شباب لا يفتح كتابا،ولا ينشغل بعالم القراءة كمصدر للثقافة العامة، هو شباب محكوم عليه سلفا بالجهل والسطحية والانسياق وراء مجموعة من الانحرافات التي لاتحمد عقباها،لانعدام الحصانة الداخلية لديه،بسبب الفراغ الفكري.
ويمكن القول إن أكثر الانحرافات عن السلوك القويم،التي قد تهدد الشباب في المغرب، هي تلك التي تتمثل في الخروج على القانون من خلال انغماس بعض فئاته في ظواهر الإجرام والعنف،وإدمان المخدرات، وسهولة استقطابه من طرف التيارات المتطرفة التي تجد فيه حقلا خصبا للاستغلال،وتوجيهه نحو تدمير نفسه ومجتمعه.
مناسبة هذا الكلام، هو إصدار صندوق الأمم المتحدة للتنمية لتقرير حول حول أسلوب تعامل الشباب العربي عموما، وضمنه المغربي طبعا، مع حياته اليومية،في مختلف تجلياتها، وخاصة منها مايتعلق بتدبير وقته.
الاستطلاع الذي نشر مؤخرا ضمن تقرير التنمية الإنسانية لسنة 2016، تضمن مجموعة من المعطيات التي يتعين الوقوف عندها،قصد دراستها واستخراج بعض الخلاصات منها، خاصة وأنه جاء لرصد واقع الشباب في مختلف الأقطار العربية، عقب ما سمي ب”الربيع العربي”، الذي تحول إلى “خريف” في العديد منها، إن جاز التعبير، بدليل أنها ما زالت تعيش حتى الآن، تحت تداعياته، من فوضى وغياب للأمن في ظل عدم الاستقرار.
وإذا كان من الصعب جدا،نظرا لضيق هذا الحيز، استحضار كل مضامين التقرير المعززة بالأرقام عن مختلف أوجه ممارسة الشباب لأنشطته اليومية في الأكل والنوم والتعليم والدين والعمل والرياضة والانترنيت والتلفزيون والموسيقى والتواصل العائلي والاجتماعي، فإن النقطة الأكثر جذبا للانتباه هي تدني نسبة إقبال الشباب المغربي على القراءة.
الاستطلاع يورد رقما صادما، وهو أن الشباب المغربي لايستهلك في القراءة سوى 13 دقيقة يوميا، وهذا معدل ضعيف جدا،بينما يمضي في ممارسة أشياء أخرى أوقاتا أطول،كمشاهدة التلفزة،لمدة 3 ساعات،والإبحار في مواقع التواصل الاجتماعي لمدة 16 دقيقة،رغم أنها لاترقى إلى مستوى الأهمية التي تكتسبها الثقافة،كرافد من روافد تهذيب الوجدان وتعميق الوعي بكل مايروج في العالم من مستجدات يتعين الإلمام بها،حتى لايبقى المرء خارج الزمن!
وإذا عرفنا أن نسبة 54 في المائة من السكان في المغرب،حسب نفس المصدر أيضا، هم من الشباب، وفي الثلاثين من أعمارهم،أدركنا مدى الجهد الذي يتعين بذله من أجل إقناعهم بضرورة التسلح بالمعرفة، عبر القراءة،حتى لايبقوا جالسين في مقاعد المتفرجين،متخلفين عن الركب،بينما العالم يسير بسرعة قياسية في مختلف مجالات التطور.
ومن أجل تدارك هذا النقص،وحتى لايتكرر مستقبلا،ينبغي أن تكون البداية من المدرسة،فهي المنطلق والأساس،لبناء جيل جديد شغوف بالقراءة، باحث عن المعرفة والعلم،بين صفحات الكتب والمؤلفات،وذلك عبر تحفيزه وتوجيهه نحو هذا الفضاء الشاسع المنتج للأفكار،والمغذي للعقول، والمتلأليء بالنور .
وهذه مسؤولية الجميع،مسؤولية الأسرة والمجتمع، ومؤسسات التربية والتكوين،والنخبة المثقفة،وأجهزة الإعلام،حتى لايبقى الشباب أسير جهاز هاتفي في حجم الكف،لايستغله في الغالب كمصدر للتثقيف والتنوير، والاطلاع على أحوال الدنيا،بقدر ما يتعامل معه،فقط، كأداة للترفيه وتزجية الوقت الفائض في متابعة توافه الأمور.