في الوقت الذي تسعى فيه محاور دولية عديدة إلى التسابق لخطف الانتصارات في الحرب على الإرهاب، تستغل بعض الجماعات الإسلامية الحركية هذه الثغرة لتتوسع داخل الدول التي تعتبر رأس الحربة في استهداف تنظيم داعش، مثل بريطانيا التي أصبحت في العقد الأخير مرتعا لخلايا جهادية تنشط بأسماء وجبهات مختلفة، وتعلن دعمها ومساندتها للتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وللهجمات التي تقوم بها هذه التنظيمات. وقد أكد ذلك الباحث البريطاني جو مولهول في بحثه “حواضن داعش”.
لقد أصبح “تنظيم المهاجرين البريطاني” (نسخة بريطانية من داعش) بوابة للإرهاب خلال السنوات الأخيرة لدوره في تطرف العديد من البريطانيين المسلمين، كما أصبح حزاما ناقلا للجهاديين الذين يحاربون خارج البلاد. ويعرف التنظيم بنشاطاته المستفزة التي تحدث البلبلة الإعلامية، ولكنه في الواقع أكثر خطورة ويتطلب النظر في ممارساته بشكل أكثر جديّة.
وقد أكد العديد من المراجع البحثية التي اهتمت بهذا التنظيم وأشباهه أن دوره يكمن في أنه جيب إسناد للمتطرفين في الشرق الأوسط وأفغانستان، ومن تلك البحوث نجد كتاب “نهضة الإسلام الراديكالي” للكاتب والخبير الأميركي في شؤون الأمن القومي كوينتان ويكتورويكز وكتاب “البريطانيون المسلمون والدعوة إلى الجهاد العالمي” للكاتبة باكستر نائب مدير مركز الأقليات المسلمة ودراسة سياسات الإسلام في جامعة موناش بأستراليا.
وقد استمر التنظيم بالتوسع داخل بريطانيا وتمدد إلى خارج حدوده الأصلية ليؤسس شبكة دولية مؤثرة معروفة باسم “حركة الشريعة العالمية”.
إذ توسع تنظيم المهاجرين من خلال الجماعات العديدة التي نشأت عنه والتي كانت لها أسماء وقيادات مختلفة، لكنها كـانـت تسيـر وفـق أوامـر وتوجيهات الأمـراء في التنظيم، وبرغـم وجـود العشـرات مـن هـذه الجماعات الثانوية، إلّا أنّ زمـرة محـددة مـن الناشطـين كـانـت تتحكـم بـأمرهـا وهي بدورها خاضعة لأمر الرجال المؤسسين للتنظيم الأول منتصف تسعينات القرن الماضي.
بدأ تنظيم المهاجرين بالابتعاد عن فكر حزب التحرير على الرغم من كون زعيمه عمر بكري وأعضائه الأوائل كانوا من أعضاء حزب التحرير، إلّا أنه أخذ ينشئ أيديولوجيته الخاصة، إذ يسعى المهاجرون إلى إنشاء خلافة إسلامية في الدول غير الإسلامية، في الوقت الذي كان حزب التحرير يشدّد على أنّ الخلافة يجب أن تقام في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وفي سياق أحداث 11 من سبتمبر عام 2001، برز تنظيم المهاجرين بشكل واسع، حيث دافع عن الهجمات الإرهابية بعكس معظم التنظيمات الإسلامية في بريطانيا التي أدانتها، بل إنّه احتفل بالعمل الإرهابي، حيث أقام بعد سنة احتفالا سيء الصيت عنوانه “مؤتمر التسعة عشر المميزين” أشاد فيه بمنفذي العملية الإرهابية ورفع شعار “الحادي عشر من سبتمبر، يوم عظيم في التاريخ العالمي”، كما أصبح دعـم وتأييد أسامـة بـن لادن أمرا شائعا في التنظيم.
وقبيل هجمات لندن كان التنظيم قد غيّر اسمه إلى “الغرباء” تحت زعامة الناشط في تنظيم المهاجرين أبوعز الدين، واسمه الحقيقي عمر بروكس، ذو الأصول الجامايكية، والذي نشأ في منطقة هاكني بلندن، واعتنق الإسلام في مراهقته وتوطدّت العلاقة بين أبوعز الدين وعمر بكري في أواخر التسعينات حين التقيا في مسجد فينسبوري بارك.
ويدّعي تنظيم الغرباء عبر موقعه الرسمي على الإنترنت بأن تفجيرات السابع من يوليو تتحمل بريطانيا حكومة وشعبا مسؤولية وقوعها وليس منفذوها. في الوقت نفسه تمّ تأسيس جماعة أخرى سميت بـ”الفرقة الناجية” بزعامة المكنى بأبي عزيز الذي قال “نحن لم نعد نعيش معكم بسلام، لقد رفعت راية الجهاد في بريطانيا، إنّ الهجمات ستتواصل في بريطانيا”.
وفي الأثناء، وبتخطيط من جماعة المهاجرين، ظهرت جماعات عديدة أخرى مثل “مشروع الشريعة” في مدينة والتهام فوريست شمال لندن العام 2012 بزعامة العضو السابق المكنى بأبي أسامة، كما قام تنظيم المهاجرين مؤخرا بحشد صفوفه تحت منظمة جديدة تدعى “الحاجة للخليفة”، والتي تدعو الأمة الإسلامية للعمل من أجل إقامة خلافة إسلامية لكي يتحول الشرق والغرب إلى “دار الإسلام”، وقد تم حظر هذه المنظمة الجديدة إلى جانب مشروع الشريعة وجمعية الدعوة الإسلامية (المرتبطة بتنظيم المهاجرين) في يونيو من العام الماضي.
الجدير بالذكر أنّ هذه الجماعات التي ظهرت بمسميات جديدة وزعامات جديدة ليست سوى واجهات يستخدمها تنظيم المهاجرين من أجل حشد الدعم الجماهيري. فهناك العديد من الجماعات المرتبطة بهذا التنظيم ضمن القطاع الأكاديمي مثل كلية لندن للشريعة، وفي القطاع الاجتماعي مثل السجناء المسلمين الذي يديره المسمى عبدالموحد ومنظمات دفاعية مثل الطوارئ الإسلامية.
للمزيد:الشرطة البريطانية: حادث الطعن بمحطة قطار الأنفاق “عمل إرهابيا”
ولكل وحدة محلية أميرها الخاص، في حين هناك أكثر من زعيم في المناطق الكبيرة مثل بيرمنغهام ومنطقة مانشستر الكبرى. يقوم كل أمير بإفادة القيادة التي تعلوه بكل النشاطات والتطورات، وهم دائما مسؤولون عن تنظيم الحلقات الدراسية الخاصة التي تشدد على العقيدة الراسخة.
وتعد الجريمة المنظمة أهم الوسائل التي تتمكن من خلالها هذه الجماعات من جمع الأموال. وترى تقارير أمنية أن عصابة كبيرة لسرقة المحلات التجارية ترتبط بـ”مسجد فنسبري بارك”، حيث إن عائدات تلك السرقات تعود إلى ناشطين متطرفين. كما أنه من المعروف أيضا أن أعضاء من تنظيم المهاجرين قد دعموا أنفسهم ماليا من خلال التلاعب في استخدام نظام الرعاية البريطاني بتعلة أخذ المال من “الكفار”.
خلاصة من بحث جو مولهول “تاريخ وتطوّر تنظيم المهاجرون وشبكاته العالمية” ضمن كتاب “حواضن داعش” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.