بقلم: جواد الحمد
شكل اندلاع موجات الربيع متغيراً مهماً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وشكل كذلك بيئة سياسية وجيوسياسية عربية جديدة فيما يتعلق بفرص وتحديات إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية. وكانت قد تمكنت الفصائل الفلسطينية من التوصل إلى حزمة اتفاقات شاملة في أكثر من خمسين صفحة لتحقيق المصالحة الفلسطينية برعاية مصر وجهاز مخابراتها العامة. لكن اندلاع ثورة 25 يناير في مصر في أجواء الربيع العربي والتغير في الوضع القيادي بسقوط الرئيس مبارك ثم نائبه عمر سليمان لصالح استلام المجلس العسكري قيادة البلاد، غيَّر كثيراً في أولويات الدولة المصرية، وبرغم ذلك فقد وجد المجلس العسكري أن تحريك الملف الفلسطيني يحفظ لمصر دورها، فشجعت توقيع اتفاق تفعيل اتفاقات المصالحة في أيار/ مايو 2011. غير أن الاتفاق، وبرغم دوره في تحريك المياه الفلسطينية الراكدة في ملف المصالحة، لكنه لم يقدم الكثير حتى وقِّع اتفاق الدوحة في عام 2012، والذي لم يتمكن رئيس السلطة، برغم حرصه على توقيعه بنفسه مع خالد مشعل رئيس حركة حماس برعاية قطر، من تطبيق ما ورد فيه.
كما لم ينجح في تفعيل اتفاق جديد في القاهرة وقع ثانية في عام 2012، ليتجه الفلسطينيون إلى توقيع اتفاق جديد في مخيم الشاطئ في غزة دون رعاية أحد، فيما اعتبر اختراقاً مهماً بإعادة حكومة غزة إلى السلطة وتخلي حماس عنها ووضعها بتصرف رئيس السلطة لتشكيل حكومة التوافق الوطني وذلك في نيسان/ أبريل 2014. وهو الاتفاق الذي بدأت بواكير تطبيقه باعتراضات أمريكية وإسرائيلية ولذلك لم يتمكن أيضاً من الإقلاع بالمصالحة الفلسطينية، لتبقى المصالحة بعيدة المنال، على الرغم من كل التصريحات بتأييدها والدعوة إليها من جميع الأطراف في ظل تبادل اتهامات مرهقة للسياسة الفلسطينية، لتساهم كذلك في فرض جو سياسي غير مناسب عند اندلاع حرب غزة في حزيران/ يونيو 2014، والتي عمل الإسرائيليون على أن تضعف المقاومة وحركة حماس، فجاءت نتائجها العسكرية والأمنية والإعلامية داعمة للمقاومة مخيبة لآمال نتنياهو.
كان الرهان قبل الربيع أن تنجح مصر بوقوفها إلى جانب حركة فتح بفرض شروط مصالحة على حركة حماس لصالح الأولى، وكان رهان حماس على تغيّر النظام في مصر بتقوية موقفها، لكن تعثر مسار الربيع العربي وإشكالاته الداخلية غيَّر الرؤية والرهان لدى الطرفين، ولذلك فإن التقدم الطفيف في ملف المصالحة لم يتم إلا بعد أن قرر الفلسطينيون توقيعه في فلسطين ودون رعاية أحد!
المبحث الأول: المشهد الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج عند اندلاع الربيع العربي:
تشكل المشهد الفلسطيني عند اندلاع الربيع العربي من أربعة مكونات أساسية:
1. استمرار الانقسام وفشل محاولة تحريك اتفاقات المصالحة وخاصة فيما يتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير وإجراء انتخابات متزامنة في الداخل والخارج، وكان ذلك يلقي بظلاله على الوضع الفلسطيني الداخلي سلباً.
2. كانت مصر تمسك بالملف الفلسطيني وهي الراعية الأساسية للمصالحة، وحظيت بدعم عربي في توجهاتها، غير أنها لم تكن قادرة على تحريك الملف بسبب انحياز النظام فيها آنذاك لصالح طرف فلسطيني على حساب آخر لاعتبارات سياسية معلومة، وكان ملف المفاوضات مع “إسرائيل” متعثراً بسبب التعنت الإسرائيلي وبسبب ضعف الموقف العربي إزاء الموقف الفلسطيني بما فيها الموقف المصري.
3. تمكنت دبلوماسية وأعلام حركة فتح من إلقاء اللوم على حماس في نفس الوقت تعطيل تطبيق اتفاقات المصالحة، وكانت حماس تتعرض في نفس الوقت لضغوط من أصدقائها العرب وخاصة الخليجيين لتقديم متطلبات نجاح تحقيق المصالحة.
4. كانت حماس تتمتع بوضع أمني واستراتيجي مريح في قلب محور الممانعة سوريا، وكانت قد خرجت من حرب صعبة مع “إسرائيل” منتصرة بمفهوم المقاومة ولأول مرة في الداخل الفلسطيني، وهي تملك قوة عسكرية متميزة في غزة مدعومة بقوة من أطراف عربية وإسلامية عدة.
المبحث الثاني: أبرز التأثيرات للربيع العربي على طرفي المصالحة الفلسطينية:
لما اندلع الربيع العربي في تونس وترددت أرجاؤه في أنحاء العالم العربي وخاصة في مصر، أدركت كل من حماس وفتح أن المعادلات الإقليمية في طريقها إلى إعادة التشكل على أقل تقدير، إن لم تكن سوف تتغير كثيراً.
وبالفعل تغيرت المعادلات والاصطفافات —من حيث المبدأ— بصورة جديدة ووفق معادلة ومتغيرات وثوابت جديدة، وانتظر الفلسطينيون أن يجتاح الربيع ساحتهم، وارتفعت وتيرة الخوف والترقب لدى قيادة السلطة وفتح ومنظمة التحرير، حيث تبدى المشهد يتحرك لصالح تيار الإسلام السياسي الحليف الأيديولوجي لحركة حماس. وهو الأمر الذي سيوفر الفرصة لهذا التيار فلسطينياً أن يتقدم على بقية التيارات، وكان ذلك انعكاساً طبيعياً متوقعاً عربياً وفق التجارب التاريخية ووفق المؤشرات الأولية للربيع. وكان له على كل طرف انعكاساته الخاصة وفق ما يلي:
أولاً: على صعيد حركة فتح:
1. ساد الشعور بفقدان الحليف الأهم في مصر والأصدقاء في كل من تونس واليمن.
2. اتجهت حركة فتح لتنضم إلى كتلة المتضررين من الربيع بتوجهاتها إزاء دول الخليج وساهمت في تشجيعها على موقف غير مرحب بالربيع.
3. قامت حركة فتح بخطوات استباقية بتشجيع مسيرات ومظاهرات شعارها “الشعب يطالب بالمصالحة”، “الشعب يطالب بإنهاء الانقسام” في محاولة لاحتواء أي شعار يرفع لإنهاء أو إصلاح النظام في السلطة، وطرحت حركة حماس وقوى المقاومة شعارات مع هذا الشعار “الشعب يريد إنهاء الاحتلال”، وفعلاً نجحت الجهود الفلسطينية الفتحاوية في منع الربيع الفلسطيني أن يندلع، اللهم إلا تنامي توجهات الشباب داخل فتح وبعض الفصائل الأخرى وربما داخل حماس ذاتها مطالباً بدور أكبر للشباب من جهة، وباعتبار المصالحة الوطنية أولوية قصوى لدى الجميع.
4. كان من المفارقات المهمة محاولة حركة فتح إعادة ترميم علاقاتها السياسية مع النظام السوري في ظلّ توتر هذه العلاقة مع حماس بعد خروجها من سوريا بُعيد اندلاع الثورة فيها.
5. شعرت حركة فتح بارتياح بعد تراجع مدّ الربيع العربي حتى في ظل اندلاع الحروب الأهلية، واتجه إعلامها للحاق بالإعلام المناهض للتيار الإسلامي، وحاولت استغلال ضربة التيار الإسلامي في مصر لفك الارتباط الأيديولوجي والتنظيمي لحماس مع جماعة الإخوان المسلمين، واعترفت لاحقاً أن هذا يُعد شرطاً لنجاح المصالحة، علماً بأنها كانت تستخدم هذه العلاقة في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات للضغط على حماس!
ثانياً: على صعيد حركة حماس:
1. ساد الشعور لدى قيادة حماس بأن مخرجات الربيع الأولية أصبحت تصب باتجاه مشروعها السياسي التحرري وفي مربع دعم المقاومة بعد سقوط النظامين في تونس ومصر، وهما اللذان كانا يمثلان ركائز مهمة لعملية السلام والتطبيع مع “إسرائيل”، ويشكلون في نفس الوقت عامل ضغط عربي مستمر على المقاومة والمفاوض الفلسطيني على حدّ سواء.
2. كان لتقدم تيار الإسلام السياسي ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين في مصر واليمن وتونس وقع مهم واستراتيجي على طريقة تفكير وتخطيط حركة حماس، حيث سيوسع ذلك من دائرة الحلفاء، ويفتح الإقليم العربي والجامعة العربية على حركة حماس ومشروعها، إضافة إلى كل من سوريا وتركيا وإيران.
3. كان لاندلاع الثورة في سوريا وقع سلبي كبير على حماس وأفقدها أهم حلفائها الإقليميين العرب، وأفقدها موطئ قدم سياسي وإعلامي وعسكري وأمني، وفرض على حركة حماس البحث عن موطئ قدم أقل أهمية استراتيجية في معادلة الصراع بانتقالها إلى بلد آخر، رغم أهمية علاقات حماس السابقة وبَعد الربيع مع دولة قطر.
4. بدأت حركة حماس تشعر بإشكاليات الموقف الخليجي وتفاعلاته السلبية إزاء الربيع العربي، التي اعتمدت على قراءة وتحليل مختلف عما ذهبت إليه حماس، وبدأت تتلمس الإشكالية المستجدة في علاقاتها بدول الخليج بسبب موقف فتح والسلطة القريب من هذه الدول إزاء الربيع وبسبب تقارب مواقف حماس مع القيادات الجديدة في دول الربيع الأربع وعلاقاتها القوية بأكبر قوة سياسية في المعارضة السورية، وهو ما لم يَرُق لعدد من دول مجلس التعاون، من هنا تراجعت أهمية المصالحة الفلسطينية في ملف العلاقات الخليجية بالقضية الفلسطينية وفي الضغط على الرئيس عباس عدا قطر.
5. لم تنجح حركة حماس في إطلاق ربيع فلسطيني كما فعلت بقية القوى السياسية في دول الربيع، ولم تنجح في تثوير الفلسطينيين للقيام بانتفاضة جديدة على الاحتلال. وبرغم اندلاع ثلاثة حروب انتصرت فيها حماس كان اثنتان منها بعد الربيع العربي 2012 و2014، غير أنها بقيت تعاني من الضربات الأمنية القوية في الضفة الغربية على يد السلطة بقيادة فتح و”إسرائيل” في آن واحد.
6. برغم محاولات حماس الإعلامية والسياسية الابتعاد عن استعداء “محور الممانعة” غير أن الأمور تفاقمت حتى توقفت إيران عن دعمها كلياً، وزاد موقف النظام السوري منها ابتعاداً وامتعاضاً، بمعنى أن حماس لم تعد جزءاً من “مربع الممانعة التقليدي”. ولم تتمكن بطبيعة موقفها وسياساتها من اللحاق “بمحور الاعتدال” الذي تلقى ضربة قاسية جداً باندلاع الربيع، واستعاد بعض حيويته بعد النجاح في وقف مسار التحول الديموقراطي في مصر، واندلاع الحرب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن. ولذلك أضحت حماس أيضاً في حالة تراجع بعلاقاتها الإقليمية وفي الدعم الذي تتلقاه من الجانب العربي والإيراني على حدّ سواء.
