نحن والتاريخ

ظل الإنتاج في مجال التاريخ، خلال مراحل طويلة من تاريخ المغرب، محدودا، وذلك بخلاف ما قد يبدو انطباعا سائدا، وبشكل مفارق أيضا للتمثل الذي كان سائدا عن علم التاريخ باعتباره، كما يصفه عدد من أعلامه، حقلا يحظى بأفضلية خاصة، إلى درجة أنه لا توجد مقدمة كتاب تاريخ، حسب المستشرق الفرنسي ليفي بروفنصال، لم يذكر فيها صاحبها آية قرآنية، أو حديثا شريفا، للاستدلال على ما في التاريخ من فوائد.
وشكلت وضعية تدريس التاريخ امتدادا لهذا الوضع المفارق، حيث تكاد برامجه التي عرفتها مختلف المراكز التعليمية، بما فيها جامعة القرويين، تخلو من أي مادة مرتبطة بعلم التاريخ نفسه، وهو ما تؤكده الأعمال التي اهتمت بتاريخ جامعة القرويين، ومنها أساسا كتابا “جامع القرويين” لعبد الهادي التازي و”فاس قبل الحماية” لرودي لوطرنو. وذلك خارج ما كان يتم التطرق إليه في إطار جوانب تاريخية متفرقة ترتبط بالعلوم الدينية، ومنها السيرة النبوية على سبيل المثال.
وكرست مختلف الإصلاحات التي اهتمّت ببرامج التدريس، هذا الغياب، ومنها الإصلاحات التي حملها منشور السلطان محمد بن عبدالله، الصادر سنة 1789. ويختزل بروفنصال هذا الوضع، بشكل دقيق، في سياق حديثه عن اهتمام العالِم المغربي بالتاريخ “ومما يزيد العالِم التشبث بهذا الرأي هو أنه لم ير، مدة طلبِه للعلم، شيخا من شيوخه حثَّه على دراسة ماضي المغرب، سواء السياسي منه أو الأدبي، فكيف والحالة هذه، ألا يولي ظهره لمادة لم تُخصَّص لها ولو ساعة واحدة من تلك الساعات العديدة المخصصة للنحو أو للفقه مثلا؟”.

إقرأ أيضا: إشراقات من التاريخ المغربي

أما المتوفر من الإنتاج، فقد توزع على مجالين. تجلى الأول في التراجم، وقد استند الاهتمامُ بها على خصوصية التراكم الذي عرفته الثقافة الإسلامية عموما على مستوى السيرة النبوية، وعلى أهمية التراجم نفسِها باعتبارها مصدر معلومات تاريخية وثقافية، ومن ذلك على سبيل المثال، نموذج كتاب “مرآة المحاسن” الذي خصه محمد العربي بن يوسف الفاسي لمناقب جد العائلة الفاسية، أبي المحاسن الفاسي.
أما المجال الثاني فارتبط بالتأليف في تاريخ الدول والملوك. ويعدّ جانب كبير منه امتدادا لتقاليد ارتبطت بكتابة التاريخ الرسمي، ومن مظاهرها، كما يحددها بن عبد الوهاب بنمنصور، الذي كان مؤرخا للمملكة المغربية، حرص جميع الأسر التي تعاقبت على ملك المغرب على أن يكون لها “مؤرخون يسجلون أخبارها، ويخلدون أحداثها”.
في مقابل ذلك، سيشكل صدور عدد من الأعمال الكبرى، في أكثر من طبعة أحيانا، صورة عن تصالح المغاربة مع علم منحوه، بشكل مفارق، الأفضلية، ومن ذلك صدور “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا” لأحمد بن خالد الناصري، عن وزارة الثقافة المغربية، سنة 2001، وذلك بعد أن كان الناصري قد اختار طبع كتابه بالقاهرة قبل قرن ونيف.

*كاتب من المغرب/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *