في هذا الحوار الذي خص به موقع “مشاهد 24” يعود الدكتور عبد الواحد أكمير، رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات بالرباط، إلى جذور المطالب الانفصالية لإقليم كتالونيا عن إسبانيا ويعرض ردود الفعل التي يمكن أن تقوم بها الحكومة المركزية في مدريد على دعاة الانفصال ويجيب على التساؤل بخصوص ما إذا كانت عدوى الانفصال مرشحة للانتقال لمناطق أخرى في إسبانيا.
ما هي خلفيات التحرك الأخير لبرلمان إقليم كتالونيا وإعلان رغبته في الانفصال عن إسبانيا، وهل للأمر علاقة بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها المملكة الإسبانية؟
المطالب الانفصالية في كتالونيا قديمة، يمكن القول إنها تعود إلى عشرينات القرن العشرين، عندما ظهر حزب سياسي يسعى إلى الانفصال عن إسبانيا، وقد ارتفعت هذه المطالب أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ 1939)، لكن الديكتاتور فرانكو الذي تولى الحكم بعد الحرب لمدة حوالي أربعين سنة، قضى على كل التطلعات الداعية للانفصال. وعندما عادت الديمقراطية سنة 1975، لم تتجدد هذه المطالب، خصوصاً وأن نظام الحكم الذاتي الذي أقيم في كل الأقاليم الإسبانية، منح هذه الأقاليم سلطات واسعة. وفي سنة 2006، أجري استفتاء في كتالونيا للحصول على صلاحيات إضافية ذات طبيعة ثقافية واقتصادية، لكن في 2010، ألغت المحكمة الدستورية الإسبانية هذه الصلاحيات، آنذاك غضب القوميون الكاتالان، ورفعوا من سقف مطالبهم، التي وصلت اليوم إلى حد المطالبة بالانفصال عن إسبانيا. وما من شك أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا اليوم ساهمت هي الأخرى في الرفع من سقف المطالب، ذلك لأن كاتالونيا والتي تساهم بحوالي 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام لإسبانيا، تعتبر نفسها أنها تمنح إسبانيا أكثر مما تأخذ منها، وبالتالي تريد مزيداً من الاستقلال المالي والاقتصادي، والذي لن يتم الحصول عليه حسب القوميين الكاتالان، دون الحصول على الاستقلال.
ما هي الخيارات المطروحة أمام الحكومة المركزية في مدريد للرد على مساعي الانفصال (هناك من يتحدث عن إمكانية لجوء الحكومة إلى محاولة خنق إقليم كتالونيا اقتصاديا كورقة ضغط أو التدخل المباشر لفرض سلطة الحكومة في الإقليم)؟
الفصل 155 من الدستور الإسباني يمنح للحكومة المركزية في مدريد الحق في التدخل، وربما إلغاء نظام الحكم الذاتي إذا لم يلتزم الإقليم المعني ببنود هذا الدستور، والذي يعتبر إسبانيا كياناً غير قابل للتقسيم. بعد مصادقة برلمان كتالونيا على الإنفصال عن إسبانيا في الأسبوع ما قبل الماضي، قدمت حكومة راخوي طعناً أمام المحكمة الدستورية والتي لها وحدها الصلاحية للبث في الموضوع. وقد جمدت المحكمة قرار البرلمان لمدة 5 أشهر إلى أن يتم صدور الحكم النهائي. وأظن أن الحكومة المقبلة في إسبانيا والتي ستسفر عنها انتخابات 20 ديسمبر المقبل، وبغض النظر عن طيفها السياسي، ستحاول فتح حوار مع الانفصاليين وتفادي التصعيد، لأن حل المشكلة لا يمر عبر المحاكم وإنما عبر حوار سياسي بناء يحصل فيه توافق بين الطرفين المتنازعين.
هناك دول أوروبية فيها تنوع ثقافي مثل بلجيكا وسويسرا، لكن دعوات التقسيم بها خافتة. في ماذا تختلف إسبانيا في هذا الإطار؟
الوضع يختلف قليلاً لأن الأصوات التي تطالب بالاستقلال في هذه البلدان خافتة وليس لها أتباع ومتعاطفين بالحجم المسجل في كتالونيا. الآن المجتمع الكاتالاني منقسم إلى قسمين، أحدهما يطالب بالاستمرار في إسبانيا والآخر بالانفصال عنها. دعاة الاستقلال يمثلون حوالي نصف سكان كتالونيا، وهم دخلوا في مرحلة شد الحبل مع حكومة مدريد، ويُسخرون جميع الآليات المتوفرة لديهم بدهاء وبكثير من الإديولوجية والديماغوجية للإنفصال عن إسبانيا، مثلاً يستخدمون التاريخ بشكل إديولوجي، ويقولون بأن إسبانيا قامت بغزو كتالونيا في القرن الثامن عشر، ويستندون في ذلك إلى وقائع تجانب الصواب. ثم أن أحد أطراف التحالف القومي الداعي للاستقلال وهو تنظيم “ترشح الوحدة الوطنية” الذي ينتمي إلى اليسار الراديكالي، له أفكار لو طبقت لنجمت عنها عواقب وخيمة ليس فقط على إسبانيا بل على أوروبا برمتها، فهو مثلاً يدعوا إلى قطيعة مع الاتحاد الأوروبي، علماً بأن دور الاتحاد الأوروبي كان حاسماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها إسبانيا منذ انضمامها إليه سنة 1986.
هل من الممكن أن يطل شبح الانفصال على مناطق أخرى في إسبانيا من غير إقليم كتالونيا؟
هذا رهين بالتطورات التي سوف يعرفها ملف كتالونيا؛ إذا تم الوصول إلى توافق وحُل الخلاف من خلال المفاوضات، فأظن أن المطالب الانفصالية سوف تخمد في الأقاليم الأخرى، لكن إذا تعقدت الأمور أكثر واستمرت سياسة شد الحبل بين حكومة مدريد وبين حكومة إقليم كتالونيا، أو حصلت حكومة هذا الإقليم على امتيازات اقتصادية وسياسية ليست لأقاليم أخرى، فمن دون شك ستنتقل العدوى إلى بعض هذه الأقاليم التي توجد بها كذلك أصوات انفصالية، وعلى رأسها إقليم الباسك.
إقرأ أيضا: في ظل سعي كتالونيا للانفصال..ما هي الخيارات المطروحة أمام إسبانيا؟