7. تحولت حماس إلى قطر كدولة مضيفة بعد أن خسرت الساحة السورية، وتمكنت من الاستفادة من الموقف القطري المستقل عن بقية دول المجلس إزاء الربيع من جهة، وإزاء القضية الفلسطينية من جهة ثانية، وتجاه قطاع غزة من جهة ثالثة، وتجاه المقاومة ضد “إسرائيل” وردّ عدوانها بالحروب من جهة رابعة، كما تمكنت من تطوير علاقاتها بشكل أسرع مع تركيا على مختلف الصعد. الأمر الذي وفر لها بيئة حاضنة بديلة نسبياً في بعض الميادين، ليس من بينها الجانب العسكري أو الأمني أو حتى الأيديولوجي، وساعد على استمرار موقفها السياسي من المصالحة متماسكاً بوصف خيارها هذا خياراً استراتيجياً، كما أعلن رئيسها، وإن لم تعمل هذه العلاقات بشكل كافٍ على موازنة الضغوط الأخرى على فتح.
هذه التأثيرات وغيرها، مما لم تتناوله الورقة، شكلت دافعاً قوياً ومتنامياً لدى الطرفين للتوجه نحو المصالحة من حيث المبدأ، لكن العامل الإقليمي العربي والإسرائيلي والأمريكي وقف عائقاً حقيقياً أمام تحقيق تقدم مهم على هذا الصعيد، فيما يمكن اعتباره عدم قدرة الجانب الفلسطيني على المصالحة وتحقيق الوحدة ما دامت حسابات “إسرائيل” وأمريكا وحلفائهما من جهة، وحسابات أطراف عربية وإسلامية من جهة أخرى، تنطلق من مصالح غير فلسطينية واعتبارات لا علاقة لها بخدمة القضية الفلسطينية.
المبحث الثالث: المسار في تفعيل المصالحة بين مرحلتين:
مرّ مسار تفعيل المصالحة خلال سنوات الربيع العربي الأربع بمرحلتين مختلفتين:
الأولى: للفترة ما بين أيار/ مايو 2011 وتموز/ يوليو 2013، وهي التي شهدت المنطقة فيها تغيرات كانت المؤشرات فيها لصالح تقدم وقوة حركة حماس في العلاقات العربية وبالتالي إزاء طعم برنامجها المقاوم، والتي كان فيها تيار الإسلام السياسي يتقدم ويقود في معظم دول الربيع، الأمر الذي دفع فتح إلى توقيع اتفاق 2011 و2012.
الثانية: للفترة ما بين تموز/ يوليو 2013 وآذار/ مارس 2015، وهي الفترة التي شهد فيها الربيع العربي تراجعاً نسبياً وفقد التيار السياسي الإسلامي مناطق نفوذه وقوته في السلطة والتي كان آخرها في اليمن، حيث لم تكن البيئة العربية متحمسة للمصالحة الفلسطينية، وكانت تحاصر توجهات المقاومة، وأصبحت تستعيد عافية التطبيع العلني والسري، وانتعشت اتفاقات السلام الموقعة مع كل من مصر والأردن، وذلك برغم الفشل الذريع الفلسطيني في المفاوضات مع “إسرائيل”.
المبحث الرابع: علاقة مواقف الأطراف من المصالحة بعلاقاتها الإقليمية والدولية:
أولاً: حركة حماس:
1. شكلت علاقات حماس بإيران جزءاً من التحدي لقرار الحركة إزاء المصالحة الفلسطينية حيث لم تكن إيران تدعم مثل هذا التوجه وما تزال. (-)
2. شكلت علاقات حماس بكل من سوريا وقطر والسعودية واليمن ومصر تركيا وماليزيا عاملاً مساعداً على قرار الحركة إزاء المصالحة. (+)
3. شكلت علاقات حماس ببعض الدول الأوروبية وروسيا وجنوب إفريقيا عاملاً مشجعاً على التوجه نحو المصالحة. (+)
4. كان توتر علاقات الولايات المتحدة المستمر مع حماس عاملاً مساعداً على التوجه نحو المصالحة. (+)
5. شكلت علاقات حركة حماس بتيار الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين عاملاً إيجابياً في توجهها نحو المصالحة. (+)
6. شكل ابتعاد حماس عن أي علاقات مع تيارات السلفية الجهادية في المنطقة عاملاً مساعداً على توجهها نحو المصالحة. (+)
7. شكل اقتراب حركة حماس من التيارات اليسارية الدولية بما فيها علاقاتها مع العربية منها عاملاً مساعداً على التوجه نحو المصالحة إضافة إلى العلاقات مع التيارات القومية والوطنية. (+)
وبذلك شكلت علاقة حماس مع إيران عاملاً سلبياً إزاء المصالحة، غير أن بقية علاقات حماس شكلت عوامل إيجابية تغلبت على العامل الإيراني.
ثانياً: حركة فتح:
1. شكلت علاقات فتح بمحور “الاعتدال العربي” وبأقطاره منفردة عاملاً بوجهين، سلبي وإيجابي:
أ. سلبي من حيث دور هذه الدول على تشجيع حركة فتح على تطويع حركة حماس، وشقّ موقفها، والضغط عليها لتتخلى عن خط المقاومة. (+)
ب. إيجابي حيث عملت هذه الدول على توفير الأجواء للتوصل إلى مصالحة لتعيد حركة فتح إلى قيادة الشعب الفلسطيني، واستكمال تمثيل السلطة والمنظمة فلسطينياً للقيام بالسلام مع “إسرائيل”، وقد أسهمت كل من مصر والسعودية والأردن في ذلك باطراد. (-)
2. مثلت تحولات السياسة الخليجية إزاء الربيع العربي مدخلاً أساسياً لتحول موقف حركة فتح من المصالحة عملياً برغم أن حركة حماس قد اندفعت إليها أكثر من أي وقت مضى. (-)
3. شكلت علاقات فتح الإقليمية والدولية ومع “إسرائيل” عاملاً سلبياً في التوجه إلى المصالحة باستثناء سوريا قبل الربيع، والسعودية قبل عام 2008. (-)
4. لم تتمكن علاقات قطر وتركيا بفتح من التأثير على موقف الأخيرة إزاء المصالحة برغم علاقاتهما الحسنة أيضا مع فتح. (-)
5. كان غياب علاقات حركة فتح مع جماعة الإخوان المسلمين عاملاً سلبياً في التوجه نحو المصالحة. (-)
6. أسهم العامل الروسي إيجابياً بشكل عام في التأثير على موقف فتح من المصالحة. (+)
7. كان العامل الأمريكي سلبياً وما زال سلبياً إزاء توجه فتح نحو المصالحة. (-)
8. كان لغياب العلاقات بين فتح وإيران دور في التوجه السلبي، بينما لم يؤثر تحسن العلاقات معها بعد الانقلاب على الربيع العربي على توجه إيجابي لدى فتح إزاء المصالحة. (-)
9. كان لعلاقات فتح مع اليسار العربي والدولي ومع التيارات القومية العربية دور إيجابي في التوجه نحو المصالحة. (+)
حيث يتبين أن عاملين تقريباً من العلاقات يعملان إيجابياً في تشجيع فتح، فيما تعمل حوالي سبعة عوامل سلبياً في تردد قيادة فتح إزاء تطبيق اتفاقات المصالحة الموقعة.
في ضوء ما تمّ رصده مما ينعكس على وزن ودور العامل الإقليمي والدولي رسمياً وشعبياً على توجهات الطرفين نحو المصالحة، يتبين أنه عامل متغير ومتطور لكنه لم يمثل عاملاً حاسماً بالنسبة لحماس كما مثَّل في بعض المحطات لفتح، أي أن التأثير متأرجح، لكن وزنه حقيقي في إمكانية تحقيق المصالحة من عدمها.
المبحث الخامس: تطلعات كل طرف من المصالحة وموقع ذلك من مصالح الشعب الفلسطيني:
أولاً: حركة فتح:
1. استعادة زمام قيادة السلطة وتوحيد الموقف الفلسطيني خلف المفاوضات.
2. منع اندلاع أي حروب أو مواجهات شعبية مع الاحتلال.
3. استمرار تطبيق اتفاق أوسلو والدفع باتجاه الدولة الفلسطينية حتى وأن كانت منزوعة السلاح.
4. تحقيق نظرية الاحتواء الاقتصادي لقطاع غزة كما حصل بالضفة الغربية، وتخفيف عمق وقوة تيار المقاومة المسلحة.
5. قيادة مواجهة دبلوماسية مع “إسرائيل” دولياً تشكل بديلاً للمقاومة المباشرة وتبرر خط التسوية.
ثانياً: حركة حماس:
1. التخلص من عبء السلطة التي أثقلها في ظل الحصار في قطاع غزة.
2. المشاركة الفاعلة في صناعة القرار الفلسطيني.
3. استعادة الحضور الفكري والسياسي لبرنامج المقاومة المسلحة والشعبية ضد “إسرائيل”.
4. رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وتوفير الجهد لمواجهة الاحتلال.
5. استعادة علاقاتها العربية إلى ما قبل الربيع العربي خاصة مع دول الاعتدال والدول الخليجية.
6. استعادة مكانتها السياسية العامة في القضية بعيداً عن معركة الانقسام.
المبحث السادس: التحديات الأساسية القائمة والمتوقعة خلال العامين القادمين:
1. على صعيد القضية الفلسطينية: الجمود العملي في خط المفاوضات، وتفاقم المعاناة والحصار، والاستفراد، وضعف الموقف العربي الداعم.
2. التحديات الداخلية والتنظيمية: استمرار النفس الحزبي والتنسيق الأمني مع الاحتلال بموازاة استمرار حصار قطاع غزة وعجز السلطة عن تقديم الخدمات للقطاع، وربما حدوث خلخلة داخل التنظيمات باتجاه جيل قيادي شبابي جديد قد يغير المعادلة إن شكل اتصالات مبكرة فيما بينه، ونسَّق مواقفه قبل وصوله إلى القيادة في أي منهما.
3. التحديات العربية والإقليمية: استمرار ما يسمى بالحرب على الإرهاب واستنزاف معظم طاقات الأمة العسكرية والأمنية والإعلامية والسياسية والمالية فيه، وكذلك مواجهة تمدد النفوذ الإيراني في اليمن والعراق، ما يعني ضعف عامل الإسناد العربي والإسلامي على حدٍ سواء للطرفين.
4. التحديات الدولية: الانشغال بقضايا إقليمية ودولية أخرى واستمرار انقسام المجتمع الدولي في ظل المعطيات القائمة وفق رؤيته السابقة للتفاوض ولأمن “إسرائيل”.
5. التحديات الإسرائيلية: تزايد التطرف اليميني والتهديد والعنف والإرهاب ضد الفلسطينيين، وربما عمليات تصفية واغتيالات للَّعب على تركيبة القيادات الفلسطينية لدى الجميع. وتمرد “إسرائيل” على كل الضغوط الدولية بما فيها الضغوط الناعمة الأميركية، ومحاولاتها إقامة علاقات سرية مع دول عربية في أجواء الخلاف والانقسام العربي.
المبحث السابع: الفرص المتاحة للتوصل الى مصالحة تاريخية بين القوى الفلسطينية:
1. تفعيل واستثمار القدرات الذاتية وتطبيق اتفاقات المصالحة الموقعة.
2. تجاوز العقبات والارتباطات الإقليمية والدولية.
3. الانفكاك من خط المفاوضات والتسوية واستغلال الموقف المتطرف بزعامة نتنياهو وخلافه المؤقت مع الإدارة الأميركية.
4. توحيد وتفعيل استراتيجية المقاومة بمختلف أشكالها.
5. تجديد الدم القيادي في مختلف الفصائل للتماهي مع التحولات العربية والإقليمية والدولية ولتقلل حجم الخلافات الشخصية والتاريخية وتخفيف وزن المصالح الشخصية والجهوية في التوجهات والقرار إزاء المصالحة الوطنية.
6. التوصل إلى شكلٍ جديد من القيادة الجماعية الموحدة لمدة عامين يتم خلالها إعادة بناء وتطوير المؤسسات الأخرى.
* تم تقديم هذه الورقة في مؤتمر “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في 26-27 /2015/3.
* مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات