الرئيسية / إضاءات / “حرب الطرقات”..من يوقف هذه المجزرة الدموية على الاسفلت؟
حرب الطرقات

“حرب الطرقات”..من يوقف هذه المجزرة الدموية على الاسفلت؟

مازال النزيف الدموي على الإسفلت مستمرا، رغم كل الحملات الإذاعية والتلفزية وغيرها لوقف حرب الطرقات المجنونة، التي تعصف كل يوم  بأرواح الناس، وترميهم جثتا هامدة على قارعة الطريق،واضعة حدا لكل أحلامهم وأمالهم في الحياة.

الأرقام التي تصدرها المصالح الأمنية الرسمية مؤلمة ومخيفة،وتبعث الحسرة والحيرة  في النفوس، حزنا على أطفال في عمر الزهور، وشباب في ريعان العمر، ونساء ورجال في سن النضوج.

من يوقف هذه المأساة، التي غالبا ما نكون شهودا عليها،وأحيانا شركاء،في ارتكابها، مع الأسف، من خلال مساهمة البعض منا فيها عبر خرق مقتضيات قانون السير،غير مبالين بالعواقب والكوارث الناجمة عن ذلك التهور، الذي سار سمة من سمات سلوك الكثيرين منا.

ماذا تفيد تلك الحملات الإعلامية، التي تنفق عليها مبالغ مالية باهضة،إذا كانت بدون مردودية معينة،بدليل أن الخط البياني ل”حرب الطرقات” مازال في تصاعد، منذر بالمزيد من المآسي الاجتماعية والعائلية،إضافة إلى كلفتها المادية.

كم هي الحملات التي تستهلك ميزانيات ضخمة،ولكنها لاتعطي ثمارها المرغوبة ونتائجها المطلوبة،وأحيانا تبث عبر وسائل الإعلام العمومي الرسمي،وسط فواصل إعلانية،أو حصص دعائية  إلى جانب مشتقات الحليب وأنواع الصابون وعروض تعبئة التلفون.

أما آن الأوان للقيام بتقييم أو دراسة لرصد طبيعة هذه الحملات ومدى تاثيرها في نفسية الملتلقي،من أجل دفعه إلى التجاوب التلقائي مع نداءات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، التي تقوم بجهود مشكورة في هذا المجال،بغض النظر عن نتائجها.

آخر الأرقام القادمة من المديرية العامة للأمن الوطني تفيد أن ” 24 شخصا لقي مصرعه، وأصيب 1489 آخرون بجروح، إصابة 62 منهم بليغة في 1189 حادثة سير وقعت داخل المناطق الحضرية خلال الأسبوع الممتد من 5 إلى 11 دجنبر الجاري.”

في هذا الحيز الزمني،فقط، والمشار إليه أعلاه،شهدت الطرقات وقوع 1189 حادثة سير على الطرقات في المغرب.أليس هذا الرقم كبيرا،ويدعو للتأمل،وإلى إجراء وقفة نقدية مع الذات،للبحث عن مكامن الأخطاء،لتحديد من يتحمل المسؤولية في ارتكاب هذه المجزرة الدموية الرهيبة.

أكيد أن هناك عوامل متداخلة،هي التي تقف  وراء هذا العبث المجاني بأرواح عباد الله،وتكلف الدولة خسائر مادية جسيمة،كأنما هناك روح تدميرية باتت تطارد كل مستعملي الطرق في المغرب،سواء كانوا سائقين أو راكبين،أو مجرد عابري سبيل من المارة.

لقد أصبح  من المألوف في بلاغات المديرية العامة للأمن الوطني تكرار واختزال  الأسباب الرئيسة المؤدية إلى وقوع هذه الحوادث، “في  عدم التحكم، وعدم احترام حق الأسبقية، وعدم انتباه الراجلين، وعدم انتباه السائقين، والسرعة المفرطة، وتغيير الاتجاه بدون إشارة، وعدم احترام الوقوف المفروض بعلامة “قف”، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر، والسير في الاتجاه الممنوع، والسير في يسار الطريق، والسياقة في حالة سكر، والتجاوز المعيب.”

والواقع أن هناك أسبابا أخرى،وهي كثيرة،ومن بينها انعدام التشوير،وأعمدة الإنارة،والحالة المتردية لشبكة الطرق،خاصة في المناطق النائية،في المغرب العميق،البعيد عن المركز، والوضعية المكيكانيكية للسيارات،وخاصة حافلات النقل العمومي المهترئة،وعدم خضوعها للمراقبة التقنية باستمرار، والتساهل أحيانا في منح تراخيص السياقة لغير مستحقيها،واستعمال الهاتف أثناء القيادة.

لقد آن الأوان لإعادة النظر  في كيفية تنظيم الحملات المخصصة لمحاربة حوادث السير، وفق مقاربة شمولية،تأخذ بعين الاعتبار وضعية كل الأطراف  المعنية والعناصر المرتبطة بالقضية،وكل الشروط المحيطة بها،ضمانا لانسيابية حركة السير،وحفاظا على كل أرواح مستعملي الطريق.