مدفع رمضان.. تقليد تاريخي للإعلان عن موعد الإفطار

مدفع رمضان هو مدفع يستخدم كإعلان عن موعد الإفطار وإخبار العامة عن هذا الموعد، وهو تقليد متبع في العديد من الدول الإسلامية، بحيث يتم إطلاق قذيفة مدفعية صوتية لحظة مغيب الشمس، معلنًا فك الصوم خلال شهر رمضان.
وأول مدفع خرجت منه قذيفة للإفطار ذكره المؤرخ المصري إبراهيم عناني في إحدى كتاباته، وقال إنه ينتمي إلى نوعية مدافع “كروب”، ويزن ما يقرب من نصف طن، وهو ما ينطبق على المدفع الذي يوجد بمتحف المقتنيات الفنية، الذي يتخذ من قصر الأميرة فاطمة إسماعيل مكانًا له.
في قصر الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديوِ إسماعيل، يوجد مدفع إفطار تاريخي يسمى “مدفع الحاجة فاطمة” الذي تباينت روايات المؤرخين حول أسباب تسميته بهذا الاسم، ولكن الرواية الأشهر بهذا الصدد تقر بأن اسمه يقترن بالأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوِ إسماعيل الذي حكم مصر من 18 يناير 1863 إلى 26 يونيو 1879.
وعن أول مدينة يطلق فيها مدفع الإفطار يقول صلاح الناظر، باحث أثري حر، إن الروايات التاريخية تذكر أنها القاهرة، فعند غروب شمس اليوم الأول من رمضان عام 865 هـ، أراد خوش قدم والي مصر في العصر الإخشيدي أن يجرب مدفعاً جديداً أهداه له أحد الولاة فى وقت الغروب، وظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم، تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم، قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار، ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك.
وأشار الناظر إلى أن هناك رواية تقول إن انطلاق مدفع الإفطار فى عهد محمد على باشا، وجاء بمحض الصدفة، حيث كان محمد علي مهتمًّا بتحديث الجيش المصري وبنائه بشكل قوي، يتيح له الدفاع عن مصالح البلاد، وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة من ألمانيا، انطلقت قذيفة المدفع مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وكان ذلك سبباً في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، واستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور.
وتابع أنه “في منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في عهد الوالي “عباس حلمي الأول” عام 1853، كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول بالعباسية، وبمضى الوقت توقف المدفع عن الانطلاق”.
وكشف عن أنه “فى عهد الخديوِ اسماعيل، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة الخديوِ؛ لطلب استمرار عمل المدفع في رمضان، ولكنه لم يكن موجودًا، فقابلوا الحاجة فاطمة ابنته التى أصدرت فرمانًا بانطلاق المدفع وقت الإفطار والسحور، وأضيف بعد ذلك في الأعياد، فأطلق عليه الأهالي اسم “الحاجة فاطمة”، ومنذ ذلك الوقت ومدفع رمضان ينطلق من قلعة صلاح الدين بالقاهرة، واستمر هذا حتى وقت قريب”.
توقف مدفع الإفطار عن عمله لفترة، وكانت الجماهير تفطر على صوته المسجل في الإذاعة، إلا أنه عاد مرة أخرى بناء على أوامر وزير الداخلية أحمد رشدي الذي أمر بتشغيله ثانية، ومن المكان نفسه فوق سطح القلعة، طوال أيام شهر رمضان وخلال أيام عيد الفطر أيضاً.
واعترضت هيئة الآثار المصرية؛ لأن المدفع يهز جدران القلعة والمسجد والمتاحف الموجودة في المكان، ووافقت وزارة الداخلية على نقله مرة أخرى من القلعة إلى جبل المقطم القريب أعلى القاهرة، مما يتيح لكل أبناء العاصمة الكبيرة سماعه، وقد انتقلت هذه العادة بإطلاق مدفع رمضان إلى الكثير من محافظات مصر؛ لأنها تضفي البهجة على هذا الشهر الكريم، ويخصص لكل مدفع مجموعة من صف الضباط الأكفاء؛ حتى لا تتقدم أو تتأخر الأوقات، ويكون ذلك تحت إشراف الجهات الأمنية.
ومن مصر إلى الدول العربية بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الشام أولاً، القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت، حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح، وذلك عام 1907، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب إفريقيا، مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944.

اقرأ أيضا

المغرب ودول إفريقيا وآسيا

ما هي الأبعاد الاستراتيجية للعلاقة بين المغرب ودول إفريقيا وآسيا ؟

خلال السنوات والأشهر الأخيرة، أحدث الملك محمد السادس نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين المغرب ودول إفريقيا وآسيا كما يظهر ذلك مقال لجون أبي نادر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *