(عربي 21 – آمنة التويري)
نشرت صحيفة سلايت الناطقة باللغة الفرنسية تقريرا حول قيام مواطن فرنسي بقطع رأس مديره في مصنع الغاز، تناولت فيه الرمزية المعنوية والسياسية والاجتماعية لعقوبة قطع الرأس، التي لطالما استعملت لدى الجيوش سابقا؛ حيث تحيل على تجريد الشخص من إنسانيته وإلحاق المذلة به والإعلان عن هزيمته، ولفتت إلى أن هذه العقوبة تعود إلى الحضارتين اليونانية والرومانية بشكل خاص.
وأوردت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21“، أن أصل تسمية عقوبة الإعدام بكلمة كابيتال (capital) تعود إلى اللغة اللاتينية، ومنها التسمية الفرنسية لعقوبة الإعدام “بان كابيتال”، أي العقوبة الكبرى؛ حيث اشتُقَّت الكلمة من “كابوت” أو “كابوس”؛ أي الرأس باللغة اللاتينية.
وأضافت أن الموظف الفرنسي الذي أقدم على قطع رأس ضحيته ثم التسبب في انفجار بالشركة الصناعية في منطقة الإيزار بفرنسا يوم 26 حزيران/ يونيو الماضي، لم يقم فقط بمحاكاة قتلة الرهائن لدى تنظيم الدولة من صحفيين وأقباط وغيرهم؛ بل إنه انخرط في تقليد انتشر على مر التاريخ حاملا أبعادا ومعاني مختلفة.
وقالت “سلايت” إن عادة قطع الرأس باستعمال الفأس أو السكين أو السيف، تعود في الأصل إلى الجنود في الحروب، حيث أنها تعد بمثابة تأكيد الانتصار على العدو المهزوم والإعلان عن حسم نتيجة المعركة، علاوة على ما يحمله ذلك من رمزية معنوية تقوم على إذلاله.
ونقلت الصحيفة استهجان المؤرخ والجغرافي والفيلسوف اليوناني اسطرابون، في موسوعته الشهيرة “التاريخ الجغرافي”؛ لهذا التقليد العسكري الذي لطالما عُرِض على رؤوس الأشهاد في بعض قبائل بلاد الغال شرقي أوروبا، قبل أن يتم احتلال المنطقة من قبل الرومان.
غير أن اسطرابون أعرب لاحقا عن تعجبه من انتقال “طعم” الولع بالعادة “الحربية” لقطع الرأس إلى الرومان الذين تمارس حكومتهم عملية الذبح، غير أنها تحتفظ بها لمواطنيها “الأكثر احتراما”، في إشارة لأولئك الذين يحظون بمكانة اجتماعية وسياسية عالية، وكانت هذه الخاصية تعد من أساسيات قضاء المملكة الفرنسية.
وأحالت الصحيفة على مقابلة أجرتها الصحيفة السويسرية “لوتون” مع المحلل والمؤرخ “ميشال بورا”، الذي قال إن للأرستقراطيين امتيازا في هذا الصدد، حيث لا يمكن ليد الجلاد “الملحقة للعار” لمسهم، فيتم تنفيذ حكم الإعدام فيهم باستعمال السيف.
كما أفادت بأن هذا الامتياز يمكن أن يطال أعتى المتآمرين من “النبلاء”، وهو ما تم بالفعل في قضية الماركيز هنري كوافي دو روزي دافيا الذي ثبت تآمره على الوزير الأول للملك هنري الثالث عشر.
وتبعا لذلك، قالت الصحيفة إن التنقيح الذي طال القانون الفرنسي في السنوات الأولى من الثورة بخصوص عقوبة الإعدام كان “حتمية ديمقراطية”، حيث تم اعتماد المقصلة كوسيلة “متطورة” لقطع الرأس، وانطلقت المطالبة بالمساواة بين الجميع أمام القانون، إلى حد التوصل لقرار إلغاء عقوبة الإعدام.
وأشارت إلى الرمزية السياسية لعقوبة قطع الرأس في فترة الرعب خاصة، عندما انتشرت الجرائم وعمت الفوضى فرنسا عقب الثورة، وهو ما تحدث عنه الصحفي “الثوري” جاك هابار، الذي لطالما أشاد بمبادئ “الحرية” و”المساواة” التي تكرسها المقصلة.
غير أن الأبعاد المعنوية والاجتماعية والسياسية لهذه العقوبة تعود إلى ما قبل فترة الرعب، حين نفذت في لويس الثالث عشر أمام الملأ، حيث يرمز قطع الرأس إلى قطع أثر الشخص والتيار الذي يمثله، كما لو أنها الطريقة الوحيدة لقطع دابر الاستبداد، وضمان عدم عودته مجددا.
وقالت الصحيفة إن مراحل هذه العقوبة من ذبح للمُدان وفصل لرأسه عن جسده؛ تذكر بما تتعرض له الحيوانات لدى الجزارين، وهو ما يرمز إلى تجريده من إنسانيته (المدان) علاوة على إقصائه من ركب الحياة.
كما نقلت الرؤية الفلسفية للرأس، التي تراه بوصفه معقل الإنسانية ومركز العقل، بما يرمز إليه من فكر.
من جهته، شدد الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفناس؛ على رمزية الوجه الذي تتجلى فيه الجوانب الأخلاقية للأنا، حيث أن من شأن تقاسيم الوجه أن تكشف ما تخفيه النفس البشرية، فهو مرآة النفس وانعكاس ما يختلج فيها.
وفي الختام، أشار الموقع إلى انتشار الفلسفة الممعنة في تمجيد الوجه والإعلاء من قيمته المعنوية والإنسانية، في أوائل القرن العشرين، وهو ما يؤكد عمق تأثير عقوبة قطع الرأس وفصله عن الجسد، بما يحمله من أثر على الوجه وتقاسيمه، في مجتمعات ذلك العصر.