إفريقيا من 830 مليون عام 2010 إلى ملياري نسمة عام 2050. ولا يخفى -كما ذكرنا- أن شركات التحويلات المالية ستجني أرباحًا هائلة من الأموال التي يتم تحويلها نحو إفريقيا.
وكما ذكرنا أعلاه، فإن تحويلات الشتات الإفريقي تسهم بالأساس في حلول بعض المشاكل ذات الطبيعة الاجتماعية، ومن تلك المشاكل ما يتعلق بالعلاج أو تكاليف دراسة أبناء المهاجرين في بلدانهم الإفريقية، أو حتى في إيجاز المنازل.
والواقع أن هذه التحويلات لو تم توجيهها في مسارات استثمارية محددة وتمت إدارتها بحكمة لشكَّلت رؤوس أموال تعود بالنفع على الاستثمارات المحلية الحيوية، وعلى رأسها الحدُّ من الفقر. ولابد لتحقيق مثل هذا الهدف، من أن تلعب البنوك المحلية دورها في جذب هذه التحويلات ووضع آليات مشجعة ومغرية للشتات حتى تكون هذه البنوك قناة التدفق الرئيسية لهذه السيولة المالية، وهذا يعني أن على اللاعبين في النظام المصرفي وعي وفهم كيفية التعامل مع هذه الأموال وأن تشكِّل جسورًا مصرفية تشجِّع هذه الفئة من العملاء في الخارج على أن تهيكل علاقتها مع المصارف.
وفي الخلاصة، فإن هذه السياسة في مجال التعامل مع الشتات أصبحت أمرًا ملحًّا بالنسبة للبلدان الإفريقية التي عليها من الآن فصاعدًا أن تنظِّم بشكل منهجي إدارة ودعم الشتات من خلال توفير الفرص والتسهيلات الاستثمارية في البلاد، وما يعنيه ذلك من إنشاء نصوص تشريعية ومناخ جذب يخلق ثقة بين المصارف والشتات. وقد يعني هذا تعزيز ودعم المؤسسات المحلية والخاصة المهتمة بعمليات تحويل هذه الأموال. ويتأكد هذا الأمر إذا ما علمنا أن نسبة 12.4% من الأموال التي يحولها المهاجرون تذهب في تكاليف التحويل، وتستفيد منها شركات التحويل، وهي نسبة مرتفعة جدًّا، ويذهب بعض خبراء البنك الدولي إلى أن هذه النسبة يمكن أن تنزل إلى مستوى 5% من المبالغ المحولة؛ مما يعني أن هنالك مبلغًا يناهز أربعة مليارات دولار يمكن استعادتها لصالح الشتات الإفريقي(5).
وهذا يعني أن على الدول الإفريقية مراجعة سياساتها تجاه شركات تحويل الأموال، واستحداث نظام ضريبي يخفِّف من المخاطر الكامنة وراء تحويل الأموال، وخلق حوافز لاستفادة المصارف المحلية من التحويل فضلًا عن استحداث نصوص ونظام جبائي يجبر وكالات التحويل وشركاته على خفض الأسعار.
ولا تختلف الحال كثيرًا بين إفريقيا جنوب الصحراء وبين دول إفريقيا الشمالية وخصوصًا تونس والجزائر والمغرب، ذلك أن الحضور المغاربي المؤثِّر، والذي يزيد كثيرًا على سبعة ملايين نسمة في عموم العالم، ذو أهمية كبيرة سواء أكان قانونيًّا دائمًا أم غير قانوني مؤقتًا، فالعلاقة بين الضفة الشمالية للمتوسط مع الضفة الجنوبية علاقة متينة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع حظوة الجانب الاقتصادي بأهمية خاصة نظرًا للنفع الحاصل منه وتأثيره حتى على الأبعاد الأخرى بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فدور المغتربين مهم لمنطقة شمال إفريقيا بشكل عام وللدول المغاربية بشكل خاص، والتي ليست فقط واحدة من أقل المناطق تكاملًا في العالم، بل إن اقتصاداتها جميعًا تعاني أيضًا، وإن كان على مستويات متباينة، من فتور معتاد وهيكلي في استثمارات القطاع الخاص ومن ارتفاع معدلات البطالة (بما في ذلك بين الشباب من خريجي الجامعات)، كما أن التجارة البينية والاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذه المنطقة متدنية للغاية، ويمكن أن يشكِّل المغتربون من هذا الحيز المتداخل تاريخيًّا وجغرافيًّا وسكانيًّا محفزًا مهمًّا لدعم التكامل الإقليمي والاقتصادي، بيد أنه مطلب متعسر بالنسبة لهذه الدول التي لم ولن تبدأ في دراسة الاستفادة من هذه الإمكانيات، وليس هناك إلا القليل من الآليات لتيسير وتقدير الدور الذي يمكن أن يلعبه المغتربون المغاربة.
يتوزع خمسة ملايين مغربي على مئة دولة في العالم، يتمركز 85% منهم في دول الاتحاد الأوروبي ويحظى 400 ألف منهم بالاندماج التام في تلك البلدان كما يتوفرون على مستوى تعليمي كبير، ويشتغلون في مختبرات ومؤسسات مهمة بعدد من الدول التي يقيمون بها. ولذا، فإن المغرب يحتل المرتبة الثالثة من حيث التحويلات المالية للمهاجرين الأفارقة بعد كلٍّ من نيجيريا ومصر، وهو الأعلى من بين دول المغرب العربي بما يناهز الستة مليارات دولار يليه الجزائر بثلاثة مليارات دولار؛ حيث تمثِّل العمالة الجزائرية المهاجرة شريان حياة أساسيًّا للاقتصاد الجزائري، وإن اختلفت في بعض الجزئيات، حيث يبلغ حجم الودائع للمهاجرين الجزائريين في فرنسا وحدها زهاء التسعة مليارات يورو، مبرَّرَة بالحضور المؤثر للجالية الجزائرية، حيث تزيد على المليون ونصف المليون مواطن جزائري في فرنسا وحدها (94% من المهاجرين الجزائريين، و74% من المهاجرين التونسيين، و40% من المهاجرين المغاربة، موجودون في فرنسا وحدها).
تتجلى كثافة الجزائريين بشكل ملحوظ في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي، إلا أن حجم التحويلات المالية لهذه الجالية لا يتناسب مع العدد الكبير نسبيًّا والذي تمثِّله؛ إذ لا يتجاوز مجمل التحويلات المالية الأربعة مليارات دولار، مما يبرز نوعًا من عدم الثقة بين المواطن الجزائري في النظام المصرفي القائم في البلد الأم، مع لجوء الأخير للسوق السوداء كبديل عن سوق الصرف الرسمية. أمَّا تونس التي تتجاوز تحويلات مهاجريها المالية الملياري دولار (تمثِّل هذه النسبة 6% من الناتج المحلي التونسي) والتي يُقدَّر عدد مهاجريها بالمليون نسمة، والذين يمثلون أهم مصدر للاحتياط التونسي من النقد الأجنبي، إضافة لحوالي الـ 100 ألف مهاجر في البلدان العربية الأخرى والخليج خصوصًا والذين يمثِّلون 85% من الكفاءات التونسية الموجودة في مختلف البلدان العربية سنة 2014 بحسب الوكالة التونسية للتعاون الفني، “يتوزعون في قطاعات مختلفة، من أبرزها: التربية والتعليم والرياضة والصحة والخدمات الطبية وشبه الطبية ثم قطاع الهندسة، وأخيرًا قطاع التجارة والتسويق. ويُعدُّ مُعدل التحويلات القادمة من الخليج إلى تونس أكبر التحويلات المالية قيمة، مقارنة بتحويلات التونسيين المقيمين بالدول الأوروبية مثلًا والتي تقارب 1,15 مليار دولار مقابل 1,71 مليار دولار هي قيمة التحويلات التونسية من دول التعاون الخليجي”(6).
هذه الفئات العاملة والنشطة تسهم في جزء غير محدود من التنمية الاقتصادية للدول المغاربية بوجه عام وللاقتصادات العائلية الصغيرة؛ حيث تُعتبر على المستوى المحلي مصدرًا مهمًّا وفاعلًا في توفير ما يوجَّه بشكل مباشر إلى حاجيات الصحة والتعليم والاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ مما يحد من انتشار الفقر والبطالة ويساعد الدولة على مواجهتهما، كما أن تراكم العائد الضريبي في الأمد القصير والمتوسط والطويل يخلق نوعًا من رأس المال الموجَّه (في الحالة الطبيعية) نحو إقامة المزيد من المشاريع والاستثمارات الحكومية في سوق العمل وتنشيطها؛ لذا بات من الواجب الضروري على هذه الدول أن توجِّه المزيد من العناية والاهتمام لهذه الفئة النشطة والمهمة على كافة الصعد، مع التركيز على خلق نوع من الثقة المتبادلة بين أصحاب هذه التحويلات مع النظام المصرفي في الدولة الأم، مع تشجيع الاستثمار المباشر وإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من طرف هذه الفئات ذات الدخل العالي نسبيًّا.
وعلى الرغم من حرص الشتات الإفريقي عمومًا على المساهمة في بناء اقتصادات بلدانهم الأصلية من خلال ما يتم تحويله سنويًّا من أموال، إلا أن هناك عقبات كبيرة وكثيرة تحول دون تحقيق هذه المصالح. وإذا أرادت البلدان الإفريقية التغلب على هذه العقبات والاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي لدى الشتات فإن هناك حاجة ماسَّة لبذل جهود معتبرة من أجل إشراك الشتات في العملية التنموية والتنسيق معه(7).

التأثيرات المستقبلية لدور عائدات الشتات المالية

تلعب الفئات المهاجرة دورًا اقتصاديًّا محوريًّا في الأبعاد الاجتماعية والثقافية والجيواقتصادية من خلال التحويلات المالية والعينية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، وتتجسد إمكانياتها في السيولة الوفيرة، والدخل العالي، وهم أيضًا بحكم كفاءتهم العلمية أو على الأقل الذين يحملون شهادات عليا في تخصصات مهمة يُعتبرون أداة مهمة من أدوات اقتصاد المعرفة، فمثلًا تبلغ نسبة مغاربة المهجر من ذوي المهارات العالية 1,21% من المغرب ثم 0,87% من تونس فالجزائر 0,80%، مسبوقين بكلٍّ من أيرلندا ولبنان طبقًا لإحصائيات منظمة التعاون والميدان الاقتصادي، كما أنهم يتمتعون بقدرات تساعد على المساهمة في تطوير الصناعات بأوطانهم الأصلية.
إن اعتبار المهاجر مجرد حوالة مالية متنقلة مسألة مخلَّة بالدور الحقيقي لهذه الفئة، ومستقبلًا لابد من النظر إلى الفئات المهاجرة على أنها خبرات وطنية خارج الحدود مهمة وغير مستغَلَّة وعامل مهم من عوامل التنمية الاقتصادية للوطن الأم، ولابد من الاستفادة من احتكاكهم الدولي كما أنه بإمكانهم أن يلعبوا دورًا مهمًّا فيما بين شعوبهم والشعوب المُضيفة من خلال ربط أنشطة الأعمال وعولمة الأسواق مع الحرص على نقل معارفهم وخبراتهم الإدارية والمهنية لأصحاب العمل الحر والشباب المهني في أوطانهم، وفي الاستثمار من الخارج في مشاريع جديدة أو في شركات صغيرة ومتوسطة في بلدانهم الأصلية، وفي إنشاء روابط تجارية بين مختلف المؤسسات المحلية والعالمية، كما أن تساهم تحويلات المهاجرين المالية كجزء من رأس المال المكلَّف بتغطية الإنفاق العام على الصحة والتعليم والرعاية في تخفيف هذا العبء عن كاهل الدولة، غير أن الحظوة بها تظل نسبية مرهونة بالأسر التي تتمتع بوجود مهاجرين من أفرادها في الخارج، ومع ذلك تظل هذه التحويلات ذات تأثير عالمي أكثر من المساعدات الإنمائية الدولية.
على أنه لا يمكننا تقديم الهجرة كرابط متصل بالتنمية المحلية ويمكننا الاستفادة منها في تحسين نتائج التنمية، ومهما قدمنا من وصف لدور التحويلات المالية في إنماء الاقتصادات المستهدفة والحد من الفقر وإنعاش حركة السوق المحلية وتوفير السيولة المالية لأسر المهاجرين في الخارج، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون بديلًا عن الجهود والأدوار الحكومية لتحقيق النمو وتهيئة فرص العمل المحلية والسعي الحثيث للحد والقضاء على الفقر والبطالة مع توسيع مدى الإنفاق العام على متطلبات الصحة والتعليم والرعاية والإسكان وتمويل المشروعات الصغيرة وتشجيع الاستثمار الخارجي والحد من هجرة رؤوس الأموال، كما أنه، وعلى المستوى العالمي، لابد من سنِّ قوانين لتشجيع التنافسية وتخفيض المعدل المئوي لإرسال الأموال (تخفيض المعدل إلى 1% مثلًا, سيحرر العالم بذلك حوالي 30 مليار دولار من المدخرات سنويًّا, 30 مليار دولار هذا الرقم يفوق ميزانية المساعدات الثنائية التي تذهب لإفريقيا كل سنة).

__________
الإحالات
1 – انظر موقع إيلاف، وقد تم تصفحه يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2015:
http://elaph.com/Web/Economics/2006/3/134941.htm?sectionarchive=Economics#sthash.miBxL6Fb.dpuf
2 – انظر موقع الإسكوا، وقد تم تصفحه يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2015: إضغط هنا.
3 – نفس المرجع السابق.
4 – انظر موقع هافنغتون بوست، وقد تم تصفحه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2015:
http://www.huffingtonpost.fr/patrick-ndungidi/la-diaspora-africaine-une-puissance-financiere_b_7747420.html
5 – نفس المرجع السابق.
6- عن تحويلات المغتربين التونسيين والهاجس التونسي، انظر: موقع العربي الجديد، وقد تم تصفحه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2015:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/1/17/%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B3-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3
7 – انظر موقع البنك الدولي، وقد تم تصفحه في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015:
http://blogs.worldbank.org/trade/connecting-dots-engaging-african-diaspora-trade-investment-and-skills-transfer-africa-s-development

*باحث موريتاني في مجال الاقتصاد/ “الجزيرة”

اقرأ أيضا

مباحثات تجمع بوريطة بنظيرته الملغاشية في القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي

أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الأحد بأديس أبابا، مباحثات مع نظيرته الملغاشية، راساتا رافارافافيتافيكا، على هامش القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي.

بوريطة يتباحث بأديس أبابا مع نظيره الإثيوبي

أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الأحد بأديس أبابا، مباحثات مع نظيره الإثيوبي، تاي أتسكي سيلاسي، على هامش القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي.

بوريطة: التزام المغرب بتحقيق أهداف التنمية بإفريقيا نابع من الرؤية الملكية الاستراتيجية

أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أمس السبت بأديس أبابا، أن التزام المغرب بتحقيق أهداف التنمية بإفريقيا نابع من الرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *