عند انعقاد المؤتمرات الوطنية للأحزاب السياسية يتطلع المواطنون إلى الأفق عساه يحمل إليهم ما ينبيء بتجدد النخبة، التي تتصدر المشهد الحزبي،لكنهم سرعان ما يصابون بخيبة الأمل،لتعود نفس الوجوه،ونفس الأسماء تقريبا،إلى الواجهة من جديد،وكأن هذه الأرض الطيبة والمعطاء،أصيبت بالعقم،ولم تنجب غير هؤلاء الذين يتمسكون بالكراسي،غير آبهين بإفساح المجال في وجه الشباب.
مناسبة هذا الكلام،دخول بعض الهيئات السياسية المغربية في سباق مع الزمن، من أجل توفير الشروط الملائمة لعقد مؤتمراتها الوطنية،لتجديد هياكلها وهيئاتها المقررة، وهي أحزاب الاستقلال،والاتحاد الاشتراكي القوات الشعبية، والعدالة والتنمية.
ويأتي عقد هذه المؤتمرات في سياق اتسم مؤخرا بالجمود الذي طبع الحياة السياسية في البلاد،وأدى إلى توقف بعض المؤسسات عن ممارسة مهامها،مثل البرلمان وغيره،نتيجة الانسداد الذي عرفه مسار تشكيل الحكومة، على مدى أكثر من خمسة شهور، من الشد والجذب بين مختلف الأطراف السياسية،ماأدى في النهاية إلى تكليف سعد الدين العثماني،رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية،بهذه المهمة،من طرف جلالة الملك محمد السادس.
ولعل أول حزب يتبادر إلى الذهن، هو حزب الاستقلال الذي يعرف مخاضا تنظيميا عسيرا،ربما يعصف بأمينه العام حميد شباط،على خلفية تصريحه المثير للجدل بشأن موريتانيا،وما نتج عنه من تداعيات وصراعات داخلية،دفعت اقرب المقربين إليه سابقا،إلى انتقاده،خاصة بعد إبعاد الحزب من المفاوضات حول الحكومة،في عهد عبد الإله بنكيران،رئيس الحكومة المكلف سابقا.
وفي الوقت الذي كان مقررا فيه تنظيم مؤتمر حزب الاستقلال السابع عشر،في أواخر شهر مارس الحالي،أصبح الاتجاه السائد حاليا،هو تأجيل موعد انعقاده،لربح مزيد من الوقت،في انتظار أن تهدأ الأجواء داخل أعرق تنظيم حزبي بالمغرب.
وفي انتظار الحسم في موعد المؤتمر،والذي قد ينعقد في شهر ماي المقبل،اتضح بشكل رسمي،أن نزار بركة،رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي،قد عقد العزم على الترشح لزعامة حزب الاستقلال،وذلك خلال حفل خاص أقيم يوم السبت الأخير،بحضور عدد من القياديين والبرلمانيين في طنجة بشمال المملكة،معبرين عن دعمهم له.
حزب الاتحاد الاشتراكي،الطامح لدخول الحكومة الجديدة،رغم الممانعة التي أبداها حزب العدالة والتنمية،يستعد هو الآخر لعقد مؤتمره الوطني العاشر،في شهر ماي المقبل أيضا،في ظل رواج أخبار مفادها أن ادريس لشكر،الكاتب الأول،سوف ينافس نفسه،بما يعني أنه المرشح الوحيد،رغم أن هذا التنظيم السياسي عرف في عهده نوعا من التراجع،بسبب الثغرات التنظيمية، عكسته نتائج الانتخابات التشريعية لسابع اكتوبر الماضي.
ولعل المؤتمر الوطني الوحيد الذي يجعل المتتبعين يقفون اندهاشا أمام الإعلان عن توقيته يومي 19 و20 ماي المقبل، هو مؤتمر حزب التجمع الوطني للأحرار، بزعامة عزيز اخنوش.
ويكمن مبعث الاستغراب في كون أخنوش حديث العهد بقيادة حزب ” الحمامة”، بعد انتخابه بالإجماع رئيسا في لقاء حزبي كبير في بوزنيقة،خلفا لسلفه صلاح الدين مزوار،بعد ظهور نتائج الاستحقاقات التشريعية الأخيرة.
أما عبد الإله بنكيران،الأمين العام لحزب العدالة والتنمية،فإنه مضطر في المؤتمر الوطني المقبل لترك الأمانة العامة،بقوة القانون الداخلي، بعد ان تم التمديد له سنة كاملة، في سبيل خوض الانتخابات التشريعية الأخيرة،لكن وأمام المستجد المتمثل في إعفائه من تشكيل الحكومة،بات في حكم المؤكد عدم ترشيحه لقيادة الحزب،التي قد تعود إلى سعد الدين العثماني.
أمام كل هذه المعطيات،تبدو الساحة السياسية،في حاجة ماسة،إلى تغيير ملامحها، بغية ضخ دماء جديدة في شرايينها،لمواكبة التحولات المتلاحقة التي يشهدها المغرب في سعيه المتواصل نحو ارتقاء مدارج التطور في جميع المجالات.